قاطرجي، قسد، لبنان
الأيام التي تلت اجتماع بوتين – بشار حملت وأنجبت بعض ما يمكن الاهتداءُ والقياس به، إذ عاد بوتين واجتمع بوفد يمثل قسد المتخوّفة أصلاً من تكرار الفراغ الأمريكي في ديارها على غرار ما حدث في أفغانستان، والراغبة بالإنصات إلى الروس علّها تستشف منهم ما يطمئنها أو يرفع منسوب قلقها، لكن ما يعدُّ خلف الستارة ليس بالضرورة أن يكون ما يظهر أمامها في العروض المتاحة للجمهور، وكل هذا حدث بالتزامن مع تدفق المحروقات من الأراضي السورية إلى لبنان.
وحسب الشريط السينمائي الذي واكب الحدث، فإن صهاريجَ ظهرت وهي تنقل تلك الحمولة، ثم استقبلها مناصرو حزب الله اللبناني بالرصاص والأرز والأهازيج التي تترجم لهم حرفياً المزيد من فوائض النصر الإلهي؟! ثم قال صانعو هذا الحدث بأن تلك المحروقات هي إمدادٌ إيراني رسا في ميناء بانياس السوري، لكن الفيلم السينمائي لمسيرة نقل المحروقات لم يواكب الحدث لحظة انطلاقه من المرفأ المزعوم.
رأينا صهاريجَ تتحرك، ربما على طريق القصير، أو في منطقة الهرمل اللبنانية، وهذا يطرح أكثر من تساؤل، إذ يفترض بنظام بشار أن يؤمن حاجة السوريين أولاً من المحروقات، وهم على مشارف رعب الشتاء، قبل أن يفتح دروب البلاد لمناصري "محور المقاولة" على الضفة اللبنانية؟! هذا إذا افترضنا صدق وصول تلك الباخرة الإيرانيّة المزعومة إلى المرفأ السوري. لكن، ومن الوارد والمقبول أن تكون تلك الصهاريج هي صهاريج حسام قاطرجي نفسه أحد أثرياء الحرب والمتعهد الرسمي لتجارة المحروقات بين مناطق سيطرة "قسد" ومناطق سيطرة النظام السوري.
أما منعُ تداول الحدث بهذا الشكل، قد يكون له تفسيران، الأول لجم نقمة الناس على هذا النظام المتشدّق بمواجهة الإرهاب، وبتمجيد العروبة وهو عملياً كان يحارب شعبه، وهو أيضاً منبوذٌ عربياً وإن بمشيئةٍ دولية، فكيف للبنان أن يتزود بنفطٍ سوري، والسوريون أحوج إليه؟!
والسبب الثاني مرتبط بصورة "محور المقاولة" وتحديداً بصورة إيران وجه المقاولة الناصع، إذ يجب أن تكون عرّابة النصر الإلهي أينما حلّ على هذه الأرض الرحبة، لذا ومن الجائز أن يكون سيناريو الصهاريج المبنيّة حبكته على فكرة المدد الإيراني أهون من أن يكون مبنيّاً على فكرة المدد النفطي السوري الذي تديره "قسد"، ولعلّه أيضاً يرتق الصورة المتصدّعة لحزب النظام الإيراني في لبنان.
وسواء كان هذا النفط إيرانيّاً حطَّ رحاله في مرفأ بانياس السوري، وساقه حزب الله أمامه إلى لبنان ملتفّاً حول مشيئة حكومة ميقاتي، أم كان نفطاً من منابعَ سوريّة تديرها قسد، وتحملها صهاريج قاطرجي، فإن السوريين في كلا الاحتمالين كانوا يراقبون عبور هذا النفط من أراضيهم بعيونٍ بلهاءَ مستكينة، وهم عاجزون عن هضم دلالات وصول هذه الوجبة البترولية الدسمة إلى اللبنانيين، وعدم وصولها إليهم، وكأن القدر يواصل ازدراء استكانتهم، وقبولهم بحياة العبيد التي ألفتهم وألفوها، والتي لن تفارقهم ما داموا راضين بها على هذا النحو.
اكتشافات خارج موسوعة "غينس"
كل هذه التخمينات التي أحاطت بأصل حمولة الصهاريج، لم تعنِ شيئاً لوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام عمرو سالم، حين اكتشف بمفرده أنه لولا الصلابة والعبقرية والحكمة التي وهبها الله لبشار، لما بقي لنا طعام نأكله، ولا كهرباء تعمل لثانية واحدة؟! دون أن يبيّن لنا سالم كيف اهتدى إلى مثل هذا الاكتشاف النادر، غير أن تصريحه التهريجيّ ذاك استطاع اصطياد الكثير من السخرية على موقع "فيسبوك" ومن موالين للنظام قبل المعارضين له.
ولعلّه أيضاً أسبوع الاكتشافات التي لم ينقطع ماءُ دهشتها عنّا، ففي السويداء جنوباً تبيّن أن حصار فصيل رجال الكرامة المسلّح لعصابة فلحوط في بلدة "عتيل" لم يكن سببه أن "الكيل طفح" بممارسات العصابات المسيّرة من قبل فرع الأمن العسكري، وهو الفرع الأمني الأقوى في المحافظة، ولا رغبةً من الفصيل بوضع حدّ لتمادي الجريمة المنظمة في السويداء، وليس تضامناً مع فصيل قوة مكافحة الإرهاب الذي يتزعمه سامر الحكيم، وإنما بسبب حماقة ارتكبها فلحوط ولم يقدّر عواقبها، حين أوقف سيارة تتبع لأحد قياديي فصيل رجال الكرامة من عائلة سلامة كانت تحمي عبور سيارة زيت تعود ملكية محتوياتها إليه.
عصابة فلحوط أوقفت السيارة وصادرت السلاح الذي كان بحوزة من فيها، ما اعتبره فصيل رجال الكرامة تطاولاً على هيبتهم باعتبارهم الفصيل الأقوى على الأرض، فقامت قيامتهم وأرادوا أن تسلّم العصابة سلاحها ويحاكم أفرادها، أو يرحلون خارج المحافظة.
والملاحظ أن تحرّك فصيل الكرامة لم يكن ضد عصابات أخرى لا تقل خطورة عن عصابة فلحوط، في مناطق مثل صلخد والطيبة وعريقة وسواها، فالحركة عادت وتنازلت عن مطالبها، وهي تعيد خذلان من آمن بها للمرة الثالثة،
الأولى: بعد صمتها عن تصفية قيادتها المؤسِسة عام 2015 بمجزرة بشعة حصدت أرواح أكثر من أربعين شخصاً،
والثانية: بعد انسحابها المفاجئ من معركة بلدة القريّا أثناء المواجهات مع الفيلق الخامس،
والثالثة: مؤخراً بعد تنازلها عن مطالبها المتعلقة بإنهاء وجود عصابة فلحوط ، ما يحشر الحركة مجدداً في خانة التساؤلات حول مرجعيتها؟!، ومن يملي عليها القرارات؟!
التعليقات (4)