الشتاء العاشر: ألا ينتفض الصامتون؟!

الشتاء العاشر: ألا ينتفض الصامتون؟!
مساءات أيلول/ سبتمبر موحشة، تكسوها العتمة من الجهات الأربع، وينبّه غيمها الرمادي جموع الصامتين (رماديي الموقف السياسي)إلى دنو الشتاء من دروب حياتهم اليومية ومن أوحالها، ما يعني أن الكارثة السنوية التي يلوب معها السوريون قد أزف موعدها، ولعلها هذا العام ستكون أشد وطأةً من سابقاتها، حتى إن الـ 50 ليتراً من المازوت بالسعر الحكومي الموعود تبدو صعبة المنال للكثيرين، ولعل حكومة بشار إن وزعت هذه الدفعة الشحيحة، فإنها لن تتمكن من توزيع أخرى، وكأن نفاق السلطة في تلفيقها لتهمة الدفء هو غايتها فقط.

ولأنها سلطة مزيفة على هذا النحو، فهي لا تجد ضيراً من التمترس خلف أقنعة لا حصر لها، حتى ولو لم يقِها ذلك من الوهن الوظيفي الذي بلغته، فصارت مجرد أكسسوار سياسي منخفض القيمة على طاولات التفاهمات الإقليمية وتقاسم النفوذ الدولي، فهي سلطة الإملاءات الخارجية، وما قبول التمديد لرئيسها ولايةً جديدة سوى ملمح من ملامح الميل الدولي لترك النظام يتفكك من الداخل، وما معاناة الناس، والتياعهم اليومي سوى ملمح من ملامح تحملهم نفقات خنوعهم لنظام الذل والمهانة الذي يحكمهم.

الرّهان جنوباً هذا الشتاء

العاصمة مستلقية تحت ظلها، مستباحة، وعاجزة عن الحراك، حيث جلُّ الثقل الأمني المدجج للنظام، وحيث القبضة المتسلطة التي لا ترحم رقاب الناس، ولا تعتقها. أرادها نظام بشار منذ العام 2011  مكمومة الصوت، فطوّقها بالحواجز، بل وشظّاها بها. قاطنوها يغرقون مثل غيرهم ولا يصيحون، واعتباراً من العام 2013 صارت دمشق طاردةً لمن كان يسكنها وأصله من مناطق أخرى، فاختار المطرودون منها، إما العودة إلى مناطقهم الأم، أو مطاردة آثار أقدام من سبقهم وخرج من الجحيم السوري غير نادم.

وبذا ينزاح احتمال الحراك الشتوي في مناطق النظام نحو الجنوب أكثر من سواه، هناك بدأت بالفعل دعوات أطلقها ناشطون لطرد الخوف مجدداً، وملاحقة حلم الخلاص من تنكيل هذه السلطة بالناس، تحت شعاري "بدي دفّي ولادي" و "ما راح خلّي ولادي يبردوا"، تلك الدعوات نادت بتطبيق إضراب يقارب العصيان المدنيّ اعتباراً من يوم الأحد الثالث من تشرين الأول\ أكتوبر الحالي.

وكلما مرَّ الوقت، ازداد إفلاس النظام بالمعنى السياسي والاقتصادي، وذهب كما المتوقع منه إلى تمويل عجزه بمزيدٍ من رفع الأسعار كما فعل مؤخراً حين رفع سعر الأسمنت بنسبة 20 بالمئة، أو بمزيد من جباية الضرائب والرسوم، مثلما حدث بعد رفع أسعار الاتصالات وتوابعها من خدمات الإنترنت بنسب تراوحت بين 40 إلى 100 بالمئة. أما السلع الأساسية التي تحجبها السلطة عن الناس بذرائع الحصار الواهية، فهي متوفرة في السوق السوداء، مثل الخبز والغاز المنزلي والمازوت والبنزين، لكن بأسعار تعجيزيّة لا يقدر عليها سوى أقل من واحد بالألف من المخلوقات السورية.

يدبّر النظام شؤون وجوده إذاً كجابٍ يسرق أيَّ سيولة محتملة يلمحها أو يفترض وجودها، أو كبائعٍ  لكل ما هو قابلٌ للبيع من أصولٍ واستثمارات لرفيقي دربه في البطش بالسوريين، روسيا وإيران. ولا شيء يرتق تلك الفظائع، والزلّات الكبرى أمام أعين الناس سوى تفكك هذا النظام وزواله، وهذا ما يحدث واقعياً، وإن ببطء، وإن بكلفة عالية يدفعها السوريون بأنفسهم.

مصائر أخرى على درب الخلاص

السويداء التي لا تزال تفكُّ أحاجي بقائها صامتةً، يعوّل عليها بحراك شتوي هذا العام إن جازت التسمية، فهي المتروكة تقارع فقر وعزلة ناسها بمفردها، ولولا الحوالات الخارجية، والمساعدات التي تطير من دروز فلسطين والجولان، لهلك هنا أغلب الناس، وفصّد البؤس أوصالهم منذ زمن، وما يزيد طبيعة هذا المشهد الحالك -باعتبار أن العوز والحاجة سمةٌ يتقاسمها كل السوريين في مناطق النظام- أنَّ السويداء تمتاز عن سواها ببهاء حضور العصابات المسلحة، وانتشار فضائل تجارة وتعاطي المخدرات بإشراف  أمني وإيراني على وجه الخصوص، حتى وإن بدت القبضة الأمنية رخوةً في السويداء، لكن في هذا سببٌ إضافي يجيز التأسيس لإطلاق حراك واسع يبدأ فيها، ويمتد خارجها علّه يزيل هذه السلطة من الوجود، قبل أن تزيل هي ما تبقى من أنفاسٍ حية تلوح داخل الجغرافية السورية.

لكن الملاحظ هو التزامن بين تلك الدعوات للشروع بمشوار احتجاجات ضد ممارسات النظام، وبين الإعلان الرسميّ عن ارتفاع عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا داخل مدارس المحافظة التي سجلت نحو أربع عشرة إصابة بحسب أرقام النظام، وبحسب تصريح لمدير صحة السويداء نشرته وسائل إعلام موالية مؤخراً، فإن قسم الإسعاف في المستشفى الوطني بات يستقبل ما بين خمس إلى خمس عشرة حالة يومياً يشتبه في إصابتها بأعراض فيروس كورونا. الأمر الذي يرجح احتمال أن يفرض النظام حظر تجوّل جزئياً أو كلياً بذريعة عودة انتشار الفيروس في السويداء إن لاقت دعوات الاحتجاج والعصيان المدني آذاناً صاغية لدى عامة الناس، وبدأت التحرك الاحتجاجي بالفعل.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات