فيلمه الأول رشح للأوسكار قبل 50 عاما: رحيل شيخ المخرجين الكويتيين

فيلمه الأول رشح للأوسكار قبل 50 عاما: رحيل شيخ المخرجين الكويتيين
نعى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت رحيل المخرج السينمائي الرائد خالد الصديق مخرج أول فيلم سينمائي روائي في الكويت وصاحب العديد من الأفلام والجوائز الهامة.

وقال الناطق الرسمي للمجلس الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة د. عيسى الأنصاري في البيان: "آلمنا خبر وفاة المخرج السينمائي الكبير خالد الصديق، صاحب الأعمال السينمائية والتلفزيونية الرائدة التي تركت بصمات في هذا المجال محلياً وعربياً ودولياً، وهو منتج ومخرج سينمائي ذاع صيته بفضل نظرته الفنية الثاقبة والفريدة، ويعد رائد الحركة السينمائية الكويتية، ورُشح فيلمه بس يا بحر، الذي أنتجه وأخرجه في 1972 لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي في حفل توزيع جوائز الأوسكار الخامس والأربعين، وهو أول فيلم كويتي يرشح للجائزة، إضافة إلى أعمال عديدة منها المطرود والصقر والرحلة الأخيرة وعرس الزين وشاهين وغيرها من الأعمال الأخرى التي تركت بصمة في مسيرته الفنية". وأعرب الأنصاري عن خالص التعازي لذوي الفقيد وللأسرة الفنية بفقد هذا العلَم السينمائي الكويتي، داعياً المولى عز وجل أن يسكنه فسيح جناته ويلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.

سنوات الشغف السينمائي الأولى

ولد خالد الصديق في الكويت عام 1945 لأب يعمل في التجارة وتربطه علاقات تجارية مع الهند كمعظم العاملين في هذا المجال في منطقة الخليج في تلك الفترة، حيث كانت التجارة مع الهند هي الوجهة الأولى والأهم لهم. 

 يحكي خالد الصديق في حوار صحفي عن علاقته مع السينما التي بهرت عيني الطفل الذي كان يهرب من المدرسة لمشاهدة الأفلام والذي ظل يعتبر مشاهدة الأفلام من المناسبات السعيدة في حياته... فيقول:

" عندما كنت أدرس في المدرسة الشرقية في الكويت في بداية الخمسينيات لم تكن هناك دور للسينما والمجال الوحيد لعرض الأفلام كان في البيوت، وفي المناسبات السعيدة كانوا يعرضون أفلاماً على مقياس 16 ملم. وأول فلم شاهدته في الكويت كما أذكر كان فلم «بلبل وبطة» لإسماعيل ياسين، وذلك كان في أحد البيوت المجاورة لنا في منطقة الشرق في بداية الخمسينيات. بعد ذلك ولأنني كنت أهمل الدراسة في الكويت، فكر الوالد أن يرسلني إلى الهند للدراسة، وأن يشرف مكتبه التجاري على ذلك. وعندما وصلت إلى الهند أدخلت في مدرسة أميركية إنكليزية اسمها مدرسة سان بيتز. وطبعاً الهند معروفة في مجال السينما سواء في الأفلام الهندية أو الغربية، ومن هنا تدريجيّاً بدأت اهتماماتي بالسينما، ومع الزمن كنت أهرب من المدرسة لحضور بعض الأفلام لدرجة أن المدرسين والمدرسات بدؤوا يشتكون من غيابي إلى مكتب الوالد. وكنت أستغل الكثير من هذه الأوقات، لا لمشاهدة الأفلام فقط، بل لتعلم أمور فنية أخرى مثل: الإلكترونيات والالتحاق بمعاهد التصوير الفوتوغرافي وحضور أستوديوهات الأفلام السينمائية، ومنها أشهر أستوديو وهو أستوديو سنترال".

تلفزيون الكويت طوق نجاة

قبل إنهاء دراسته الثانوية التحق خالد الصديق  بمعهد سينمائي في بومباي، فتدرب على التصوير الفوتوغرافي والنواحي الفنية للفيلم السينمائي.

وحين طلب من والده بعد حصوله على الثانوية  أن يواصل دراسته التخصصية في مجال السينما.. قوبل بالرفص القاطع،  فقد كان يرى أن مجال السينما مجال اللهو والفساد وغيره.. وقرر أن يعيده إلى الكويت ليعمل معه في التجارة، لكنه لم يفلح... وجاء افتتاح تلفزيون الكويت كأول محطة تلفزيونية في الخليج عام 1963 طوق نجاة.. فقد قرر خالد الصديق أن يلتحق للعمل به.. فعمل أولاً  في القسم الهندسي ثم انتقل  إلى الإخراج التلفزيوني معتمداً على التدريب الذاتي.. لكن عمله هذا لم يصرفه عن عشقه الأساسي: السينما. وكانت الخطة هي إنشاء قسم سينمائي في تلفزيون الكويت.. ليكون نواة عمل إنتاجي يحتضن الأفكار والمبادرات السينمائية التي كان يطمح إليها.

 ويروي الصدّيق هذه التجربة الهامة فيقول:

"عرض علينا وزير الإعلام ووكيل الإعلام في ذلك الوقت الشيخ جابر العلي والأستاذ سعدون الجاسم أن نشترك في مهرجان تلفزيوني، وكان عبدالوهاب السلطان يومها رئيس قسم التصوير الفوتوغرافي في وزارة الإعلام ومحمد السنعوسي وأنا من التلفزيون وذهبنا إلى مونت كارلو في مهمة رسمية لحضور المهرجان التلفزيوني هناك عام 1964م، وفي أثناء وجودنا هناك تحدثنا أنا وعبدالوهاب السلطان حول مسألة إنشاء قسم للسينما في تلفزيون الكويت، وبعد رجوعنا بدأنا ننقل بالتدريج من وزارة الإعلام بعض الأجهزة السينمائية – التي كانت تابعة لوزارة الشؤون سابقاً – إلى قسم السينما، وترأس الأستاذ عبدالوهاب هذا القسم، ومجموعة من مصوري السينما منهم: المصور اللبناني سليم شحيد، والمصور المصري محمود سابو، والمونتير حسنوف. وكان لدينا معمل لتحميض الأفلام السينمائية في ثانوية الشويخ لأنه كان تابعاً آنذاك لوزارة التربية. وبدأنا نستعير هذا المعمل ونحمض الأفلام 16 ملم والأفلام الإخبارية التي كانت تصور بالطريقة السينمائية 16 ملم أيضاً. وكان أول عمل أنجزناه فلماً صورته مدتها نحو 20 دقيقة مقياس 16 ملم، وحمض في معمل وزارة التربية، وكان اسمه «علياء وعصام» عام 1964م، ولتوفير الوقت في عمل الفيلم لأنه كان ضمن برنامج اسمه «صور شعرية»، اضطررت أن أمثل فيه – صورنا الفلم كله في نصف يوم! بعد ذلك عملت عدة أفلام قصيرة درامية وتسجيلية ووثائقية منها فلم «الصقر» عن القنص، وقد صور الفلم في البراري، وكان معي من المصورين سليم شحيد وتوفيق الأمير. وحمض الفلم بإنكلترا (35 ملم) وقد اشتركنا بالفلم في مهرجانات عدة ولاقى صدى إعلاميّاً واسعاً".

فيلم (بس يا بحر).. الانطلاقة العملاقة

لفيلم (بس يا بحر) الذي أنجز عام 1972 كأول فيلم سينمائي روائي طويل في الكويت والخليج العربي.. قصة طريفة دفعت المخرج الصديق للتفكير بموضوعه أولاً وإنتاجه ثانياً... ففي مهرجانات الأفلام القصيرة والتلفزيونية التي كان يمثل الكويت فيها من خلال أفلامه، كان الصديق يواجه بأسئلة غريبة من نوعها عن الكويت، ومنها أن الكويتيين مولودون بملاعق ذهبية في أفواههم، وذلك بسبب الثروة النفطية. 

وبسبب تكرار هذه الأسئلة فكر الصديق أن يقدم عملاً يعرض فيه كفاح الكويتيين قبل اكتشاف البترول.. وعن ذلك يضيف:

"هذه الانطلاقة كانت ذاتية. وبدأت أبحث عن الموضوع المناسب لمدة طويلة جدّاً حتى وقع اختياري على قصة شبه قصيرة للكاتب عبدالرحمن الصالح، كانت بعنوان «الدانة». وبمجهود كبير كتبنا السيناريو بالمشاركة مع المؤلف عبدالرحمن الصالح نفسه، وباشتراكي أنا والأستاذ ولاء صلاح الدين والممثل سعد الفرج. وأحببت - من خلال هذا الفلم كما ذكرت – أن أبيِّن للعالم كفاح الشعب الكويتي والخليجي ضد الطبيعة – والطبيعة هي البحر عندنا – قبل اكتشاف النفط. ومع أن هذه العملية كانت نوعاً من المجازفة، لكن الاندفاع والحماس وجنون السينما أيام الشباب جعلوني أنسى كل هذه الجوانب على الرغم من خبرتنا المتواضعة في كتابة السيناريو، اليوم وبعد النجاح الباهر الكل يدعي أنه الوحيد الذي كتب السيناريو لهذا الفلم من الألف إلى الياء".

روى الفيلم قصة عائلة كويتية تعتاش من صيد اللؤلؤ، حيث يسعى أحد أبنائها للزواج من الفتاة التي يحبها "نورا" في ظل وجود منافس ثري له يريد والدها تزويجها له . لكن إصرار "مساعد" يجعله يذهب للغوص الذي حذره منه والده والذي كان يسبب مخاطر صحية عديدة أبرزها الإصابة بمرض الصرع، أو حتى الاختناق حتى الموت. يخوض هذا العاشق رحلة مضنية في سبيل الحصول على اللؤلؤ كمهر لحبيبته.. وعندما  يجد لؤلؤة ضخمة تم نقلها إلى أسرته كبادرة على شجاعته وتصميمه يكون قد فقد حياته فتذهب والدته إلى البحر بحزن وأسى في قلبها لتصرخ في وجه الموت وقسوة الطبيعة وشظف العيش"بس يا بحر".

دمشق تمنحه الجائزة الأولى

استغرق تصوير (بس يا بحر) نحو 10 أشهر فقد بدأ خالد الصديق تصوير (بس يا بحر) في 7 يوليو 1969، وكان آخر يوم تصوير في 19 سبتمبر 1970.. لكن التصوير خلال هذه المدة كان يتم بشكل متقطع..  فقد لعب بطولة الفيلم ممثلون لم يكونوا قد بلغوا مرحلة الاحتراف حينها أمثال محمد المنصور وحياة الفهد وأمل بكر وسعد الفرج وكانت المشكلة أن معظمهم يعملون موظفين في دوائر الدولة ولديهم دوامٌ رسمياً... ما اضطر المخرج  إلى أن يصور معهم فقط في العطلات الرسمية، وكل يوم خميس أو جمعة حسب ظروفهم.

أما إنجاز نسخة الفيلم من تحميض نسخة الفيلم النيغاتيف في معامل تلفزيون الكويت إلى إنجاز العلميات الفنية الأخرى في استوديو مصر في القاهرة.. فقد استغرقت نحو عام أيضا.. ليصبح الفيلم جاهزا للعرض عام 1972  لكن النتيجة كانت باهرة.. وأولى الجوائز كانت من دمشق التي كانت قد أطلقت مهرجانها السينمائي الأول حديثا.. فمنحته الجائزة الأولى في مهرجان دمشق السينمائي الأول لسينما الشباب عام 1972. ثم توالت الجوائز فكانت جائزة الشرف، من مهرجان طهران الدولي في زمن الشاه،  وجائزة الاختيار "الأسد الفضي"، مهرجان فينيسيا الدولي وجائزة أخرى في المهرجان نفسه. جائزة "هوغو الفضي"، مهرجان شيكاغو العالمي. وجائزة في مهرجان قرطاج بإسبانيا. جائزة مهرجان الفيلم الدولي في سان أنطونيو في ولاية تكساس بالولايات المتحدة. فضلا عن ترشيحه لأوسكار أفضل فيلم أجنبي في الدورة الخامسة والأربعين للأوسكار.

(عرس الزين) من الأدب إلى السينما

 

بعد (بس يا بحر) أنجز خالد الصديق العديد من الأفلام الروائية الهامة، كان أبرزها (عرس الزين) المقتبس عن رواية بالعنوان نفسه للأديب السوداني البارز الطيب الصالح، والذي أنتج عام 1976 واعتبر أول فيلم سينمائي سوداني.. وقد تم دخول الفيلم لجائزة أفضل فيلم بلغة أجنبية في حفل توزيع جوائز الأوسكار الحادي والخمسين عام 1978 إلا أنه  لم يقبل كمرشح.. لكن هذا لا يقلل من أهمية الفيلم الذي حصد جوائز أخرى متنوعة وجسد حالة طقوسية واجتماعية سودانية عالية جدا. مجسدا نمط العادات والتقاليد السودانية في عوالم القرية والحب والعلاقات العاطفية البريئة.

(شاهين) الولادة المتعثرة

فيلمه الروائي الطويل الثالث (شاهين) الذي أنتج عام 1986 وبعد عشر سنوات على إنتاج فيلم (عرس الزين) فقد اقتبس  عن رواية الأديب الإيطالي بوكاشيو، وهو الفيلم الذي تعرض لعدة مشكلات ولم يعرض على الرغم من أنه أنتج قبل أكثر من ثلاثة عقود، وشارك في بطولته الفنان المصري مجدي وهبة، إلى جانب الفنان السعودي إبراهيم الحربي.

حصل خالد الصديق على تكريم في بلده الكويت فنال جائزة الدولة التقديرية من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لدوره البارز في التأسيس لفن السينما ورفد مسيرة التلفزيون في الكويت منذ بداياته الأولى.. وكانت له مكانة مرموقة في الأوساط الثقافية العربية.. لكن يبقى التكريم الأبرز هو الإنتاج الفني.. الذي كان من سوء حظ السينما الخليجية والعربية عموما أن أحد مخرجيها البارزين في منطقة مقفرة سينمائيا، لم تتح له الفرصة سوى لتقديم ثلاثة أفلام سينمائية روائية طويلة في مسيرته التي اصطبغت بعشق السينما منذ الطفولة وتجاوزت الثانية والسبعين عاما حتى رحيله يوم الرابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2021.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات