سياسة أمريكا تجاه نظام أسد..إستراتيجية دائمة أم تكتيكيّة مصلحيّة؟

سياسة أمريكا تجاه نظام أسد..إستراتيجية دائمة أم تكتيكيّة مصلحيّة؟
حالة من النشوة الخادعة، واحتفاءً وربما احتفالات بمقال أمريكي نشرته مجلة نيوزويك الأمريكية أتى تحت عنوان (بشار الأسد يعود إلى المسرح العالمي في هزيمة للولايات المتحدة وانتصار لأعدائها)، ويمكن رؤية ذلك الاحتفاء من خلال المقالات التي ترجمت ما تُريد من التقرير الأمريكي وعلّقت عليه كما فعلت قناة الميادين الإيرانية التي احتفت بذلك التقرير أيما احتفاء، لكنها وكما تفعل عادةً ويفعل كل إعلام المحور الإيراني اقتطعت ما يدعم ادّعائها، مُتناسيةً أنّ التقرير ذاته حمل من الحقيقة ما لا تجرؤ تلك القناة على نشره، كالحملات "الوحشيّة" التي شنّها أسد على السوريين.

كل الصحف الأمريكية تقريباً انتقدت سياسة اللامبالاة التي اعتمدتها مؤخراً إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، النيوز ويك ذاتها علّقت على ذلك بقولها: "انعدام الثقة وانعدام مصداقية السياسات الأمريكية خلال الإدارات المختلفة على مدى العقود الماضية، أدّى إلى تدهور مكانة ودور الولايات المتحدة في العالم، وليس فقط الدول التي لديها وجهات نظر مختلفة مع الولايات المتحدة، ولكن حتى حلفاء الولايات المتحدة بدؤوا يفقدون الثقة في سياسات الولايات المتحدة".

أكثر من ذلك ذهبت صحيفة واشنطن بوست إلى أنّ إخفاق البيت الأبيض المستمر بتطبيق قانون قيصر المُصمَّم لمعاقبة مسؤولي نظام أسد والهيئات الحكومية لتواطُئهم في التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان يبدو واضحاً، وحتى الآن لم يتم تحديد أيّ مسؤولٍ سوري من قبل إدارة بايدن وفقاً للقانون، الأمر الذي أرسل إشارة واضحة إلى نظام أسد بأنه ليس هناك ما يخشاه موظفوه من الإدارة الأمريكية بسبب انتهاكاتهم المتعددة والمستمرة.

وعلى الرّغم من النشوة التي يعيشها نظام أسد من بعض التصريحات أو التصرّفات الأمريكية؛ غير أنّ ما جرى لا يعدّ بحال من الأحوال تغيراً جذرياً في الموقف الأمريكي، إنّما هو مُحاولة لإنقاذ لبنان من الوقوع في الحضن الإيراني، كما إنّ سياسات الديمقراطيين تاريخاً كانت تحمل كثيراً من التراخي والليونة، ولنا في الهجمات الكيماوية التي شنّها أسد على السوريين، وخطوط أوباما الحمراء التي ألِفَ أسد تخطيها أكبر دليلٍ على ذلك، غير أنّ المحلل السياسي الأمريكي جو ماكرون المختص بالسياسات الأمريكية والشرق الأوسط نفى في حديث لأورينت نت وجود تغيّر جذري بسياسات أمريكا تجاه سوريا، "لا أعتقد بوجود تحول جذري في الموقف الأميركي لكن هناك ليونة مرتبطة بالتحديات الاقتصادية في لبنان والأردن كما بالتقدم في المحادثات الأميركية-الروسية"، وبحسب ماكرون تلاقت المصلحة الأمريكية مع مصلحة نظام أسد، ليس أكثر من ذلك.

الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب وعلى الرّغم من قصفه لأحد مطارات أسد (الشعيرات) بعد استهداف الأخير للسوريين بالسلاح الكيماوي، غير أنّه لم يقصف ذلك المطار إلّا بعد تحذير الموجدين في ذلك المطار الذين أخلوه من الجند وأخفوا الطائرات الموجودة بداخله، لتبدو تلك الضربة وكأنّها لم تكن، غير أنّه وعلى الرّغم من ذلك كان أشد حزماً من بايدن خصوصاً فيما يتعلق بقانون قيصر وفرضه حصاراً خانقاً على نظام أسد، ويعتقد ماكرون أنّ السياسات الحازمة التي كان ينتهجها الرئيس الجمهوري دونالد ترامب كانت أكثر تشدداً في موضوع العقوبات على النظام السوري، لكن وبشكل عام فإنّ الملامح العامة للسياسة الأميركية في سوريا خلال عهد بايدن لم تشهد تغيراً جذرياً منذ وصوله للبيت الأبيض.

ويطرح المحلل السياسي السوري درويش خليفة تساؤلاً حول تعاطي الذهنيّة الأمريكية الجديدة مع المعضلة السورية، يقول خليفة: "هل بدأت إدارة بايدن بالتخلي عن قانون قيصر بالاستدارة والتعاطي المباشر مع حكومة موسكو، أم إنَّ الحالة السورية ليست بتلك الأهمية بالنسبة لها، في ظل تصاعد التحديات التي تواجه الولايات المتحدة بعد تنامي الدور الصيني على المستويات كافة، وتصدُّع العلاقة مع الشريك الأوروبي الفرنسي في قضية الغواصات الأسترالية، والعودة إلى إحياء الرابطة الأنغلوسكسونية، وتشكيل تحالف جديد يركز على مناطق المحيطين الهندي والهادئ؟".

ويتابع خليفة: "منذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض، لم تكن سوريا والصراع الدائر فيها جزءاً أصيلاً من سياسته الخارجية لاحتوائها أو للضغط من خلالها على إيران، لدفعها نحو تقديم تنازلات تساهم في الحد من سلوكها النووي، في حين ذهبت بعض الدول العربية بدافع اليأس للتطبيع مع نظام أسد".

المشهد السوري الذي باتت نظام طهران جزءاً رئيسياً منه، وارتبط بشكل عضوي بالتغييرات الحاصلة في الملف النووي الإيراني ولا سيما خروج أمريكا منه كونه لم يتطرق إلى صواريخ طهران البالستية ولا إلى تمددها وتمدد أذرعها في المنطقة، واليوم تُحاول طهران وأمريكا سويةً التوصّل إلى اتفاقٍ جديد، غير أنّ طهران تُصرُّ دائماً على استبعاد نفوذها وصواريخها من أي مفاوضات، وهو الأمر الذي طالب به الفرنسيون وليس الأمريكيين، إذ تبدو الإدارة الأمريكية أكثر ليونة حتى من الفرنسية، ويعتقد ماكرون أنّه من الواضح أن إدارة بايدن أكثر ليونة في التعامل مع إيران وهذا ينعكس في التهدئة بالعراق على سبيل المثال، لكن السياسة الأميركية في سوريا ليست مرتبطة بالضرورة بتطورات الملف النووي الإيراني بحسب قوله، في حين يؤكد خليفة أنّ سوريا ليست على جدول أعمال الدبلوماسية الأمريكية أصلاً، الأمر الذي يُمكِّن حلفاء أسد من تحقيق مكاسب مجانية بسبب صمت الأوربيين والعرب بالوقت نفسه.

الآن وبعد قُرابة العام على وصول بايدن إلى البيت الأبيض؛ يبدو أنّ سنين ثلاثاً عجافاً بانتظار السوريين حتى وصول إدارة أمريكية جديدة من شأنها أن تُعيد ضبط إيقاع الأمور في سوريا بعد الخراب الذي خلّفه بايدن فيها ،خصوصاً وأنّه ترك الحبل على الغارب للتمدد الروسي على حساب الدور الأمريكي فيها، ويرى ماكرون أنّه وفي المدى المنظور لا يعتقد بوجود تغييرات كبيرة في المقاربة الأميركية حيال سوريا، لكن هذا الأمر يعتمد إلى حد كبير على ما قد يجري في المحادثات بين واشنطن وموسكو، في حين يرى خليفة أنّ عدم إيلاء الإدارة الأمريكية أي اهتمام بالملف السوري، ناتج عن تقلّص خطر داعش وتمركزها في البادية السورية، إضافةً إلى وجود الآبار النفطية في أيدي حلفاء واشنطن لتأمين التمويل الذاتي لهم.

أمريكا الخارجة لتوِّها من أزمة كورونا تحتاج لإعادة عجلة اقتصادها للدوران لفترة ليست قليلة من الزمن، كما وتحتاج لتدوير تلك العجلة إلى الأموال التي من المؤكد أنّ طهران لن تكون قادرة على تأمينها، وبعد تصريحات استفزازية بين أمريكا وإسرائيل؛ بدأنا نشهد تقارباً جديداً بين الطرفين، ويؤكد خليفة عودة أمريكية باتجاه السعودية وإسرائيل، بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها الولايات المتحدة والضغط المتواصل على البيت الأبيض بسبب سياساته الداخلية، وعدم إيفاء بايدن بوعوده الانتخابية للأمريكيين حتى اللحظة، لا سيّما النقاشات إزاء البنية التحتية التي تتطلب تريليون دولار، وحل قضية سقف الديون، وتداعيات جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية التي عصفت باقتصادات جميع الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.

وحتى حين؛ ستبقى القضيّة السورية رهناً باتفاق الأطراف الخارجيّة، ولا سيما الروس والأمريكيين، خصوصاً بعد أن أعلن الطرفان منتصف شهر حزيران/ يونيو الماضي عن استراتيجيتهما حيال القضية السورية والمُسمّاة "خطوة بخطوة"، ليُعلن الطرفان بعدها ما سمي خليفة بالـ "حد الأدنى من الخطوط الحمراء"، حيث يقوم كلُّ طرف بالتقدم خطوة نحو الطرف الآخر لإنجاز الحل السياسي وفق رؤيتهما ومصالحهما.

إذن من الواضح أنّ سياسة أمريكا الحالية تجاه سوريا هي تكتيكيّة وليست استراتيجيّة، وستتغير مع تغيّر الأوضاع في المنطقة أو حتى في أمريكا ذاتها، ناهيك عن الضغوط المتتالية التي يواجهها الرئيس الأمريكي بادين إن كان من الصحف الأمريكية الوازنة أو من أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين ما فتئوا يوجهون الانتقادات اللاذعة لبايدن وإدارته نتيجة التراخي الواضح من هذه الإدارة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات