النسبة الأعلى كانت من حصة مدينة (رانس) القريبة من باريس، هذه المدينة التي نالت حصة الأسد من اللجوء الإنساني السوري، البيت السوري في رانس، يتحدث عما يقارب ال300 أسرة، لذلك تبدو إعادة الإعتبار لهذه الأحياء هماً سورياً عاماً اليوم، يتشارك به مع باقي الجاليات العربية في فرنسا.
وكان الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا أولاند، قد أطلق خطة لإعادة الإعتبار لهذه الأحياء، وكان من المقرر أن تبلغ الميزانية المرصودة خمسة مليارات يورو، على أن تتبعها خطط مماثلة، ليصل مجموع المبالغ المالية المرصودة إلى 20 مليار يورو، ولكن الخطة توقفت مع وصول خليفة أولاند (إيمانويل ماكرون) إلى السلطة.
يبلغ تعداد الأحياء التي توصف ب، "الأحياء الساخنة والملتهبة"، والتي تحتاج إعادة هيكلة وتأهيل نحو 200 حي سكني، حيث تعاني في معظمها خللاً في البنية الحضرية، وهذه الأحياء هي ذاتها الأحياء التي تشير إليها وسائل الإعلام الفرنسية بالبنان، كلما تعلق الأمر بالحديث عن الجالية المسلمة والمهاجرة.
مستعمرات معزولة
يقطن السوريون المهاجرون هذه الأحياء، مشكلة الضواحي، مثلما تسميها أدبيات السياسة الداخلية الفرنسية، ويعيش الغالبية الساحقة من السوريين في هذه الأحياء الساخنة والملتهبة والفقيرة رغما عن إرادتهم.. إذ لم يخيروا بأن يكونوا جزءا من هذه المجتمعات المضطربة. ولعل أبرز سلبيات هذه الأحياء:
1- تشهد أحداث عنف ومواجهات مع الشرطة الفرنسية، غالباً ما تندلع شرارتها الأولى من هذه الأحياء!
2- الكثير من سكانها مهاجرين غير شرعيين لا يحوز على أوراق إقامة.
3- الجريمة المنظمة بكل أنواعها من السرقة إلى القتل، والإتجار بالممنوعات وخاصةً المخدرات والسلاح، وإمتهان الدعارة تنتشر فيها وتخلق واقعا ملتبسا بالأزمات.
عندما تجولت أورينت نت في أحد هذه الأحياء، كانت تستهدف شريحة السوريين الذين أسكنوا هنا، (أبو الطيب) مالك مطعم سوري من المستقرين في فرنسا قبل الثورة السورية، يقول "أعتبر الضواحي قنبلة مؤقتة، بسبب إهمال الحكومات الفرنسية المتعاقبة لها، وتحولها مع مرور الزمن إلى ما يشبه المستعمرات المعزولة التي يقطنها غالبية ساحقة من المهاجرين. كل هذا جراء تفشي مشكلات إجتماعية مزمنة"
ويضيف أبو الطيب من واقع ممعايشته اليومية:"البطالة وعدم التجانس، والشعور بالإغتراب، وشعور سكان هذه الأحياء بأنهم قوم غير مرغوب بهم، ومن يحملون جنسية البلد، يشعرون أنهم فرنسيون من الدرجة الثانية.. كلها مشاعر تكاد تشكل قواسم مشتركية بين سكان هذه الأحياء على اختلاف جنسياتهم ومشاربهم." ويختم قائلاً: "السوريون المستقرون مؤخراً سيواجهون نفس المشاكل والصعوبات وربما ستكون صدمتهم أكبر".
تضم غالبية ضواحي المدن الفرنسية في تركيبتها خليطاً من السوريين مع المهاجرين العرب وغالبيتهم من أصول مغاربية وإفريقية وغيرها. ويصل عدد المسلمين في فرنسا إلى 6مليون نسمة، النسبة الكبيرة منهم لا تتوفر على الحق في التصويت في الإنتخابات المحلية. والسوريين حال العرب في الأحياء الساخنة يعانون من تقصير شبه متعمد وأزمة هوية وأزمة شرعية، مثلما جاء في تقرير برلماني خاص.
بطالة مهاجرين وعمالة سورية
بحسب المختصين فإن السوريين لا يعانون من البطالة في بلد مستوى البطالة فيه في الأحياء الساخنة مرتين عن باقي البلاد، وتصل عمالة السوريين حسب مصادر وجمعيات فرنسية وسورية، إلى نحو35% بينما باقي المهاجرين10.4، وبالنسبة للفشل الدراسي فلا يوجد أرقام محددة، ولكن يعرف عن السوريين في فرنسا أنهم ميالون للنجاح الدراسي واستكمال دراساتهم العليا، ويدخلون الفروع التي تتطلب مستوى من الدرجات الدراسية مرتفع نسبياً.
(مهيار) طالب طب سنة أولى من دير الزور ويعمل بالعطل من أجل مصاريف دراسته يتحدث لـ (أورينت نت): "السوريون والحمد الله مهتمون بالدراسة، وسمعتنا كسوريين في فرنسا طيبة كثيراً قياسا بجاليات أقدم، إذ لا نعاني من الفشل الدراسي وحالاته نادرة جدا". وعن إهتمام السوريين بالفروع العلمية وتحصصاتها المرموقة كالطب بأنواعه والصيدلة يقول مهيار:"نحن نعشق الطب، منذ كنا في سوريا عندما يقال طبيب فهذا شخص متميز. هنا في فرنسا، عدد الأطباء السوريين يتجاوز حاجز الـ 7500 طبيب".
لغة الأحياء الساخنة
ومع استفحال الأزمة وإرتفاع معدل البطالة وإنعدام فرص الحياة الكريمة، إزدادت تلك الشرائح الإجتماعية في الأشاء الهامشية فقراً، وعوضا عن أن تبحث عن وسيلة لكسر عزلتها، أختارت الإنزواء في الحي كقطاع خاص بها، (أبو أحمد) مالك محل للمنتوجات السورية في إحدى الضواحي الساخنة، تحدث لـ(أورينت نت): "هذه الأحياء تعمل على إرساء قيم وسلوكيات ثقافية متبانية جدا عما نعرفه"، ويحذر أبو أحمد في حديثه من مأل أحوال السوريين قائلأ: "سيواجه السوريين تأثرا واضحا بحياة الأمريكان السود، حيث الشغف بموسيقى الراب، وإرتداء ألبسة فضفاضة تكاد تكون موحدة واتباع سلوكيات غريبة عن طبيعتنا. لكن التأثر سيحدث شئنا أم أبينا ففي لغة الأحياء الساخنة، هناك لغة لا تغرف من رصيد عام مشترك بغرض التفاهم والتواصل بل العكس" عندما نستوضح منه على هذه النقطة.
يضيف: "لغة الأحياء الساخنة غالباً ما تبتكر مفرداتها ومصطلحاتها وقاموسها، وحتى نبرة التلفظ بها، هوذه اللغة خلقت لتكرس العزلة لا لتفتح سبل التواصل. أخشى على السوريين من إتقانها باللاوعي كونها لغة جمعية تنتشر بالعدوى في الأحياء الساخنة".
مجتمع داخل مجتمع
ضاحية (كروا روج) في مدينة (رانس) الغنية، شأنها شأن باقي الضواحي في فرنسا، تم إسكان السوريين الذين توافدوا إلى فرنسا بعد إتفاق الدول الأوربية على تقاسم مسؤولياتهم بما يخص ملف اللاجئين السوريين، وحصلت مدينة رانس على حصة الأسد من اللاجئين في فرنسا، وتعاني ضاحية "كروا روج" من مدارس لا تقدم خدمات تعليمية جيدة، فضلاً عن انتشار بطالة متوطنة ضد أحلام هؤلاء ومستقبلهم، ويصعب على من فيها النفاذ إلى العالم الخارجي، إلى درجة أصبح فيها السوريون مجتمعا داخل مجتمع يعرّف نفسه على أساس الدين والهوية. يفول مهند الآشوري لـ(أورينت نت) معلقاً "كلنا فقراء، كنا هنا سابقاً فرنسيون وأصول شرق أوسطية، اليوم لا بوجد سوى العرب والسود" ويضيف الآشوري"اليوم تغير لون المكان بعد موجة اللجوء السوري، ستجد في كل فصل طالب أو طالبين سوريين".
نغادر ضواحي (رانس) وفي المخيلة الكثير من الأمل عن قدرة السوريين على التغلب على ما يواجهم من ظروف صعبة في بلد لا يبدو أنه يرحب فيهم كثيرا. وفي الوقت نفسه.. الكثير من قلق، عن جيل يفقد هويته وروابط الانتماء بوطن يتضاءل ذكره في ذاكرة الجيل الجديد كلما امتدت سنوات التشرد واللجوء.
التعليقات (1)