الأسد والاستمتاع في فراش الآخرين

الأسد والاستمتاع في فراش الآخرين
بعيداً عن الجزء البروتوكولي من لقاء بوتين - الأسد في الكرملين بتاريخ 29 أيلول/سبتمبر 2021، وتبادل التصريحات الدبلوماسية الجوفاء التي تتكرر دائماً حول موضوع إعادة إعمار سورية في فترة ما بعد الصراع، ووجود القوات المسلحة الأجنبية دون موافقة الأمم المتحدة أو دمشق، وثقل العقوبات الغربية غير العادلة... إلى ما هنالك من الهراء السياسي المجاني، مع اختلاف وحيد هذه المرة تمثل في شكوى مختار "حي المهاجرين" من تعثر التسوية التي بدأت قبل ثلاث سنوات وتوقفها بسبب خطأ دول معينة بذاتها، وليس بسببه!

جُرّ الأسد إلى موسكو، هذه المرة، بعد تمكن الجيش الروسي من عقد اتفاق مصالحة في محافظة درعا الجنوبية، وعشية زيارة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لسورية غير بيدرسن إلى إسطنبول، والمحادثات المقرر إجراؤها في جنيف بين الوفدين الروسي والأمريكي، وقبيل لقاء القمة بين بوتين وأردوغان.

لم يتم الإعلان عن الزيارة إلا بعد أن انتهت وعاد الأسد أدراجه إلى مقصلته القاسيونية التي أغرقت السوريين بالدم والخراب طوال حكمه وحكم أبيه، وذلك لأسباب أمنية حسب التصريحات الروسية؛ ما جعلها عرضة للتكهنات والتفاسير المختلفة حول طبيعتها وتوقيتها ومواضيعها... لكن من الواضح أن بوتين لا يثق كثيراً بالأسد، ويحاول دائماً الإمساك برسنه وشده وقت الحاجة لحشره في الزاوية ومعرفة ما جد ويستجد من أمور على الساحات السورية البعيدة نوعاً ما عن تأثير ووصاية موسكو، وتذكيره بما يجب قوله وفعله. ومن هذه الأمور المهمة والحساسة تقارب الفراش الأخير بين الأسد وبعض الأنظمة العربية، ومحاولة إشراكه في مشاريع الغاز المستقبلية، التي لطالما أثارت رائحته شهية جزار الكرملين الافتراسية وأسالت لعابه.

لم تتعلق الزيارة كثيراً باستئناف مفاوضات جنيف، التي يحاول الأسد بكل الطرق الممكنة المماطلة بشأنها، وإنما بتحويل الأنظار إليه كـ "نادل المقهى الشرق الأوسطي"، والوصول إلى تسوية تخفف عن كاهله العقوبات، حتى يستطيع تنفيذ مشروع استيراد الغاز من مصر والكهرباء من الأردن ونقله إلى لبنان عبر أراضيه. وهذا يتطلب التوصل إلى نوع من الاتفاق مع إدارة الرئيس جوزيف بايدن لرسم حدود ما هو مسموح به وما هو ممنوع؛ رغم أنه قد استفاد شخصياً من "قانون قيصر" عبر استخدامه للدعاية السفسطائية لـ "مقاومته وممانعته واستهدافه من قبل الصهيونية والإمبريالية والنيوليبرالية"؛ ونُظر إليه بمثابة نعمة لتحفيز مبدأ المظلومية وتسول العطف والتعاطف... 

يتمثل المشروع بزيادة إمدادات الوقود إلى المملكة الأردنية في المرحلة الأولى، ومن ثم إنتاج كهرباء إضافية من أجل نقلها إلى الجانب اللبناني عبر شبكة ربط سورية.

في البداية كان هناك تخوف من المضي قدماً في تنفيذ المشروع الطموح، الذي سيساعد هذه الدول الريعية التي تواجه صعوبات اقتصادية وتعتاش على الهبات الخليجية والمنح الدولية؛ لكن الغريب في الأمر هو تلقيه الضوء الأخضر من الولايات المتحدة المستعدة، على ما يبدو، لإجراء استثناء في نظام العقوبات المعمول به ضد رأس العصابة السورية. إضافة إلى مشاركة البنك الدولي في تمويل إصلاح واستبدال خطوط الكهرباء عالية الجهد المارة من الأردن إلى لبنان عبر الأراضي السورية. 

يعتقد بعض المحللين أن هذا يُبشر بانفراج في عملية تخفيف العقوبات المفروضة على النظام السوري، ويشكل حافزاً مالياً يساعد دمشق في تقليل اعتمادها على الدعم الإيراني، ما يصب في مصلحة الولايات المتحدة وبعض الدول العربية التي أظهرت منذ فترة طويلة براغماتية في التفاعل الدبلوماسي والاقتصادي مع دمشق، محاولة جعل رعاية العصابة الأسدية من واجبها النفعي. 

هذا المشروع ليس جديداً تماماً، ويبدو جميلاً مثل مشاريع أخرى تم طرحها مؤخراً، كبناء السكك الحديدية من العراق إلى سوريا مثلاً، لكن تعترضه الكثير من العقبات وغير قابل للتطبيق على المدى القريب؛ فالأنبوب مرتبط بشكل وثيق بخطوط الطاقة، إضافة إلى أن شبكات الأنابيب السورية واللبنانية مدمرة منذ عام 2011 ولم يتم صيانتها بالمرة. إذاً كيف سيتم ربط المشروع بأكمله بالبنيتين التحتيتين المدمرتين بالكامل؟ 

هنا ربما تقوم إيران ببناء خطوط طاقة بديلة؛ فهذه الأخيرة تريد الاستفادة من أزمات لبنان الخانقة التي يعاني منها على كل الأصعدة، ويمكنها استخدام "سلاح الوقود" لإجباره على الاعتماد عليها وعلى عصابتيها المتمثلتين في حزبي الله والأسد.

بالتوازي مع ذلك، رست وسترسو تباعاً السفن المحملة بالديزل وزيت التدفئة في مياه ميناء بانياس قادمة من إيران، وستنقل في قوافل من الصهاريج إلى لبنان، ما دامت الولايات المتحدة وإسرائيل لم تتخذا أي خطوات لمنع التسليم، رغم انتهاكها العقوبات التي فرضتها واشنطن على الأسد بموجب "قانون قيصر"، وحظر شراء النفط الإيراني. ما جعل "حزب الله" ينتشي فرحاً، ويتحدث عن نجاحه في كسر الحصار الأمريكي على لبنان وسورية، ويكيل الاتهام للسفيرة الأمريكية في بلاد الأرز دوروثي شي بانتهاك سيادة البلاد والتدخل في شؤونه الداخلية. 

تفوز إيران في كلتا الحالتين: إما بجلب "سفن الإنقاذ" المحملة بوقودها إلى لبنان أو بموافقة الولايات المتحدة على تقوية النظام السوري من خلال تشجيع لبنان على توفير الوقود والكهرباء من مصر والأردن عبر أراضيه. وهذا يعني أن "سلاح الوقود" هو الآن أولوية قصوى بالنسبة للملالي.

إن نجاح حسن نصر الله في إنقاذ اللبنانيين من أزمة الوقود صوّره مرة أخرى على أنه المخلّص للّبنانيين الذي يعمل بجد ونشاط لحل مشاكل البلاد. لقد وصف سفن الوقود الإيرانية التي وصلت إلى لبنان بـ "بارقة أمل للبلاد"؛ كذلك نشرت وكالة الأنباء الإيرانية "تسنيم"، المرتبطة بالحكومة الإيرانية وبأجندتها، تقريراً بعنوان "السفن الإيرانية مثلث المقاومة الذي هزّ الهيمنة الأمريكية" يكشف أوراق حرب العمائم الوقودية!

تدرك طهران التحول التكتوني في المنطقة والأثر بعيد المدى لأزمة الوقود الحالية.. هذا تحدٍ للجميع، لأنه إذا نجحت في مسعاها، فمن المحتمل أن تستخدم هذا النفوذ لتحقيق هدف اقتصادي بعيد المدى يمتد من الصين إلى لبنان لدعم محورها المقاوم والقاتل للشعوب العربية.

رغم إعلان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس بأن بلده ليس لديه خطط "لتطبيع أو رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري"، وأنه لن يتواصل بشكل مباشر معه، ولا يشجع الآخرين على ذلك أيضاً؛ إلا أن إدارة بايدن تناقض نفسها؛ فمن ناحية تريد منع استيراد الوقود الإيراني إلى لبنان، ومن ناحية أخرى تريد استمرار العقوبات ضد الأسد.  

في الحقيقة لن يتوقف الأمر عند نقل الكهرباء والغاز والوقود، وإنما سيتعدى لأمور كثيرة كما يفعل الأردن اليوم: فتح معبر نصيب، استئناف الرحلات الجوية، زيادة التبادل التجاري، التواصل بين رأسي النظامين... 

سيسرع هذا المسار، إذا استمر، عودة الأسد إلى الحظيرة العربية، وهو اتجاه يتم تمهيده وتطويره بشكل تدريجي على مدى العامين الماضيين. فبالإضافة إلى الأردن ودول الخليج، تتجه مصر والعراق أيضاً إلى التقارب مع الأسد. أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في مؤتمر عُقد في آب/ أغسطس 2021 في بغداد وحضره قادة مصر والأردن والمملكة العربية السعودية، فتح "صفحة جديدة في العلاقات مع سوريا".

هذه الأنظمة العربية لا تملك ذرة ضمير واحدة ولا تفكر بطرق استراتيجية، هذا إن فكرت؛ وإنما بطرق تكتيكية ضيقة تغلب عليها المصالحية والكيدية والتآمرية.. إنها أنظمة متهالكة وفاسدة ومفلسة، وتريد أن تربح، ولو القليل، على حساب دماء السوريين! 

كلنا يذكر كيف عادت مصر عام 1989 إلى جامعة الدول العربية بعدما علقت عضويتها بسبب توقيعها اتفاقية سلام منفرد مع إسرائيل. وهذا من جهته يقودنا إلى عودة الأسطوانة العربية المشروخة حول احتواء نفوذ إيران و"حزب الله" في سورية من خلال تقديم عروض تحفيزية إلى بشار الأسد، مثل "الصفقة الأردنية"، والتخفيف الجدي للعقوبات الأمريكية مقابل إجراء عملية تغيير تدريجية داخل بنية نظامه. لكن هذا لن يفيد بأي شيء؛ فمن غير المرجح أن يتخلى الأسد عن "الفراش الإيراني" في هذه المرحلة بالذات، لكنه بالتأكيد يمكن أن يتبنى سياسة أكثر تعقيداً تسمح لها بالمناورة بعدما تعود على الاستمتاع في فراش الآخرين!

بعد المحادثة الهاتفية بين عبدالله الثاني والأسد، جاء الرد من "وثائق باندورا"، التي قام بها فريق مختص من الصحفيين الاستقصائيين المحترمين؛ لتفضح تورط الملك الأردني بشراء عقارات فخمة في بريطانيا والولايات المتحدة بقيمة تزيد عن 100 مليون دولار، بينما جُل شعبه يرزح تحت وطأة الفقر والعوز والبؤس؛ ليشرب من كأس "اللعنة السورية" التي شرب منها قبله رئيسا السودان وأبخازيا الأسبقان - عمر البشير، غينادي غاغوليا - عندما التقيا باللقيط الدمشقي!  

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات