الطائفية والوجود الزائف

الطائفية والوجود الزائف
قال دكتور فلسفه لصديقه دكتور في علم الاجتماع والذي روى لي قوله: أنا لا أستطيع إلا أن أكون طائفياً. من أين نشأت هذه الجبرية في أن يكون المرء طائفياً؟ كيف لم يستطع دكتور يعرّف أفلاطون وأرسطو  وابن سينا وابن رشد وماركس أن يتحرر من وعيه المتخلف في الانتماء؟ وهل يقود الانتماء إلى طائفة ما إلى عصبية طائفية بالضرورة؟ وما هي الوظيفة التي تقوم بها عصبية طائفية متعصبة؟

أن يكون المرء منتمياً إلى طائفة تكونت عبر التاريخ فهذه حال معقولة، لكن التعصب الطائفي ليس الانتماء إلى طائفة، بل انتماء يقود إلى كره مختلف ذي علاقة بتاريخ متخيل وسردية تلقي بالمسؤولية على هذا المختلف باضطهاد ما، ويتحول هذا الكره إلى حقد تاريخي يولد الرغبة بالانتقام والثأر.

فالطائفي الشيعي العلوي أو الدرزي أو الإسماعيلي لا يكره المسيحي المختلف، لأن المسيحي ليس آخر في سردية تلومه. إن الآخر المكروه هنا هو السني.

بالمقابل إن السني المتعصب  لا يعيش سردية تتحدث عن مسؤولية الطوائف التاريخية في عذاباته، ولهذا فهو ليس كارهاً بحقد، بل ينظر بعين الإقلال من شأن الطوائف ويشك بانتمائها إلى الإسلام الصحيح. 

إذاً الانتماء الطائفي لا يقود بالضرورة إلى تعصب طائفي، كما إن الانتماء القومي والديني لا يقود حتماً إلى تعصب قومي وديني.

ولهذا فإن السؤال الأجدر في البحث عن جواب له: ما هي الشروط التي تحول الانتماء الطائفي إلى تعصب، إلى طائفية تنطوي على حقد وعنف؟

وهذا السؤال يشبه تماماً السؤال حول الشروط التي تحول الدين إلى تعصب ديني والانتماء القومي إلى عنصرية قومية.

إن التعصب الطائفي ليس سوى التعبير الأيديولوجي الزائف لعصبية تسعى نحو السيطرة أو مسيطرة، أو مواجهة طائفية مع طائفة مسيطرة. وفي كل شر.

ولا شك عندي بأن فهم الشروط لا يعني تبرير هذه الواقعة الخطيرة، بل تسمح لنا بأن نفكر في العالم الذي يحول دون وجود هذه الكارثة. 

 الطائفية داء وليس مرضا عارضا ومن أهم عوارضه موت الخلايا الوطنية المسؤولة عن حماية الانتماء.

وتزداد خطورة هذا الداء إذا توارثته اﻷجيال. أما إذا اشتعلت صراعات دموية بسببه فالشفاء منه يكون صعبا جدا.

ولهذا فلبنان منذ أول حرب أهلية عام 1860 وحتى اﻵن لم يتحول إلى وطن. فوجود سلطة ومظاهر دولة خارجية وبطاقة هوية وجواز سفر مع هوية انتماء طائفية قابلة للاشتعال في أية لحظة كل ذلك لا يعني وجود وطن.

وقس على ذلك الكارثة السورية التي تولدت من طائفية السلطة العسكرية الأمنية الإعلامية والتي خلقت التعصب لديها وضدها معاً. فأية أقلية لا تستطيع أن تحكم بالعنف إلا إذا ولدت لدى المنتمين إليها عصبية متعصبة. وباستمرار هذه العصبية المتعصبة فإنها تحول الوطن إلى خراب خفي سرعان ما ينفجر .

فالوطن وجود يحقق لساكنيه الأمن والحرية السياسية والاجتماعية والتساوي في الحقوق والواجبات.

إنه المواطن نفسه. ويخلق الشعور المشترك بهذا كله، أي إن الواقع يجب أن ينعكس في الشعور بالانتماء.

إذاً هناك تناقض شديد بين الطائفية والوطن. وكل كفاح إذا لم يتحرر من داء الطائفية لا يؤدي الى ولادة وطن.

الخطاب الطائفي خطاب خطير كخطورة الوقائع الطائفية. ومواجهة وقائع طائفية بمواقف طائفية مضادة مواجهة زائفة. لأنه في حال كهذه لا تنتصر واقعة الوطن.

التعليقات (4)

    كولن ولسون

    ·منذ سنتين 6 أشهر
    قلة هم غير المتعصبين لمجموعة ما، ولا سيما للطوائف والمذاهب، وهذا التعصب يميز مجتمعاتنا المتخلفة أكبر تمييز، وهو اللبوس الذي تكاد تأخذه معظم الأسباب التي أدت إلى سيحان الدم في أغلب البلاد العربية، وإذا كان التعصب المذهبي حاضرا جليا فإن التعصب داخل المذهب ضد بعض أصحاب المذهب هو أمر واقع أيضا. فقد قتلت داعش ممن ينتمون لمذهبها أكثر مما قتلت من المذاهب والفرق الأخرى. وعلى الهامش كأنك وقت أو قاربت على الوقوع في درك التعصب الكائفي عندما تكلمت عن السني مقارنة بالمذاهب الأخرى

    عربي سوري

    ·منذ سنتين 6 أشهر
    حضرت الكاتب المتحزلق طائفي حتى النخاع. ولكنه حتى في التحشيد الطائفي فاشل لانه سفسطائي وغير موضوعي. تحفة الاورينت.

    simian

    ·منذ سنتين 6 أشهر
    اعتقد انه من الصعب على السيد الكاتب التحرر من فكره القومجي البعثي مهما حصل, فكل كتاباته تفوح منها رائحة الفاشيه البعثيه, المقيته, امثال هذا الكاتب وطبالي النظام البعثي هو من اوصلوا سوريا على ما هي عليه... محاولة لبس عبائه بيضاء لاخفاء الفكر القومجي الداعشي لم تنجح يا برقاوي, فدكتوراتك هي عنصريه فاشيه بامتياز

    أحمد ماهر عبد الحليم

    ·منذ سنتين 6 أشهر
    السنة ليسوا طائفة لأنهم الأغلبية في سورية وجميع البلاد العربية والإسلامية عدا لبنان والعراق وإيران السنة هم الأمة وهذا توصيفهم الصحيح
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات