الشاطر والبهلوان ومسالك المعارضة السياسية!

الشاطر والبهلوان ومسالك المعارضة السياسية!
نهَشَت كلّ كلاب الأرض بيتنا وشارعنا وحارتنا وقريتنا وبلدتنا نهشاً، وأبَتْ أن تترك "شبراً" واحداً فيها بلا أسقام أو آلام، ولم تكن آلامُنا آلام جروح فحسب، بل آلام جوارح، فما سلمت أيدينا وأرجلنا وظهورنا، ولا سلمت لنا ألسن وأعين وقلوب، حتّى وجدنا أنفسنا بين "سَقَر وصَرصَر" في خَيْمات وخِيَم وخِيام!، في جحيم وصقيع، أيادينا في الثلج، أرجلنا في الوحل والطين، وظهورنا تحترق!. 

وقد تلهج الألسنة، لكنّها قد لا تضرع القلوب، من قال: إنّ التخلّص من المذلّة والقهر يأتي بالدعاء والصبر، والشاطر والبهلوان يلهوان؟.

في قصّته "آه منّا نحن معشر الحمير" يحكي الكاتب التركي العظيم "عزيز نيسين" كيف كان للحمير لغتهم الخاصة وآدابهم وأغانيهم، وكيف كانوا لا ينهقون أبداً، حتّى تعرّض جدّهم الأكبر لحادثة عقدت ألسنة قومه الحمير الفُهماء، فلقد كان هذا الجدّ-الحمار يرعى مطمئنّاً في أحد السهول عندما تنشّق بعمق رائحة ذئب قويّة، فقال لنفسه: لا ليست رائحة ذئب، وحين ازداد إحساسه بذلك قال: لا لا أبداً، فلا ذئب في المنطقة.

ظلّ على هذي الحال حتى سمع صوت عواء فقال لنفسه: لا ليس صوت ذئب، وازداد الصوت وضوحاً فأصرّ الجدّ-الحمار: كلّا كلّا ليس هناك ذئاب في هذا المكان، حتّى رأى الذئب بأمّ عينه على قمّة تلّ فقال لنفسه: سراب!. 

لمحه يعدو خلف أكمة أمامه فقال: لا لا أرجو ألّا يكون ذئباً، لا بدّ أنه ظلّ شجرة، اقترب الذئب منه، فقال: لا يا ربّي.. لا تجعله ذئباً، اقترب أكثر فقال الحمار لنفسه: لا بدّ أنه جمل أو فيل، ليس ذئباً على الإطلاق!. 

حتّى خاف الحمار فعلاً، فقال: لا لا لا تجعله ذئباً، فأنت قادر على كل شيء، (استعان بالدعاء، فقط بالدعاء يعني)، وحين ازداد خوفه صاح: سأبتعد قليلاً، وبدأ يهرب ثمّ حدّث نفسه: لا لا هذا ليس ذئباً، مجرّد قطّة برّية.

حتّى انغرست مخالب الذئب في فخذ الحمار ثمّ أعملَ فيه نهشاً فصار ينهق: هو ها ها هو هي هي، منذ ذلك الحين.. فقد معشر الحمير -يقول عزيز نيسين- لغتهم الطبيعية وصاروا ينهقون: ها هو ها هي، وصاروا لا يفطنون إلى الخطر الداهم حتى يقع، (فلا يعود للفطنة أثر!). 

لا نتعلّم، لا توجّهنا الحوادث، وليس نفهمها المخاطر، فلا للفطنة أثر، ولا للمصائب، مهما تكرّرت الحوادث وأنتجت من مخاطر، وسبّبت من مصائب، فيا للعجب!. 

قبل العودة إلى سيرة "الشاطر والبهلوان" وما سببها هذه السيرة، فلعزيز نيسين أيضاً مقولة لا يُمكن أن تُنسى: (الكلب يمشي في ظلّ العربة فيظنّ أنّ ظلّها ظلّه)، وعلى هذا النحو سارت في مسالك الذلّ "المعارضة السياسية السورية الرسمية"، ولا هي معارضة ولا سياسية ولا سورية حتّى، لكنّها بالفعل رسمية، أي برسم مصالح حكومات ومنظّمات ومنصّات ومجسّات ومجالس، كلّ من فيها جالس، بلا أدنى قيمة. 

نعود: جَمَعَتِ المصادفةُ يوماً كلباً بكلب، وتطوّرت بينهما علاقة عمل قويّة، ولقد كان الأوّل كلباً لِصّاً والثاني كلباً في "سيرك"، فاتّفقا أن يُعلّم كلّ منهما الآخر، فالكلب اللصّ يتعلّم "الحركات"، والكلب أبو الحركات يتعلّم "اللصوصية"، ثمّ وبعد أن استكمل كلّ منهما ما ينقصه من الآخر، صار لدينا في الحارة كلبان، كلّ منهما لصّ وصاحب حركات، حتّى استيقظنا ذات صباح فوجدنا إعلاناً عن شركة اسمها: "الشاطر والبهلوان"، وحين سألنا مستغربين: وما ذاك؟، قيل لنا: "هيئة تفاوض"!. 

قال "هاشم الرفاعي":

سيحدَثونـكَ يـا بُنيَّ عـنِ السـلامْ

إيـّاكَ أن تُصغـي إلى هـذا الكـلامْ

كالطفـلِ يُخـدعُ بالمُـنى حـتّى ينـامْ

لا سِلْـمَ أو يجلو عنِ الوجـهِ الرُغـامْ

صدّقتُهمْ يوماً فآوتني الخيــــــامْ.

التعليقات (4)

    فادي

    ·منذ سنتين 6 أشهر
    كلام رائع المعارضة هني شعبة الائتلاف لحزب البعث في تركيا

    مصعب الحسن

    ·منذ سنتين 6 أشهر
    يا سلام... مقال يفش الخلق

    كوردوخ

    ·منذ سنتين 6 أشهر
    (الكلب يمشي في ظلّ العربة فيظنّ أنّ ظلّها ظلّه)"الكلب يمشي في ظلّ العربة فييحسب أنّ ظلّ العربة هي ظلّه" المقولة ل ماو تسي تونغ وسرقها عزيز نيسين , بل وضعها بين قويسات في قصصه ليوهم القاريئ الغير فصيح بانها من نتاجه

    محمد صخر بعث

    ·منذ سنتين 6 أشهر
    القارئ غير الفصيح وليس الغير فصيح، ال التعريف لا تدخل على كلمة غير، فهي مغرقة في التنكير وموغلة في الإبهام، وهذا للفصاحة، من ناحية أخرى نحتاج إلى مصدر كي نتأكد أن ماو تسي تونغ هو من قال.
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات