النظام هجرهم والمعارضة تجاهلتهم.. مصر تجنس المزيد من صناعيي سوريا

النظام هجرهم والمعارضة تجاهلتهم.. مصر تجنس المزيد من صناعيي سوريا
منحت السلطات المصرية جنسية بلادها لثلاثة صناعيين سوريين يوم الأحد، في خطوة جديدة تظهر أهمية الدور الذي بات يلعبه رجال الأعمال السوريين في البلاد التي انتقلوا إليها خلال السنوات العشر الماضية.

ونشرت الجريدة الرسمية المصرية قرار رئيس الوزراء "مصطفى مدبولي" الذي وافق فيه على منح الجنسية المصرية للصناعيين السوريين الثلاثة، وهم: محمد برهان أحمد شعبان كنجو، من مواليد حلب عام 1965، وعبد الرؤوف محمد القيسي، مواليد حلب، عام 1979، ومصطفى العيسى، من حلب أيضا تولّد 1976.

الصناعيون السوريون في مصر

وسبق للعديد من المستثمرين السوريين أن حصلوا على الجنسية المصرية خلال العقد الماضي، أبرزهم الشقيقان فائق محمد خالد الكسم، وفهد محمد خالد الكسم، اللذين حصلا على موافقة استثنائية تمنحهما الجنسية، وهما من أشهر مصنعي الملابس في مصر ويقيمان معاملهما بمحافظة القليوبية.

يشار إلى أن عائلة الكسم الذي يعتبر خالد الكسم وهالة الكسم أبرز وجوهها الصناعية، يملكون أشهر مصنع للمنسوجات في مصر، وهو مصنع تريكو متخصص في صناعة الملابس بكافة أنواعها.

وتعتبر مصر من أكثر البلدان استقطاباً لرؤوس الأموال وأصحاب المشاريع الصناعية من السوريين الذين غادروا بلادهم بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وانهيار البنية التحتية، حيث شكلت مع تركيا والأردن والسودان ولبنان والإمارات أبرز الوجهات بالنسبة لهذه الفئة.

ورغم الانقسام السياسي الذي أصاب المجتمع السوري إلا أن قلة من الصناعيين ورجال الأعمال من أعلن موقفاً سياسياً صريحاً، وهو ما سهل عليهم الانخراط في شراكات اقتصادية وتجمعات نقابية أبرزها "جمعية المستثمرين السوريين في مصر" التي تأسست عام 2017 لتحل تدريجياً محل تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المحسوب على نظام أسد.

وأبرز مؤسسي الجمعية: باسل سماقية، عمار صباغ، سميح سوسة، رضوان الخطيب، فهد جبريني، فراس ديري، محمد فتيح، حسان دعبول، طلال عطار، سامي طرفي، خالد منجد، فواز موصلي، لما قصيباتي وبدور الخير.

ورغم أن الصناعات المتوسطة هي المجال الذي تنشط فيه الغالبية العظمى من الاقتصاديين السوريين في مصر، إلا أن جميع رجال الأعمال الذين أسسوا الجمعية هم أصحاب مشروعات صناعية كبيرة، مثل: شركة قطونيل ومدار للألمونيوم، لمالكهما حسان دعبول، ومجموعة صباغ للصناعة وتجارة النسيج التي يملكها عمار صباغ.

ومع ذلك استمر العديد من الصناعيين السوريين الكبار في مصر خارج "جمعية المستثمرين السوريين" وكذلك" تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر"، مثل: محمد صباغ شراباتي "ملك الجينز"، عدنان النن "الدرة للصناعات الغذائية"، عائلة العلبي المتخصصة في صناعة النسيح، عائلة الويس المتخصصة في الصناعات الغذائية، بالإضافة إلى أيمن برنجكجي، مالك ترخيص مصنع "أندومي" الذي أقفل مصنعه في سوريا عام 2016.

هجرة طبيعية

ورغم استعادة النظام السيطرة على جميع المناطق الصناعية في سوريا، وإعادة تشغيل معظم الطرق التجارية، إلا أن ذلك لم يشجع على عودة أي من الصناعيين والتجار السوريين إلى بلادهم، بل على العكس من ذلك، شهدت الأشهر الأخيرة الماضية موجة هجرة جديدة بين من تبقى من رؤوس الأموال الذين فضل الكثير منهم التوجه إلى مصر أيضاً بسبب النجاحات التي يحققها زملاؤهم السوريون هناك، وكذلك الظروف الجيدة التي تتوفر لهم.

وبالإضافة إلى سوء الأوضاع الأمنية وغياب البنية التحتية اللازمة للإنتاج، يتعرض الصناعيون في مناطق سيطرة النظام إلى ضغوط مستمرة من قبل ميليشيات الشبيحة والأمن والجيش التابعة لنظام أسد، وقد تفاقمت هذه الظاهرة مؤخراً بشكل دفع حتى بعض أشد مؤيدي النظام من رجال الأعمال إلى الاحتجاج بسببها علناً.

ويرى الخبير الاقتصادي أحمد عزوز أن "الابتزاز ليس سوى سبب من جملة عوامل تجعل سوريا بيئة طاردة للاستثمارات بامتياز، مقابل البيئة الآمنة والمحفزة التي توفرها الدول التي انتقل إليها رجال الأعمال السوريين".

وأضاف في تصريح لـ"أورينت نت": جميع هذه الدول توفر بيئة آمنة للاستثمار، بالإضافة إلى ما يلزم رجال الأعمال للوصول إلى الأسواق العالمية، وكذلك البنية التحتية واليد العاملة بأسعار مناسبة، أما في سوريا فلا يوجد أصلاً بيئة استثمار آمنة، كما إنه لا تتوفر المواد الأولية ولا الطاقة أو الوقود اللازم للتشغيل، ناهيك عن شح اليد العاملة الماهرة والتي هاجرت بسبب الظروف الأمنية، أما عن مشاكل الحصول على النقد الأجنبي فحدث ولا حرج، خاصة بسبب العقوبات الاقتصادية، وعليه فإن الهجرة التي حدثت لرؤوس الأموال، وفي مقدمتهم الصناعيون تعتبر طبيعية.

فشل المعارضة أيضاً

ويعتبر عزوز أن الاقتصاديين السوريين شكلوا رأسمال إضافي للبلاد التي انتقلوا اليها "من خلال فتح استثمارات جديدة وتشغيل يد عاملة في هذه البلاد، إذ وفقاً لبعض التقديرات عام 2019 فقد وصل حجم استثمارات السوريين 23 مليار دولار في مصر، و 25 مليار دولار في الأردن، و 26 مليار دولار في لبنان.

وبينما كانت سياسات النظام واضحة في العمل على القضاء على من تبقى من الطبقة الصناعية التقليدية في سوريا، بما يتيح تعزيز فرص رجال الأعمال المرتبطين به أو الذين يمثلون واجهاته الاقتصادية، يرى المستشار الصناعي سعيد النحاس أن المعارضة من جهتها فشلت في استقطاب هذه الفئة والاستفادة منها.

ويؤكد النحاس في حديثه لـ"أورينت نت" أنه "منذ عام 2013 جرت محاولات لاستقطاب الصناعيين السوريين الذين بدؤوا بمغادرة البلاد في تلك الفترة التي مثلت ذروة النشاط السياسي للمعارضة، وقد أبدى الجانب التركي اهتماماً بهم حينها، وطلبت مني بعض المؤسسات الاقتصادية التواصل مع هذه الفئة من السوريين، وبسبب معرفتي حساسية الكثير من رؤوس الأموال تجاه السياسة وحرصهم المشروع على حماية ممتلكاتهم واستثماراتهم التي كانت ما تزال موجودة في سوريا، إلا أن انتهازية البعض منهم وفشل مؤسسات المعارضة الرسمية بالتعامل مع أغلبهم، إلى درجة عدم امتلاك هذه المؤسسات حتى الآن أي تصور أو اهتمام بقطاع الصناعيين ورجال الأعمال. كل ذلك أفشل محاولاتنا لإنتاج إطار يجمع العدد الأكبر منهم بما يخدم السوريين".

وتابع، "مع ذلك فإن عدداً من رؤوس الأموال ممن أعلن انحيازه الصريح والكامل للثورة، واستعداده للاستثمار في المناطق المحررة، لم يجد البيئة الآمنة والمناسبة للعمل، بينما اختار بعضهم الآخر أن يدور في فلك بعض رموز المعارضة وخاصة رجال الدين منهم، ليشكل هذا العامل، مع عامل استمرار تجاهل المعارضة الرسمية لهذه الفئة، البيئة الطاردة للاستثمار فيها والاستفادة منها سياسياً واقتصادياً وتنموياً.

ساهمت الصناعة السورية حتى عام 2011 بنسبة ثلاثين بالمئة من الناتج القومي، بينما كانت تشغل أكثر من أربعين بالمئة من اليد العاملة المحلية، ورغم كل الظروف غير الصحية التي كانت تعمل بها، إلا أن المرونة التي عرف بها الصناعي السوري، والقدرة على التكيف التي لطالما تميز بها لم تسعفا طبقة رجال الأعمال والاقتصاديين على تحمل تكالب النظام ضدهم وتجاهل المعارضة لهم، لتشهد البلاد بمختلف مناطق النفوذ والسيطرة، نزيفاً حاداً ومستمراً استفادت منه البلدان الأخرى وفي مقدمتها دول الجوار التي تسارع إلى تجنيس الكثير منهم ومنحهم كل التسهيلات والامتيازات.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات