أن يكون المرء منتمياً إلى طائفة تكونت عبر التاريخ فهذه حال معقولة، لكن التعصب الطائفي ليس الانتماء إلى طائفة، بل انتماء يقود إلى كره مختلف ذي علاقة بتاريخ متخيل وسردية تلقي بالمسؤولية على هذا المختلف باضطهاد ما، ويتحول هذا الكره إلى حقد تاريخي يولد الرغبة بالانتقام والثأر.
فالطائفي الشيعي العلوي أو الدرزي أو الإسماعيلي لا يكره المسيحي المختلف، لأن المسيحي ليس آخر في سردية تلومه. إن الآخر المكروه هنا هو السني.
بالمقابل إن السني المتعصب لا يعيش سردية تتحدث عن مسؤولية الطوائف التاريخية في عذاباته، ولهذا فهو ليس كارهاً بحقد، بل ينظر بعين الإقلال من شأن الطوائف ويشك بانتمائها إلى الإسلام الصحيح.
إذاً الانتماء الطائفي لا يقود بالضرورة إلى تعصب طائفي، كما إن الانتماء القومي والديني لا يقود حتماً إلى تعصب قومي وديني.
ولهذا فإن السؤال الأجدر في البحث عن جواب له: ما هي الشروط التي تحول الانتماء الطائفي إلى تعصب، إلى طائفية تنطوي على حقد وعنف؟
وهذا السؤال يشبه تماماً السؤال حول الشروط التي تحول الدين إلى تعصب ديني والانتماء القومي إلى عنصرية قومية.
إن التعصب الطائفي ليس سوى التعبير الأيديولوجي الزائف لعصبية تسعى نحو السيطرة أو مسيطرة، أو مواجهة طائفية مع طائفة مسيطرة. وفي كل شر.
ولا شك عندي بأن فهم الشروط لا يعني تبرير هذه الواقعة الخطيرة، بل تسمح لنا بأن نفكر في العالم الذي يحول دون وجود هذه الكارثة.
الطائفية داء وليس مرضا عارضا ومن أهم عوارضه موت الخلايا الوطنية المسؤولة عن حماية الانتماء.
وتزداد خطورة هذا الداء إذا توارثته اﻷجيال. أما إذا اشتعلت صراعات دموية بسببه فالشفاء منه يكون صعبا جدا.
ولهذا فلبنان منذ أول حرب أهلية عام 1860 وحتى اﻵن لم يتحول إلى وطن. فوجود سلطة ومظاهر دولة خارجية وبطاقة هوية وجواز سفر مع هوية انتماء طائفية قابلة للاشتعال في أية لحظة كل ذلك لا يعني وجود وطن.
وقس على ذلك الكارثة السورية التي تولدت من طائفية السلطة العسكرية الأمنية الإعلامية والتي خلقت التعصب لديها وضدها معاً. فأية أقلية لا تستطيع أن تحكم بالعنف إلا إذا ولدت لدى المنتمين إليها عصبية متعصبة. وباستمرار هذه العصبية المتعصبة فإنها تحول الوطن إلى خراب خفي سرعان ما ينفجر .
فالوطن وجود يحقق لساكنيه الأمن والحرية السياسية والاجتماعية والتساوي في الحقوق والواجبات.
إنه المواطن نفسه. ويخلق الشعور المشترك بهذا كله، أي إن الواقع يجب أن ينعكس في الشعور بالانتماء.
إذاً هناك تناقض شديد بين الطائفية والوطن. وكل كفاح إذا لم يتحرر من داء الطائفية لا يؤدي الى ولادة وطن.
الخطاب الطائفي خطاب خطير كخطورة الوقائع الطائفية. ومواجهة وقائع طائفية بمواقف طائفية مضادة مواجهة زائفة. لأنه في حال كهذه لا تنتصر واقعة الوطن.
التعليقات (4)