رفعت الأسد: عودة اللص إلى بيت العائلة؟!

رفعت الأسد: عودة اللص إلى بيت العائلة؟!
رجع رفعت، أعاده ابن أخيه إلى سجن "الوطن" كي لا يسجن خارجه. وكأنه مشهدٌ غير منتظر في سرديّة هذا الفيلم السوري الممل، وكأنه المشهد الناقص لتكتمل الحكاية المفزعة عينها. عقد الثمانينيات بجيوبه المترعة بالقيح، بقبحه، بدمويته التي رشقت هواء مدينة حماه ولم تسترح بعد.

العم العائد، فونولوجيا تتكرر

نتذكر رفعت، وقد أسس أول ميليشيا داخل الجيش، وأسماها "سرايا الدفاع"، إمارةٌ داخل إمارة، نتذكر وجهَ سوق الحميدية المتقع حين هبّت بنات دورة الصاعقة التابعة لرفعت، ينتزعن أغطية رؤوس المحجّبات، كل غطاء بوسام، كل وسام بمسمار يلزم لصلب البلد، نتذكر رفعت وقد أفرغ له شقيقهُ حافظ احتياطي المصرف المركزي من القطع الأجنبي، ليطرده من مزرعة العائلة ثريّاً، مثلما عاد إليها الآن، وليتسبب بأول انهيار كارثي لليرة السورية، وبأزمة اقتصادية جعلت الناس يحوّلون أكياس السكر الخام إلى ملابس داخلية، ويطهون أيامهم المقيتة على "بوابير الكاز" وينفّون مخاطهم بِمِزَعٍ من ملابسَ بالية.

وصوت ميادة الحناوي كان يلعلع مادحاً حافظ في عتمة عيون الناس المطفـأة، ونتذكر رفعت وقد نهب آثار السويداء على عجالة، كنوزٌ ولقًى أثرية تسربت خارج البلاد لتسمّن حساباته البنكيّة الخارجية التي لا تشبع، فيما الناس كانوا نياماً مرغمين ومتطوعين، صمتهم قبرهم، قبرهم صمتهم، فالأمر لديهم سيان.

أيُّ صفقة حائرة أعادته الآن؟! وأيُّ دور سيمتطيه لتكتمل سينوغرافيا هذا العرض المسرحيّ الهزيل؟! أم إنها عودةٌ لا تحتمل صفات أكثر من كونها عودةً عادية كما وصفها صانعها؟!

ولعل لفظ "العودة" ذاته، وما يسيّجه من دلالات أغرى مؤخراً مجلة "نيوز ويك" الأمريكية، فاستعارته لتزيّن به عنوان تقرير طويل زاد عن ثلاثة آلاف كلمة، استمزجت فيه آراء شخصيات مختلفة عن عودة بشار إلى الساحة الدولية؟! واختارت صورةً مرعبة له ألصقتها على غلاف عددها ذاك.

فهل سنتدرب منذ الآن على نطق لفظ "العودة" والترنّم بعربشة حروفه بعضها فوق بعض، ولو فونولوجيّاً على الأقل؟! وهو اللفظ المقيت، الذي يكرّس في مثالنا هذا كلّ بشاعة الممكن في استمراريتها أو استرجاعها أو تدويناتها المتلوّنة.

طرائد تقتبس مصيرها المجهول

لا مسرّات ليجنيَها أحد، خاصةً أولئك المتشبثون بحلم الانفكاك من شريعة هذا النظام، والانتقال إلى عقد اجتماعي جديد، كم بُذلت نفوسٌ من أجل بلوغه، ولم نبلغه بعد. لتُترك الجغرافيا السورية تتحلل إلى مكونات ما قبل الدولة المدنية، إثنياتٌ سوّرت مناطق سكناها، ومكثت داخل السياج تراقب الانحياز الدولي لفنائنا جميعاً، مقابل بقاء هذا النظام المختلّ، وكيف أولمنا بحفاوةٍ إلى مصائرَ بائسة، وكأنه معنيٌّ بإثبات مقولة الشاعر والفيلسوف الألماني "فريدريك شيلر" (يجب ألا يكون هناك جحيمٌ بعد هذا). فلا ضير من أن يبيع رجلٌ كليته ليطعم بثمنها أفواه ذويه الجائعين، أو أن ينتظر آخر صدور جواز سفره ثلاثة أشهر ليلتحق بحشود السوريين في "أربيل" المؤمنين بأن أي مكان على وجه هذه الأرض أرحم من بلد يحكمه بشار وعصابته، فيما يلتقط اليوتيوبر المشهور "دانيال ماك" بالمصادفة مرور علي بن رامي مخلوف بسيارة فيراري ثمنها 300 ألف دولار بصحبة عارضة الأزياء الإسرائيلية "ميشيل أيدان" في أحد شوارع مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، فهذا نظامٌ لا يعرف العيب، ولم يختبره من قبل، فيعيد إليه أحد لصوص العائلة الحاكمة، في وقتٍ يجوب فيه ابن لص آخر شوارعَ مدينة أمريكية، وتحت مؤخرته بعضُ أموال السوريين المنهوبة.   

أما في جحيم بشار، فينتظر الناس مرور الكهرباء الشحيح في أسلاك يومياتهم، وينتظرون دورهم - وهم المرضى بالصمت- لصرف وصفة علاجهم الطبيّة المؤكدة "مازوت حجم 50 لترا" توصف لمرة واحدة فقط، وتلك المبادرة اليائسة لحشد الناس في السويداء ليس بهدف إسقاط النظام، فهذا فضفاض عليهم على ما يبدو، بل لمطالبة المحافظ بتوزيع برميلي مازوت على كل عائلة، وما تبعها من مهلة عشرة الأيام، وما سيتبعها من العودة إلى لحظة الصمت، والصمتُ مزاجٌ محببٌ هنا، ولن تغيّر قوامه مبادرةٌ أخرى جاءت هذه المرّة تحت مسمّى "اللجنة الوطنية" التي حمل بيانها التأسيسي توصيفاً إنشائي الطابع لما تعيشه السويداء من قتامةٍ وبؤس فاقعين، دون أن يشير بيانها ذاك إلى آليات تنفيذية لخلاصاته النظرية كالاعتصام والتظاهر أو العصيان المدني، ما يضع جدوى تلك اللجنة، وسواها من مبادرات ليست راديكاليةً في خانة الخيبة مجدداً.                       

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات