تحولات الموقف التركي في الصراع السوري

تحولات الموقف التركي في الصراع السوري
في تجربة الصراع السوري، أي منذ عشرة أعوام، شهدت السياسة التركية إزاء المسألة السورية تحولات عديدة، صعودا وهبوطا، في حين حافظت روسيا على موقفها الداعم للنظام باتجاه متصاعد، على طول الخط، وهذا هو الواقع الذي يفترض بالمعنيين رؤيته وفهمه، بغض النظر عن أية أوهام، أو رغبات، أو أيديولوجيات.

وفي الواقع، وبغض النظر عن آرائنا، فإن تركيا تشتغل كدولة، وليس كجمعية خيرية، ولا كحزب سياسي أو دعاوي، أي إنها تشتغل بحسب أولوياتها وحاجاتها هي وليس بحسب أولويات وحاجات أي أحد آخر، هذا على رغم أنها، منذ البداية، عبرت عن مساندتها الثورة السورية، واحتضنت ملايين السوريين اللاجئين، وباتت مقراً للمعارضة الرسمية، وحاضنة لعديد من فصائل المعارضة المسلحة، وهي أمور لا يمكن تجاهلها.

ولعل هذه الرؤية الموضوعية للموقف التركي، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه، هو الذي يفسر حال التراجعات التركية المتوالية، سيما في علاقاتها مع شريكي النظام في البطش بالسوريين (إيران وروسيا)، أو في انخراطها معهما في مساري أستانة وسوتشي، وفي كل التراجعات التي تمت بناء على ما سمي بخطة المناطق "منخفضة التصعيد"، والتي لم يبق منها الآن سوى منطقة إدلب.

 وربما في هذا الأمر فإن تركيا لم يبق لها، في سياق تفاهماتها مع روسيا، سوى منطقة إدلب، التي تصدرت المباحثات بشأنها القمة الأخيرة بين الرئيسين أردوغان وبوتين، والتي أتت بعد تصعيد عسكري مدروس من قبل الجيش الروسي في هذه المنطقة، وبعد تصعيد سياسي جاء على بوتين، ومفاده إخراج كل الجيوش الأجنبية من سوريا، قاصدا بذلك الوجود العسكري التركي والوجود العسكري الأمريكي (شرقي الفرات)، والذي يعد الوجود العسكري الروسي والإيراني وجودا مشروعا، لأنه أتى برضى النظام!

بديهي أن ثمة عديد من الضغوطات يمكن أن تفسر الموقف التركي، أو ضعف الموقف التركي إزاء روسيا، أهمها: أولا، العلاقات الاقتصادية الهائلة التي تربط الطرفين، وضمنها خط إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا، والتبادل التجاري بين البلدين، وملايين السياح من الاتحاد الروسي إلى تركيا. ثانيا، التوتر الحاصل في علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية في عديد من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية. ثالثا، مفهوم تركيا لأمنها القومي والذي يضع في سلم أولوياته محاربة حزب العمال التركي واستطالاته في سوريا. رابعا، أجواء الانفتاح الجارية على النظام السوري من قبل دول عربية وأوروبية. خامسا، حسم المسألة في درعا، وعودة النظام إليها مؤخرا، ما يعني أن منطقة إدلب، بقيت هي العالقة، مع منطقة شرقي الفرات (التي هي خارج نفوذ المعارضة الرسمية السورية).

هكذا، وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع تركيا في سياساتها الإقليمية، سيما في طريقة تحكمها بالمعارضة السورية، ودعمها لمسارات العسكرة والأسلمة، فإنها تقف في مواجهة إعادات تموضع دولي وإقليمي في الملف السوري، ما يجعلها في كل الأحوال ضعيفة إزاء روسيا، بخاصة في ظل معارضة سورية ضعيفة وهشة، وفي ظل تخل دولي عن الجهود الرامية لفرض حل متوازن للصراع السوري وفق منطوق القرار الدولي 2245. 

على ذلك فإن روسيا أهم لتركيا من إدلب، وهذا ما ينبغي أن يفهمه البعض في المعارضة السورية، بغض النظر عن أوهامه، أو رغباته، وفي هذا الأمر فإن تركيا أخطأت بحق المعارضة السورية، ومصالح السوريين، بانخراطها في مساري أستانة وسوتشي، وبأخذها الثورة السورية إلى تلك المسارات.

في ذات السياق، وفي المقارنة بين الفاعلين الإقليميين بدت تركيا، ما قبل ثورات "الربيع العربي"، باعتبارها النموذج الأفضل، والأكثر جاذبية، بالنسبة للمجتمعات العربية، بالقياس لإيران، منذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة (2002). فهي على الصعيد السياسي دولة ديموقراطية، تجمع العلمانية إلى الإسلام، وفيها تعددية حزبية وتداول للسلطة. وعلى الصعيد الاقتصادي فهي أقوى من إيران، ولديها قدرات تصديرية عالية. والأهم أنها تعتمد في توسيع نفوذها على القوة الناعمة، أي قوة النموذج والعلاقات التجارية، بمعنى أنها لا تشتغل بالاستناد على ادعاءات أيديولوجية، أو عصبية طائفية، أو قوى ميليشيوية.

لكن الأحوال تبدلت بعد الثورات العربية، بحيث بتنا كأننا إزاء تركيا أخرى، صحيح أنها ساندت الثورات التي تتوخى الديموقراطية، وفتحت حدودها أمام اللاجئين السوريين، إلا أنها تحولت، أيضاً، دولة إيديولوجية، متخلّية في ذلك عن قوتها الناعمة، أي عن عوامل تميزها، وعن قوة النموذج الذي مثلته، كدولة تحترم التنوع والتعددية، بتدعيم نظامها جماعات سياسية معينة أكثر من غيرها.

الآن، تقف تركيا إزاء عديد من القضايا، أولها، يتعلق بكيفية معالجة الملف الكردي. وثانيها، يتعلق بتوضيح موقفها من الجماعات الإسلامية المتطرفة والمسلحة، التي سبق أن سهّلت لها، أو غضت الطرف عن نشاطاتها. وثالثها، بشأن الموقف من الخطوة المقبلة في سوريا.

التعليقات (1)

    nadim

    ·منذ سنتين 6 أشهر
    تركيا ضاقت ذرعا بالحكومات العربية الخائنة ,وعلى الشعوب العربية التحرك ضد هؤلاء الزعماء , وإلا فلينتظروا سكين المجوس. مصر السعودية الأردن يقبلون حذاء إيران ,وإيران ترفسهم برجلها.على تركيا أن تفعل نفس الشيء بهم لأنهم غانيات.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات