اليوم يبدو أن الحال تبدل.. والشعور بالدوافع الإنسانية لعلاج مرضى تقطعت بهم السبل مرشح للدخول في زواريب البيروقراطية والروتين، بعد أن أصدر مكتب التنسيق الطبي في معبر باب الهوى في يوم الإثنين الماضي تعميماً تضمن إخبار المرضى السوريين الحاصلين على إحالات طبية للعلاج في تركيا، بأن الإحالات سوف تتوقف اعتباراً من تاريخ 11/9/2021 وما بعد، لحين تفعيل نظام صحي جديد للمرضى السوريين في المستشفيات التركية أو الداخلين إليها.
القرار الأخير جاء عقب قيام الجانب التركي مؤخراً بإلغاء الوثيقة القديمة للسوريين المعروفة بـ (الكملك) والتي تعتبر بمثابة بطاقة حماية مؤقتة للسوريين في تركيا، واستبدالها بوثيقة علاجية جديدة تتبع نظاماً معيّناً.
أورينت نت تقف من خلال هذا التحقيق على القرار التركي الأخير وما يتعلق به، وتسلط الضوء على انعكاساته على المرضى السوريين.
نظام طبي غير واضح المعالم
لطالما كان حامل وثيقة (الكملك) التركية أو حتى إشعار (الكملك)، يتمتع بإمكانية تلقي العلاج المجاني في المستشفيات التركية، لمدة متواصلة تصل أحياناً إلى ثلاثة أشهر قابلة للتمديد ضمن سياسة سلسة إلى حد بعيد، بعد أن يكون حامله تقدّم بأوراقه الثبوتية والتعريفية لمركز الهجرة في الجانب التركي، وكان معمولاً بهذا النظام قبل فترة زمنية قليلة، قبل الإعلان التركي عن نظام علاجي جديد، تحدث عنه الدكتور (بشير السماعيل) مدير مكتب التنسيق الطبي في معبر باب الهوى موضحاً أنه بتاريخ 16/8/2021 قامت إدارة الهجرة في معبر جلفاغوزو التركي المقابل لمعبر باب الهوى، بإيقاف إصدار "الكمالك" ذات الرقم TG99 والتي كانت تخول المريض إمكانية العلاج المجاني بشكل مباشر في مشافي تركيا، كون الكملك يعتبر بطاقة لجوء مؤقتة، وأطلقت عوضاً عنه وثيقة جديدة يطلق عليها اصطلاحاً "الوثيقة السياحية العلاجية" مدتها شهر واحد فقط، والمشافي التركية لا تتعامل معها، لأنه لم يتم تفعيلها بشكل رسمي بعد، على اعتبارها لا تحوي التأمين الصحي للعلاج".
سلبيات وإرهاق جديد للمرضى
سلبيات كثيرة تمخضت عنها الوثيقة السياحية الجديدة، تتجلى في عدم الاعتراف بها من قبل غالبية المشافي التركية التي يتم عادةً تحويل المرضى السوريين إليها باستثناء مشفى الدولة الجديد والذي عمل بموجبها لمدة أسبوعين فقط قبل أن يوقف استقبال أصحاب تلك الوثيقة هو الآخر، الأمر الذي زاد من معاناة المرضى بشكل كبير.
(عادل الشحرور) والد طفل مريض بتضخم شرياني، يصف القرار التركي الأخير "بالجائر" كونه يحرم آلاف المرضى من حق تلقي العلاج المجاني من جهة، وكونه يحتاج لتجديد شهري يحتّم على المريض العودة إلى الحدود السورية، ضمن سلسلة متعبة من الإجراءات، الأمر الذي يكلف المريض أو مرافقه عناء إضافياً وإهداراً للوقت الذي يحتاجه كل مريض يسعى لتحسين حالته الصحية.
من جهته تحدث لأورينت نت (سمير نعنوع) النازح من ريف حماة الشمالي وهو مريض بخناق صدري قائلاً: "أرتاد المشافي التركية منذ أكثر من عام، وعادة ما يكون الأمر روتينياً وميسراً من حيث الدخول والخروج من وإلى تركيا وحتى الاستفادة من الفاتورة الدوائية، ولكن حالياً مع الوثيقة السياحية اختلف الأمر تماماً وزاد صعوبة وتعقيداً، خاصةً أن تلك الوثيقة لا تخولنا بالعلاج المجاني الكامل، الأمر الذي يضعني مثل كثيرين غيري أمام تحدٍّ كبير يتمثل إما بالاستسلام للمرض أو البحث عن مصدر مالي لتأمين تكاليف رحلة العلاج الطويلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
وأوضح مدير مكتب التنسيق الطبي أن حوالي 300 مريض في الشمال السوري أجّلوا دخولهم إلى تركيا، و 450 مريضاً في دُور الاستشفاء بمدينة الريحانية التركية، ينتظرون توضيح معالم النظام الصحي الجديد، أو استقرار العمل بموجبه، وهذا يؤثر سلباً على المرضى بسبب تأخرهم عن الحصول على العلاج والخدمات الطبية اللازمة.
الحالات الإسعافية وآلية التعامل معها
عشرات الحالات الإسعافية تدخل إلى تركيا لتلقي العلاج اللازم بشكل يومي، والتي يشكل فيها الأطفال حديثو الولادة نسبة النصف، بينما يكون الباقي حوادث سير خطيرة أو إصابات حربية أو غيرها مما تعتبر حرجة طبياً.
وعن آلية التعامل مع الحالات الإسعافية قال (السماعيل) مدير مكتب التنسيق الطبي في معبر باب الهوى: "تدخل الحالات الإسعافية مباشرةً من المعبر إلى المشافي التركية، بحسب الوثيقة السياحية الجديدة الممنوحة للمريض من إدارة الهجرة ضمن المعبر التركي، ويراعى تجديدها ومعالجة أمرها دون وجود صاحب العلاقة إذا كان بالعناية المشددة بعد الاتفاق بين إدارة الهجرة والمشفى المعالج بناءً على تقرير طبي منه، بينما لا تُستقبل الحالات الطبية الباردة كأمراض السرطان والقلب إلا عن طريق النظام الصحي الجديد".
وأشار (السماعيل) إلى "عدة إجراءات تقوم بها إدارة معبر باب الهوى بهدف تخفيف الأعباء عن المرضى السوريين في تركيا، كتخصيص صندوق يتبع للحالات الإسعافية، وتقديم خدمات التنقل والترجمة وتأمين الاحتياجات الأساسية".
وعبّر (السماعيل) عن أمله "بعدم استمرار الحال على ما هو عليه حالياً، وأن يتم تفعيل العمل بالوثيقة الجديدة على النحو الذي يضمن حصول المريض على كامل حقه في الرعاية الصحية وبأتم وجه، وإلا سيؤثر ذلك سلباً وبشكل كبير على المرضى المحتاجين للعلاج في تركيا، والذين يمثلون نسبة 10%من مجمل الحالات المرضية في شمال غرب سوريا".
والجدير بالذكر أن 6 آلاف حالة مرضية ما بين ساخنة وباردة منها 1350 حالة سرطان، دخلت إلى المشافي التركية عبر معبر باب الهوى منذ بداية العام الجاري.
التعليقات (3)