الصراع الطبقي الذي فجّر ثورة السوريين

الصراع الطبقي الذي فجّر ثورة السوريين
تقاعس جزء لا بأس به من مثقفي الثورة السورية عن الاشتغال العلمي على تحليل الدوافع العميقة لتفجّر الثورة الشعبية السورية.

وسبب ذلك أن أغلب الذين يمتلكون الرؤية الاقتصادية الاجتماعية، وكثير ممن يدّعونها وإن بشكل سطحي، ذهبوا إلى معسكر أعداء الثورة والشعب المنتفض، كما إن من تبقى منهم في صفوف الشعب وانحاز إلى ثورته، انشغل في تفاصيل الحراك اليومية، فضلا عن  أن بعض الأسماء لم يكن صوتها مسموعاً أو هي تعرّضت للقتل أو الاعتقال.

 من تبقى من الشخصيات القيادية على قلّتها انشغلت بدورها في الشأن اليومي للثورة والحراك، أو مالت إلى تفسير الثورة سياسياً أو مذهبياً، وهو الخط الأقوى في رؤية الثورة وأسبابها حتى اللحظة.

سلامة كيلة المفكر السوري الفلسطيني أحد الماركسيين القلائل ممن انحازوا إلى الثورة السورية ودفع ثمن ذلك اعتقالاً وتعذيباً ونفياً، (يصادف يوم 2 تشرين أول أكتوبر الذكرى الثالثة لوفاته) إضافة لما سبق فهو من المثقفين الماركسيين الذين وضعوا يدهم على عقدة الصراع السوري وشرّح بشكل علمي ومبسط وواضح الأسباب الاقتصادية والاجتماعية لهذا الصراع الذي تفجّر في النهاية ثورةً شعبية، وهو في سبيل ذلك نشر أربعة كتب عن هذه الثورة، ولم يسبق لأحد من الكتّاب والباحثين السوريين أن أنجز وحده هذا العدد من الكتب عن الثورة السورية، ولا غرابة فسلامة كيلة كان يربط ما بين النضالين السوري والفلسطيني، ويعتقد أن انتصار الثورة السورية سوف ينعكس إيجابياً على القضية الفلسطينية.

يعتبر سلامه كيله أن الأسباب العميقة الحقيقية لتفجر الثورة السورية كانت اقتصادية اجتماعية، بدأ ذلك قبل خمس سنوات من تفجّرها، بالتحديد سنة 2007 حينما اكتملت سيطرة اقتصاد السوق وتخلّت الدولة عن دورها الاقتصادي المحلي ففتحت الاسواق دون قيود وتحرر الاقتصاد فتحول إلى اقتصاد ريعي يتمثل في الخدمات والعقارات والسياحة والبنوك وانهارت الصناعة والزراعة وازدادت تبعاً لذلك معدلات البطالة حيث وصلت إلى 33 بالمئة وتدنّت الأجور الى ثلث ما هو ضروري للعيش. من جهة ثانية تمركزت الثروة بيد ثلاث عائلات (الأسد، مخلوف، شاليش) والزبانية الملحقة بهم والبرجوازية التقليدية عبر تشكيل شركات مساهمة فتأسس نظام عائلي مافيوي بوليسي شبيه بنظامَي تونس ومصر، حاول هؤلاء التفاهم مع الأمريكان لكن أمريكا أغلقت الطريق في وجههم بإصدار الكونغرس قانون عقوبات، فما كان منهم إلا أن عملوا على تحقيق شراكة مع الرأسمال الخليجي ثم التركي .. يستنتج سلامه كيلة من هذه الوضعية الاقتصادية السياسية للنظام المافيوي السوري أمراً بالغ الأهمية، حتى على مستوى النظرة السياسية الماركسية للصراع في زمن العولمة بين المركز الرأسمالي العالمي وبين الأطراف التابعة، وهو أن "التوافق مع الإمبريالية الأمريكية أو الاختلاف معها ليس هو المحدِّد لطبيعة التكوين السياسي لهذه النظم" أي إنه يمكن للنظام الحاكم في سوريا أو مصر أو أي بلد نامٍ أن يكون ذا طابع حر على نمط اقتصاد السوق، لكن هذا لا يعني أن أمريكا يمكن أن تقبله وتؤيد سلوكه داخلياً أو إقليمياً، ومن ناحية ثانية فإن موقف النظام السوري "المعادي" لأمريكا لا يعني أنه نظام وطني أو اشتراكي أو رافض للهيمنة والتدخل بالشؤون الداخلية، فالنظام السوري أكثر من تدخل بشؤون الدول المجاورة لسوريا لتخريب الأوضاع فيها، وهو ليس له من الاشتراكية - ذلك الوقت- سوى الشعار والاسم.

والحقيقة أن سياسات التحول إلى اقتصاد السوق التي أدت إلى الاقتصاد الريعي الخدمي (اقتصاد اللا اقتصاد) هي التي مهدت الطريق واسعاً لتفجر ثورة السوريين في آذار 2011 حيث بلغ الاختناق الشعبي حداً كبيراً بعدما بلغ الحد الأدنى للأجور 150 دولاراً، في حين أن احتياجات الفرد السوري كانت تبلغ 620 دولاراً شهرياً، وبسبب هذه السياسات توقفت الحكومة عن دعم المزارعين ورفعت أسعار المازوت، الأمر الذي تسبب بهجرة مليون فلاح ومزارع من الجزيرة السورية إلى محيط دمشق وحمص، وتسبب كذلك في هجرة كثير من مزارعي ريف دمشق إلى المدن الصغيرة المحيطة بالعاصمة وهؤلاء المُفقَرون كانوا مادة الثورة وأداتها بعدما فقدوا أرزاقهم فاستوى عندهم الموت والحياة.

بناء على ماتقدم يقول سلامه كيلة: " لا يجب النظر إلى الانتفاضة (يقصد الثورة) من منظور الموقف السياسي القائم بل انطلاقاً من طبيعة الصراع الطبقي بالتحديد"، ففي الماركسية لا بد من الانطلاق من التحليل الاقتصادي من أجل فهم الوضع بشكل علمي وإلا تحكم المنطق المثالي الذي يبدأ من "السياسي" ومن الدولة ومن الأفكار . " والحقيقة فإن أزمة العقل العربي التاريخية تتمثل في جنوحه إلى رؤية الواقع رؤية مثالية الأمر الذي أوقع العرب في فخ المثالية وجعلهم عاجزين عن فهم واقعهم كما هو وبالتالي منعهم من تجاوز مشكلاتهم وعلى رأسها مشكلة أنظمة الحكم التي تهدد ربما بتدمير المجتمعات العربية أو على الأقل تهدد باستمرار نهب ثروات الشعوب العربية المادية وفي تهجير ثرواتها الفكرية المتمثلة بتهجير ملايين الكوادر الشابة كل عقد من الزمان.

التعليقات (1)

    Jamal

    ·منذ سنتين 6 أشهر
    فلاحين لا يمثلون سوريا
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات