لماذا اختارت إيران والنظام "الخطاب الطائفي" لإدارة الصراع بسوريا؟

لماذا اختارت إيران والنظام "الخطاب الطائفي" لإدارة الصراع بسوريا؟
ذهب كثير من السوريين إلى تفسير الصراع السياسي المعاش الذي بلغ ذروته بتفجر الثورة السورية، تفسيراً مذهبياً وردّ الصراع مابين شعب وسلطة إلى أسباب وعوامل مذهبية ..لكأن تركيب عالم السياسة والسلطة والأنظمة الحاكمة كلها تقوم على الأديان والمذاهب، وفي الحقيقية لايوجد نظام سياسي حاكم مهما كان تقياً وورعاً يمكن أن يبتعد لحظة واحدة قيد أنملة عن قوانين وترتيبات الحكم والبقاء في السلطة وهي كلها قواعد وأسس وقوانين أبعد ما تكون عن الدين والتقوى والورع..

 وهذا ما يمكن قوله عن الثورات والانفجارات الاجتماعية أيضاً؛ فهذه بدورها تحدث لأسباب مادية نفسية بحتة، فثورات الربيع العربي انطلقت بسبب الفقر والنهب والقهر والإهانة، والثورة السورية ليست استثناءً في ذلك.. لكن كيف جرى ذلك؟

كان النظام وأجهزة مخابراته وأسطوله الدعائي حريصاً منذ الأسبوع الأول للثورة على إظهارها كحراك طائفي تصطف فيه طائفة ضد أخرى، وهو في سبيل ذلك راح يسرّب إلى جمهور الثورة عبر الفيسبوك أو الواتساب وبطرق أخرى تسجيلاً مصوراً بعد الآخر يظهر فيه عسكرياً أو ضابطاً يتحدث اللهجة الساحلية (العلوية) يقوم بتعذيب معتقل مدمى الوجه والجسد ويكيل له أقذع الشتائم التي تنال من كرامة وشرف المعتقل إضافة لعبارات طائفية وتجديف على الله. 

كانت الجهات التي تدير المعركة ضد الثورة تريد إظهار نفسها كجهة طائفية أو جهة تمثل طائفة، وهو ما سيقابل بالمثل عند الشعب كرد فعل عفوي أو تلقائي، لقد اختار النظام بنفسه موضوع الصراع (أي الخلاف بين طائفتين) فكان أول وأخطر سلاح نفسي دعائي لإدارة الحرب وأجبر الثورة وأجهزة دعايتها الشعبية على استخدام نفس السلاح سلام الطائفية والحشد الدعائي الطائفي. لم يولد هذا الخيار على الأغلب من بناة فكر النظام السياسي العسكري الحاكم، فلقد صدم السوريون جميعا حين خرجت بثينة شعبان بعد أسبوع واحد من انطلاق الحراك في درعا لتنطق لأول مرة في تاريخ هذا النظام لكلمتين محرمتين على الجميع تداولهما (علوي سني). كان هذا على الأغلب السلاح الإيراني الأكثر فاعلية وفتكاً الذي جعل الخطاب الدعائي يوماً فيوماً يتجه الى الطائفية .

من جهة ثانية وبالتوازي مع أسلوب نشر تسجيلات ناطقة باللهجة العلوية لعساكر وضباط يقومون بتعذيب معارضين أو متظاهرين في صفحات الثورة على الفيسبوك، راحت أجهزة دعاية النظام على الأرض تنشر تسجيلات مصورة في أوساط الطائفة العلوية والأقليات يظهر فيها أشخاص ينتمون للطائفة مذبوحين أو ملطخين بالدم وتتضمن التسجيلات تعليقات بصوت الأشخاص الذين قاموا بتصويرها أو تتضمن كتابات تعليقات مضافة إلى الأشرطة تشرح كيف أن الإرهابيين ذبحوا هذا الشخص أو قتلوا أو حتى اغتصبوا .. إلخ والإرهابيون طبعاً في ذهنية الشريحة التي تنشر فيها هذه الأشرطة هم الثوار المنتفضون. كانت هذه طريقة بالغة الفاعلية لتجييش الشارع لاسيما تجييش الشباب لدفعهم للتطوع أو الالتحاق بالجيش أو الأجهزة الكثيرة بما فيها الجهاز الأكثر فاعلية (الشبيحة) لقمع الثورة.

حقق هذا الدفق الدعائي المخيف نجاحاً باهراً بالنسبة للنظام فهو حشد بقوة الأقليات من خلفه وفي قلبها الأقلية العلوية.

 

لماذا اختارت الأجهزة الإيرانية في سوريا هذا الخيار (الصراع الطائفي) كموضوع مفضل لها لتظهر الصراع الحقيقي السياسي بين نظام وشعب ؟ 

الجزء الأول من الإجابة ذكرناه فيما سبق حيث إن إظهار الصراع الاجتماعي السياسي على أنه صراع طائفي ضَمِن للنظام تقوية جبهته وحشد كتلة اجتماعية ليست بالقليلة ربما تتجاوز عشرين بالمئة (نظرياً) من تعداد السكان العام دون حساب جزء من سكان دمشق وحلب الذين بقوا ميالين إلى جبهة النظام .

الجزء الثاني من الإجابة على السؤال وقد يكون بأهمية السبب الأول، هي تكريس الفكرة المصدّرة عن النظام أوروبياً وأمريكياً كنظامٍ حامٍ وراعٍ للأقليات، وإظهار الثورة السورية وحراك الشارع كما لو أنه تهديد للأقليات وإسقاط لمعادلة النظام الحاكم في سوريا التي ولدت قبل سبعين عاماً في مؤتمر يالطا ولاحقاً صادق عليها ضمنياً وعملياً النظام الأقليمي بما فيه النظام الأقليمي العربي ..

فحين تجد النخب الحاكمة والرديفة لها في أوروبا وأمريكا أن نظاماً هكذا دوره يتعرض لحرب طائفية فهي لابد أنها ستدافع عنه وتحميه من السقوط، وفي ذات الوقت تحاول إيجاد حل ما يرضي الجميع، وحين يفوتها ذلك لأسباب معروفة وأخرى غير واضحة، فهي ستعود إلى المعادلة السابقة أي إبقاء النظام الحاكم حامي الأقليات وممارسة سياسة إدارة الحرب واحتواء الجميع النظام والمعارضة .

التعليقات (2)

    مُلحِدْ مصيافيّ مُندسّ

    ·منذ سنتين 5 أشهر
    جهة واحدة لعبت بورقة الطائفية فقط .. فالمعارضات الطائفية جزء أساسي من مافيا الأسد أو مافيات عربية ودولية أخرى .. الناس اللي تظاهرت سلميا بعشرات الآلاف من كل الطوائف هي الهدف .. أما الخارج فيعرف الواقع تماما ولا يعبأ لو يموت كل السوريين

    مُلحِدْ مصيافيّ مًندسّ

    ·منذ سنتين 5 أشهر
    تتمة المُداخلة: يلعن روحك يا حافر
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات