في الذكرى السادسة للاحتلال الروسي لسوريا: الحرب المقدسة على الشعب

في الذكرى السادسة للاحتلال الروسي لسوريا: الحرب المقدسة على الشعب
الثامنة مساءً يوم 11 من أيلول/ سبتمبر، شكلت منعطفاً نوعياً ولحظة فارقة وحاسمة في تاريخ الثورة السورية، وكانت لحظة مؤلمة في ذاكرة نظام الأسد، عندما انطلقت معركة عسكرية (معركة الله غالب) التي خططت لها قيادات فصيل "جيش الإسلام" عبر غرفة عمليات موحدة جمعته مع "فيلق الرحمن", وبانطلاقة منظمة وموحدة من قواعدهما في الغوطة الشرقية, وكانت سبقتها ووفقاً لخطة المعركة المعتمدة قبل ثلاثة أيام معركة جانبية "معركة إشغال" في موقعة "تل كردي" حققت المطلوب منها وصرفت الأنظار عن الاتجاه الحقيقي للمعركة, وزيادة بالتمويه العملياتي الذي اعتمده "جيش الإسلام" تم تسريب آخر (مقصود) من قبل غرفة العمليات, أوحى بأن وجهة العمليات اللاحقة ستكون باتجاه "ضاحية الأسد" على المدخل الشمالي لمدينة دمشق, والتي تضم أعداداً هائلة من ضباط النظام, فأُرسلت تعزيزات النظام من كافة المواقع لمحيط "ضاحية الأسد", وتسبب ذلك بإضعاف بقية الجبهات, وتحسين ظروف بدء المعركة الحقيقية, التي أعلنت أهدافها بفك الحصار عن مناطق "الغوطة الشرقية" والذي دام حينها لأكثر من عامين ونصف, وبوقف القتل عن المدنيين, ومن ثم السيطرة على التلال الشمالية الغربية التي تتموضع فيها الكتلة الرئيسية للسلاح الثقيل الذي يؤمن الحماية للمدخل الشمالي للعاصمة دمشق, وتمنح سلسلة التلال الشمالية الغربية من يسيطر عليها, الرصدَ والتحكم بالشريان الاقتصادي الأكبر والأهم لدمشق, والمتمثل بالأوتوستراد الدولي الذي يربط العاصمة بمحافظة حمص شمالاً, والذي يعدّ أهم طرق الإمداد للنظام بين العاصمة والشمال والساحل, وهذا ما حققته معركة "الله غالب" التي جعلت النظام على حافة الهاوية, وهددت العاصمة دمشق لأول مرة, بعد سيطرة المهاجمين على أكثر من ثلاثين نقطة عسكرية لميليشيات النظام كانت تشكل خط الدفاع الأول عن العاصمة, فكانت المعركة رسالة قوية وواضحة للمجتمع الدولي أولاً, وللروس والإيرانيين المساندين للأسد ثانياً, أن فصائل المعارضة السورية قادرة على فرض نفسها بقوة على الأرض, وفرض خارطة عسكرية جديدة أيضاً.

معركة "الله غالب" جعلت النظام على حافة الهاوية، وهددت العاصمة دمشق لأول مرة بعد سيطرة المهاجمين على أكثر من ثلاثين نقطة عسكرية لميليشيات النظام، فكانت المعركة رسالة قوية وواضحة للمجتمع الدولي أولاً، وللروس والإيرانيين المساندين للأسد ثانياً، أن فصائل المعارضة السورية قادرة على فرض نفسها بقوة على الأرض

انتقالاً إلى الشمال السوري في نفس الفترة الزمنية, وهناك استطاع "جيش الفتح" الذي يضم عدة تشكيلات من الجيش السوري الحر إضافة لجبهة فتح الشام (فتح الشام, أحرار الشام, صقور الشام, جند الأقصى, فيلق الشام, لواء الحق في ريف إدلب, جيش السنة, أجناد الشام), استطاعت تلك الفصائل من تحرير مركز محافظة إدلب في خمسة أيام عصيبة عاشها نظام الأسد (24_28) آذار/مارس, تلاها إطلاق معركة "النصر" التي حررت أريحا وجسر الشغور.

 ثم انعطفت جنوباً ووصلت لسفوح الجبال الساحلية وسهل الروج وسهل الغاب, عبر عمليات اقتحام بطولية سطرتها فصائل غرف عمليات "جيش الفتح" وسيطرت من خلالها على نقاط استراتيجية هامة في مناطق سهل الغاب في ريف حماه الشمالي الغربي وفي سهل الروج, واقتربت المعارك حينها من معسكر "جورين" الذي يضم الكتلة النارية الثقيلة الأكبر للنظام في تلك المنطقة, والموقع العسكري الأهم لميليشيات الأسد, ونتيجة لذلك فقدت غرف عمليات النظام في تلك الجغرافية القدرة على التحكم والمناورة في معارك سهل الغاب بشكل نهائي، إذ سببت ضربات فصائل المعارضة المتوالية والقوية لمراكز ميليشيات النظام في مختلف جبهات القتال في المنطقة حالة إرباك وتشتت غير مسبوقة!

 إضافة إلى ذلك انتقلت قوات النظام من حالة الهجوم للدفاع، بعد خسائر كبيرة وقعت في صفوفه, ومعها بدأت تحصينات الأسد بالتهاوي تحت ضربات الفصائل, وبوصول "جيش الفتح" إلى "جورين" أصبحت معركة الساحل على الأبواب, ولابد من التنويه أنه كان لصواريخ "التاو" الأمريكية أثرٌ بالغ الأهمية بتحقيق تلك الانتصارات, وأحدث فارقاً في المعارك بعد عدة مقابر أوقعها بدبابات النظام وأسلحته الثقيلة وعرباته القتالية.

كان لصواريخ "التاو" الأمريكية أثر بالغ الأهمية بتحقيق تلك الانتصارات، وأحدث فارقاً في المعارك بعد عدة مقابر أوقعها بدبابات النظام وأسلحته الثقيلة وعرباته القتالية.

معركة "الله غالب" في محيط العاصمة دمشق, ومعركة "النصر" على مقربة من معقل النظام في جبال الساحل, والواقع المأساوي لميليشيات النظام على بقية الجبهات جنوباً ووسطاً وشمالاً وشرقاً, دفعت باللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس, والمسؤول عن الميليشيات الإيرانية بالدول العربية المحيطة, للقيام بعدة زيارات متتالية للعاصمة الروسية "موسكو", مستنجداً ومؤكداً ومعترفاً بانتصار الجيش السوري الحر، وانهيار جيش الأسد مع كل الميليشيات (الشيعية) التي استقدمها "بشار الأسد" لحماية كرسي السلطة، من الحرس الثوري الإيراني ومن ميليشيات أفغانية (فاطميون) وباكستانية (زينبيون)، ومن ميليشيات لبنانية, حيث دخلت مجموعات قتالية تتبع لـ"حزب الله" وكتائب الزوبعة من الحزب القومي السوري، وسرايا التوحيد لوئام وهاب، وعناصر (حزب البعث) فرع لبنان، إضافة إلى أكثر من 20 ميليشيا من ميليشيات (الحشد الشعبي) في العراق.

 وقال نصر الله في مقابلة مع قناة “الميادين” اللبنانية مؤخراً: إن قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري الإيراني”، قاسم سليماني، اجتمع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمناقشة التدخل الروسي العسكري في سوريا, وأضاف نصر الله أن الرئيس الروسي اقتنع بالتدخل بعد اجتماع مع سليماني لمدة ساعتين في موسكو بحضور عدد من المسؤولين الروس، إذ عرض سليماني خلال الاجتماع خرائط السيطرة في سوريا، وناقش معه آليات العمل. 

تلك الوقائع حرّكت الدب الروسي من ثباته السياسي والعسكري نحو سوريا, وأعلن الكرملين في 30 أيلول/سبتمبر عام 2015 عن الدفع بقوات روسية نحو سوريا, عبر نشر 21 طائرة سوخوي سو_25, و12 طائرة سو_24, و6 طائرات سو_34, و4 طائرات سو_30, و15 حوامة قتالية مي_24, و23 منظومة دفاع جوي إس إيه 22, وطائرات بدون طيار, و6 دبابات ت_90,  و15 قطعة مدفعية,و 200 عنصر مشاة, وقاذفة بي إم 130 سميرتش, تمركزت جميعها في قاعدة "حميميم" وفي مهبط "سطامو" جنوب اللاذقية, وذلك بعد موافقة مجلس الاتحاد الروسي ومباركة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وبطريركها في موسكو وعموم روسيا، البطريرك كيريل، الذي هلل وبارك لقتال القوات الروسية في سوريا, وأكثر من ذلك فقد قام بتوديعهم ومباركتهم بالمطار قبل خروجهم إلى سوريا, ولاحقاً وافق على كتابة أسماء القتلى الروس ضمن لائحة في كنيسة السقيلبية المعروفة بـ "آيا صوفيا" بريف حماة, لمنح الحرب الروسية على الشعب السوري الثائر صفة القداسة.

قالت القيادة الروسية لاحقاً وعلى لسان الرئيس "بوتين" ووزير خارجيته "لافروف": (لولا التدخل الروسي لسقط بشار الأسد ونظامه خلال أسبوعين على الأكثر, لذلك سندعم الجيش السوري في حربه على الإرهاب, وسيكون دعمنا جوي فقط دون أي مشاركة بالعمليات البرية), وبذلك يكون "بوتين" قد اعتبر ثورة السوريين ضد نظام فاسد هي إرهاب، أما بما يتعلق بعدم القتال على الأرض فالمعارك والرصد أثبتت أن الضباط الروس هم من يتولون قيادة غرف عمليات النظام السوري، وتم رصد مدفعية ودبابات روسية شاركت بمعارك حماه, إضافة إلى قوات خاصة من الجيش الروسي، مع مجموعات ضخمة من ميليشيات مرتزقة "فاغنر" التي يترأسها الصديق والطباخ السابق لـ"بوتين" رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين.

هلّل البطريرك (كيريل) بطريرك الكنيسة الأرثورذكسية في موسكو وعموم روسيا، وبارك لقتال القوات الروسية في سوريا، وقام بتوديعهم ومباركتهم بالمطار قبل خروجهم إلى سوريا، ولاحقاً وافق على كتابة أسماء القتلى الروس ضمن لائحة في كنيسة السقيلبية المعروفة بـ "آيا صوفيا" بريف حماة، لمنح الحرب الروسية على الشعب السوري صفة القداسة.

مع إعلان التدخل الروسي في سوريا وبتنسيق عالي المستوى مع الجانب الإسرائيلي, انطلقت طائراتها بباكورة أعمالها وعبر (20) غارة جوية استهدفت (8) مواقع للجيش السوري الحر, مدعية أنها قصفت مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش", ولم تحدد روسيا مواقع الضربات, وقالت إنها تمت بناءً على معلومات سطعية واردة من هيئة الأركان السورية, لكن قيادة الجيش السوري الحر, أكدت أن القصف طال مقراً لـ"تجمع العز" التابع لها في بلدة اللطامنة بريف حماه الشمالي, وأن علم الجيش السوري الحر كان مشاهَداً ومرفرفاً فوق المقر, وأدت الضربات الروسية يومها لمقتل (30) شخصاً بأرياف حماه وحمص.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر وبحركة كانت استعراضية أكثر مما هي عملية استخدام عسكري للسلاح, قامت روسيا وعبر سفن أسطولها في بحر "قزوين" بإطلاق (26) صاروخ نوع "كاليبر إن كا" على (11) موقع قالت إنها لتنظيم "داعش" في أرياف محافظتي الرقة وحلب بناء على معلومات استخباراتية روسية, لكن الصواريخ تاهت في السماء وقسماً منها سقط في إيران والعراق والآخر ما زال البحث جارياً عنه.

وهذا ما استدعى تدخلاً من مجموعة الدول التي تشكل "الكتلة الصلبة" الداعمة لحراك الشعب السوري, والتي أصدرت بياناً بتاريخ 1 تشرين الأول/ أكتوبر قالت فيه:

(نحن حكومات كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وقطر والسعودية وتركيا، نوضح الأمور التالية فيما يتعلق بالإجراءات العسكرية الأخيرة لروسيا الاتحادية في سوريا: نعرب عن قلقنا البالغ حيال الحشود العسكرية التي تقوم بها روسيا الاتحادية في سوريا، وعلى الأخص حيال الغارات الجوية التي تشنها القوات الجوية الروسية منذ البارحة والتي أدت إلى سقوط ضحايا في صفوف المدنيين في كل من حماة وحمص وإدلب، ولم تستهدف تنظيم داعش. لن تحقق هذه الإجراءات العسكرية التي تصعّد من حدة التوتر أية أهداف، سوى تأجيج التطرف والتشدد. ندعو روسيا الاتحادية إلى وقف اعتداءاتها على المعارضة السورية والمدنيين فورا، وتركيز جهودها على مكافحة تنظيم داعش).

وهكذا دخل الروس حربهم في سوريا بجواز سفر شعاره "الحرب على الإرهاب" عسكرياً, وتحت طهارة  الحرب المقدسة دينياً, بينما كانت أهداف روسيا الحقيقية تتمثل باستعادة مكانتها في قيادة النظام العالمي, عبر ثنائية القطب, التي خسرتها روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي, وتفردت بها الولايات المتحدة الأمريكية, وكذلك أراد الروس الوصول إلى المياه الدافئة, والالتفاف حول مواقع الأوروبيين عبر المتوسط السوري وحصارهم, وفي طريقهم لتحقيق تلك الأهداف يمكنهم الحفاظ على دكتاتورهم السوري بشار الأسد كأداة لتحقيق مآربهم, ولا مانع من قتل الشعب السوري بمجمله في سبيل تحقيق استراتيجيتهم!

دخل الروس حربهم في سوريا بجواز سفر شعاره "الحرب على الإرهاب" عسكرياً، وتحت طهارة  الحرب المقدسة دينياً، بينما كانت أهداف روسيا الحقيقية تتمثل باستعادة مكانتها في قيادة النظام العالميعبر ثنائية القطب، التي خسرتها روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، و الوصول إلى المياه الدافئة، والالتفاف حول مواقع الأوروبيين عبر المتوسط السوري وحصارهم.

 ولتأمين تلك الأجندة انتشر الروس في الأراضي السورية براً وبحراً وجواً في أكثر من 90 موقعاً ضمن 13 محافظة، هي إدلب (6 مواقع) وحلب (10 مواقع) وحماة (23 موقعاً) واللاذقية (3 مواقع) وطرطوس (موقع واحد) وحمص (7 مواقع) ودمشق (4 مواقع) وريف دمشق (4 مواقع) ودير الزور (8 مواقع) والحسكة (10 مواقع) والرقة (7 مواقع) والسويداء (5 مواقع) والقنيطرة (موقعين) بحسب دراسة قدمها مركز "جسور للدراسات".

أما في البحر فقد سيطرت روسيا على قاعدة "جول جمال" البحرية في طرطوس, ونظراً لعدم قدرة الميناء من حيث العمق على استقبال سفنها الحربية الروسية الضخمة, قامت البحرية الروسية بعملية إعادة تأهيل الميناء الحربي في طرطوس عبر (الكراكات), ومن ثم دفعت بأكثر من 15 سفينة حربية روسية من طراد ومدمرة وسفن إمداد لتتمركز في القاعدة, ولاحقاً دفعت بأهم قطعاتها البحرية (الطراد وحامل الطائرات موسكوفا).

كذلك زجت بأهم غواصاتها النووية في المياه السورية, حيث أكد الأسطول البريطاني أن روسيا نشرت غواصتين نوويتين من مشروع 971 "شوكا-بي" وغواصة تعمل بالديزل والكهرباء مشروع 877 "بالتوس" في المياه السورية على البحر المتوسط, مسلحة جميعها بصواريخ "كروز", ولتحصين مواقعها البحرية والجوية نشرت روسيا على الأراضي السورية منظومات تشويش إلكترونية, ومنظومات دفاع جوي (إس(300 و400, بانتسير إس_1, بوك إم_3)، إضافة لمنظومة سطع فضائية وجوية وبحرية وبرية, ضمت أفضل طائرات الاستطلاع (البجعة), وطيران مسير بدون طيار, إضافة لمحطات رادار ذات أمدية كشف بعيدة تصل حتى جبل طارق على مداخل المتوسط.

ومع ازدياد العمليات الجوية الروسية في سوريا ما بعد عام 2015, دفعت روسيا بمزيد من الطائرات القاذفة الحديثة ومن عدة أصناف, وزادت عليها بإرسال ثلاث قاذفات نووية استراتيجية من نوع توبوليف (إم3_22), بعد أن قامت بإعادة تأهيل القاعدة الجوية في "حميميم" هي الأخرى على غرار قاعدة "جول جمال" البحرية في طرطوس, فأضافت مدرجاً آخر للطائرات وزادت طول المدارج, ونظراً لعدم وجود حظائر طائرات في القاعدة, وصغرها وصعوبة تأمينها, وبهدف حمايتها من ضربات الطيران المسير الذي بات يستهدفها بشكل دوري, وألحق الكثير من الأضرار بطائراتها, قامت القيادة الروسية ببناء أسقف إسمنتية فوق الطائرات, مع شبكة تمويه كاملة, وزادت من منصات الدفاع الجوي (رشاشات آلية) لاصطياد الطائرات المسيرة قبل وصولها لأهدافها.

وبهذا الشكل كان أمراً غاية بالبساطة, وأمام تلك المقدرات, أن يُحدثَ التدخل الروسي تغيراً نوعياً وواضحاً في موازين القوى العسكري وفي المعارك البرية, خاصة مع الجهد الجوي الضخم المبذول روسياً, ومع استخدام تقنيات عسكرية وفنية جديدة, ترافقت مع اختبار أكثر من 350 سلاحاً جديداً (أعلن الأمر بوتين ووزير دفاعة شويغو) على الجغرافية السورية, واستطاعت تلك الجهود أن تعيد رسم خرائط سيطرة جديدة, قلّصت من مساحات الثورة وأعادتها لسلطة نظام الأسد.

لكن, مع دخول الروس في تفاصيل العمل العسكري على الجبهات وبمختلف الجغرافية السورية, لاحظ جنرالات الروس مشكلة عدم الانضباط في وحدات الجيش السوري, وفقدانه القرار العسكري وسيادة شريعة (حارة كل من إيدو إلو) على الجبهات وكامل المدن, ففي وحدات الجيش السوري أطلق ضباطها لحاهم على غرار التنظيمات الراديكالية, وتفننوا بزيهم العسكري وفق ما يريدون, مع غياب كامل لسيطرة غرف العمليات العسكرية, وانتشار ظاهرة الحواجز الثابتة والطيارة وظاهرة التعفيش، مع تنوع القيادات غير المنضبطة ما بين قيادات عسكرية وأمنية وأخرى للشرطة المدنية دون أي تنسيق يجمع كل هؤلاء، إضافة لانتشار ظاهرة المسلحين المدنيين بما يسمى ميليشيات "الدفاع الوطني"، التي أصبحت أعدادها ومناطق نفوذها تفوق أعداد ونفوذ الجيش السوري, وتلك الميليشيات كان معظمها يُدار ويُمول من قبل "الحرس الثوري الإيراني", وقرارها ينبع من "فيلق القدس", والطامة الكبرى كانت بالميليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية والأفغانية والباكستانية وغيرها, التي توجد على الجغرافية السورية, وتشكل الكتلة الحقيقية العسكرية بالمعارك البرية, وتلك الميليشيات كانت تصول وتجول دون أدنى تنسيق أو سيطرة من غرف عمليات النظام, بل أصبحت وحدات الجيش السوري تقاد من قبل تلك الميليشيات, وأصبح عنصر من تلك الميليشيات يتحكم بالضباط القادة لجيش الأسد, بل ويفرض عليهم قراراته.

مع دخول الروس في تفاصيل العمل العسكري على الجبهات وبمختلف الجغرافية السورية، لاحظ جنرالات الروس مشكلة عدم الانضباط في وحدات الجيش السوري، وفقدانه القرار العسكري، وسيادة شريعة (حارة كل من إيدو إلو) على الجبهات وكامل المدن.

أيضاً جنرالات الروس يعلمون, ووفقاً لنظريات العلوم العسكرية وخبرات الحروب, أن الطائرات والجهد الجوي مهما تفوّق لا يشكل حالة سيطرة على الميدان, وأن السيطرة تؤول في الحروب وترسخ عبر نشاط وحدات المشاة البرية والمدرعات, والتي كانت فعلياً تسيطر عليها إيران عبر اللواء "قاسم سليماني", وهذا يعني للجنرالات الروس أن الإنجازات التي ستحققها قاعدة "حميميم" عبر نشاطها العسكري الجوي, ستصب بجعبة المكاسب العسكرية الإيرانية عملياً, وهذا ما سيزيد من النفوذ الإيراني في سوريا, وأيضاً وجد جنرالات الروس أن إيران تغلغلت بمفاصل وزارة الدفاع ووحداتها البرية والجوية, وسيطرت على القواعد الجوية ومقرات الفرق العسكرية, وعلى الحرس الجمهوري عبر اللواء "ماهر الأسد" الذي يقود الفرقة الرابعة, والتي تشكل القوة الضاربة الكبرى في جيش الأسد, والتي احتفظت بمعظم قدراتها العسكرية والفنية والبشرية حتى دخول الروس عام 2015, وبنفس الوقت كانت إيران وعبر الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس أيضاً قد سيطرت على مراكز البحث العلمي ومراكز التصنيع العسكري في سوريا, أما الأجهزة الأمنية فكانت أيضاً مقسمة ما بين ولاء إيراني وولاء للأسد وولاء للروس.

لذلك, ترافق التدخل العسكري الروسي في سوريا مع عملية إعادة هيكلة للقوات العسكرية والأمنية أرادتها موسكو, فزجت بوحدات من الشرطة العسكرية الروسية والكتيبة الشيشانية لكنها لم تحقق المطلوب, بسبب عمق التغلغل الإيراني في سوريا, وأيضاً بسبب الفساد المستشري في صفوف جيش الأسد, و كانت واضحة عمليات عرقلة الجهود الروسية من قبل ميليشيات الدفاع الوطني التي يقودها اللواء "بسام الحسن", وهو أحد المقربين من بشار الأسد, وظهرت عمليات التمرد الإيراني على الإجراءات الروسية عبر حادثتين هامتين, الأولى محاولة اغتيال اللواء "زيد صالح" رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في حلب 2016 الذي كان يعمل بمظلة روسية, والأخرى عملية اغتيال اللواء "أحمد الغضبان" في وادي بردى, بعد أن تم تكليفه بأوامر روسية أعطيت لبشار الأسد بعملية المصالحة بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة المسلحة بمنطقة وادي بردى وعين الفيجة, بعد منع ميليشيات إيران من الدخول للمنطقة, فتم اغتياله عبر ضابط أمن الحرس الجمهوري العميد "قيس فروة" وبأوامر إيرانية.

بدا واضحاً للروس أن هناك رفضاً قطعياً من نظام الأسد ومن إيران وحزب الله للإجراءات الروسية, بما يتعلق بعملية إعادة هيكلة وزارة الدفاع والقوى الأمنية في سوريا, وحتى تعيين روسيا لـ اللواء "آصف الدكر"، في العام 2018 رئيساً لـ"الفرع 293" فرع مخابرات الضباط, ومسؤولاً عن مراقبة تحركات ضباط الجيش والأمن, ورئيس لجنة مكافحة الفساد, ووضع إلى جانبه العماد بالجيش الروسي "الجنرال يوركي", لكنها أيضاً كانت خطوة روسية فاشلة ولم تنجح, وبهذا الخصوص يقول الكاتب السوري عبد الله الغضوي بإحدى مقالاته: (استمرت روسيا بالعمل على مشروع الهيكلة وأبعدت وكلاء إيران، من بينهم العميد "غسان بلال" مدير مكتب "ماهر الأسد" ومسؤول مكتب الفرقة الرابعة الأمني، ونقلته إلى قيادة المنطقة الجنوبية في 2018، وتم عزل مدير كلية الحرب الإلكترونية، وتعيين "سامي محلا" في إدارة التجنيد العامة، وجرى تفكيك العديد من الميليشيات الإيرانية؛ لتخفيف تهميش الجيش السوري، من بينها تفكيك ميليشيا "أبو الفضل" وتسليمها للفيلق الخامس، وميليشيا "درع القلمون" الذي كان يقودها "فراس جزعة" الممول من إيران, والمتهم بجرائم ضد المدنيين, وكذلك تفكيك ما يسمى بـ"كتائب البعث" بقيادة "بركات بركات" أحد أذرع إيران, لكن بدأت حركات مضادة للروس غيرت من بوصلتهم، حين أقدم العميد محمد عيسى على سرقة سلاح اللواء "لواء اقتحام" في الساحل السوري، التابع للفيلق الخامس وبيعه إلى حزب الله، وقد أدى هذا إلى جدل كبير في وزارة الدفاع الروسية أفقدها الكثير من الثقة بضباط جيش الأسد). 

 أمام تلك المستجدات عملت روسيا على التعايش مع هذا الواقع مجبرة مع بعض الإجراءات, كقيامها بحل بعض ميليشيات الدفاع الوطني ذات الولاء الإيراني, وتشكيل ما سمي "الفيلق الخامس" على أنقاض تلك الميليشيات, ومن ثم تشكيل قوة عسكرية تتبع لها خالصة بقيادة العميد "سهيل الحسن" الذي تسلم قيادة الفرقة (25) والتي تتبع للفيلق الخامس, ولاحقاً أُتبع اللواء الثامن المشكل في المنطقة الجنوبية بقيادة "أحمد العودة" للفيلق الخامس أيضاً.

منذ انطلاقة الثورة السورية, استخدمت روسيا حق النقض "الفيتو" في مجلس الامن 16 مرة لحماية نظام الأسد وخاصة بعد استخدامه للسلاح الكيماوي, أما حصيلة مجهود طائراتها الحربية فقد وثق "الدفاع المدني السوري" أكثر من 277 مجزرة بحق المدنيين السوريين ارتكبتها طائرات الروس, بعد أن نفذت 5586 هجوماً جوياً, أدت لمقتل وجرح أكثر من 12 ألف مدني سوري, واستهدفت تلك الهجمات بالدرجة الأولى منازل المدنيين بواقع 68%, تلاها الحقول الزراعية بنسبة 16%, ثم المحال التجارية بنسبة 6%, ثم المشافي والمراكز الطبية (70 هجوما), الأسواق الشعبية (53 هجوما), المدارس (ـ46 هجوما), أماكن العبادة (35 هجوما), مخيمات النازحين (23 هجوما), الأفران (18 هجوما), إضافة لهجمات طالت مبانٍ عامة ومحطات وقود وغيرها من المرافق, بعد أن اتبعت القوات الروسية سياسة الأرض المحروقة في دعمها لميليشيات إيران ونظام الأسد, وتسببت بعملية تهجير وتفريغ المدن والقرى في معظم المناطق التي أرادت روسيا إعادتها للمنظومة الأسدية_الإيرانية.

وثق "الدفاع المدني السوري"  277 مجزرة بحق المدنيين السوريين ارتكبتها طائرات الروس، بعد أن نفذت 5586 هجوماً جوياً، أدت لمقتل وجرح أكثر من 12 ألف مدني سوري، واستهدفت منازل المدنيين بواقع 68% والحقول الزراعية بنسبة 16%، ثم المحال التجارية بنسبة 6% ثم المشافي والمراكز الطبية (70 هجوما). الأسواق الشعبية (53 هجوما)، المدارس (46 هجوما) أماكن العبادة (35 هجوما)، مخيمات النازحين (23 هجوما) الأفران (18 هجوما)، إضافة لهجمات طالت مبانٍ عامة ومحطات وقود.

لكن, برغم الإنجازات العسكرية الضخمة التي حققتها الآلة العسكرية الروسية والمغمسة بدماء السوريين, وبعد أن صرفت الخزينة الروسية قرابة 6.5 مليار دولار على مجهودها الحربي في سوريا, إلا أنها فشلت باستثمار تلك الإنجازات وتحويلها لمشروع سياسي, يوقف شلالات الدم المهدورة من الطرفين في الميادين السورية, وفشلت بإنتاج حل شامل ومُرْضٍ للجميع, حتى بالهدن والمسارات السياسية التفاوضية التي دعمتها روسيا كمسارات سوتشي وأستانا واللجنة الدستورية.

 لقد قامت روسيا باستثمارها لصالح مزيد من عمليات قضم المساحات المحررة, مفضلة الخيار العسكري الذي يرغب به حلفاؤها في دمشق وطهران, ومبتعدة تماماً عما تدعيه من أن مساعيها تهدف لتحقيق حل سياسي عبر تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 الذي صاغته أصابع وزير خارجيتها "لافروف" بالتعاون مع وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"، وحتى التفاهمات الروسية - التركية فقد نكثت فيها روسيا بمعظم ما تعهدت به, وآخرها ما حصل بدرعا البلد, وما يحصل مؤخراً من قصف دموي للطائرات الروسية في قرى جبل الزاوية وبقية أرياف إدلب وحلب, حتى الفصائل والمناطق التي تمتاز بحساسية خاصة لحليفهم التركي في مناطق "غصن الزيتون" و"درع الفرات" لم تسلم من هجماتهم, وكان آخرها استهداف أحد مقرات ومعسكرات فصيل يتبع للجبهة السورية للتحرير في قرية "براد", أدى الهجوم لاستشهاد وجرح العشرات.

وبذلك تكون روسيا وبتدخلها العسكري في سوريا قد ساهمت بزيادة الشرخ بين السوريين، واستبعاد الحل السياسي من خلال دعمها العسكري والسياسي المطلق لنظام الأسد، أما بالنسبة للسوريين فما زالوا بانتظار وقفة جادة من المجتمع الدولي الذي يمارس حتى الآن أقصى حالات الإهمال والاستهتار بأرواحهم ودمائهم, ويطالبون بوقفة دولية تستطيع عزل نظام الإجرام الأسدي, ووقف المقتلة السورية‘ والضغط على موسكو لوقف دعمها لإجرام الأسد وخامنئي في سوريا, واشتراك الجميع بتطبيق قرارات مجلس الأمن عبر حل سياسي شامل، يحقق تطلعاتهم ويتناسب مع تضحياتهم المقدمة على مدى السنوات العشر الأخيرة.

التعليقات (1)

    علي

    ·منذ سنتين 6 أشهر
    مقال رائع جداً
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات