بشار الأسد في موسكو: هل تم تلقينه ما الذي يجب أن يفعله؟

بشار الأسد في موسكو: هل تم تلقينه ما الذي يجب أن يفعله؟
لا قيمة للأفراد، لا قيمة للشعوب، لا قيمة لشيء في ظل الأنظمة الشمولية سوى بقاء النظام. فنتيجة سياساته الخاطئة قَتل "ماوتسي تونغ" ما بين 20 إلى 40 مليون صيني فيما بات يعرف لاحقا بمجاعة الصين الكبرى. في تلك الفترة أُكلت لحوم البشر، وأُكلت الحشرات والنباتات، وأخيرا أُكل التراب، وتيبست الأمعاء ومات البشر، لكن الأهم من ذلك؛ أن هذا لم يتسبب بثورة شعبية أو سقوط لماوتسي تونغ، بل أصبح يسمى "الأب الروحي للصين الشعبية". 

وعلى مستوى التعامل مع الضغوط الخارجية تنظر الأنظمة الشمولية وأنظمة الاستبداد إلى شعوبها على أنها رهائن، وأنه على الآخرين التعاطف مع هذه الرهائن وتخفيف الضغوط، ومع الزمن كرس الحكام المستبدون من خلال سلوكهم المكرر تجاه الضغوط الخارجية بتحويل تبعات تلك الضغوط إلى الشعوب قاعدة عرفية على صعيد العلاقات الدولية فحواها: إن العقوبات الاقتصادية والحصار السياسي لن يكون إلا وبالا على الشعب الرهينة.

في حالة النظام السوري الوضع مختلف إلى حد ما، فلو ترك الأمر له ستجده على استعداد أن يصبر على هذه الحال إلى ما يشاء الله، وحال النظام في كوريا الشمالية ليس ببعيد عن ناظريه، وإذا كان النظام السوري قد استجلب فكرة التوريث من هذا النظام، فما الضير إن استجلب آلية الحكم برمتها؟! لكن وجود الشركاء يقف عائقا أمام خيارات النظام السوري، وبالتحديد الشريك الروسي، إذ يمكن تصور أن الشريك الإيراني أقرب في خياراته إلى ما يحبذه النظام السوري، لكن الشريك الروسي الذي تكفل بمهمة إعادة تدوير النظام وتعويمه إقليميا ودوليا لديه رؤية أخرى، فمن أجل نجاح المهمة يعتقد الروس أنه على النظام السوري القبول ببعض التنازلات وإجراء بعض الإصلاحات الترقيعية.

من وجهة نظر النظام السوري، تتنافى فكرة التنازلات، مهما كانت طفيفة، مع عقيدة "الأسد للأبد"، وهو يرى أن التغييرات الطفيفة التي أجراها بشار الأسد بعد أن ورث أباه في حكم سوريا كانت السبب في تمادي وتجرؤ السوريين على الانتفاض في وجهه. من هنا، فالإصلاح من وجهة نظر النظام السوري ربما يكون بالعودة إلى أسلوب حافظ الأسد، ولعل النظام السوري لم يتوقف يوما عن محاولة إقناع الروس بوجهة نظره القائلة بأنه قادر إلى إرغام الآخرين على تقبله بوضعه الحالي، وما على روسيا سوى مساعدته في بسط هيمنته على كامل الجغرافية السورية.

يراهن النظام السوري على أمور عدة؛ من بينها: نفاد صبر بلدان اللجوء التي أصبحت قضايا اللاجئين تشكل عبئا ثقيلا على حكوماتها، واستمرار فشل المعارضة السورية التي أوصلت العالم لقناعة شبه تامة أنها ليست أهلا لقيادة التغيير، والتغيرات التي تصيب بنية النظام الدولي. ولكن لروسيا حسابات أخرى تتعلق بمصالحها وبعلاقاتها الدولية، وبسمعتها إلى حد ما، وهي بالأمس استمعت إلى أكثر من إشارة قادمة من الجانب الأمريكي عقب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان تفيد بأن سوريا قد تكون موضع الاهتمام الأمريكي في المرحلة القادمة، وليس الرئيس الأمريكي وحده من قال إن سوريا أصبحت مصدر الإرهاب وليس أفغانستان.

بعد أن استدعاه على عجل قبل أن يدخل الحجر الصحي، لا أحد يعلم ما الذي دار بين بوتين ورئيس النظام السوري، ولكن أغلب الظن أن محور الحديث كان حول اللقاء الروسي –الأمريكي المرتقب بشأن سوريا، وترجع القصة في أصولها إلى حزيران الماضي حيث عقد في جنيف لقاء قمة بين الرئيسين بوتين وبايدن تم الإعلان من خلاله عن استئناف آليات عمل قنوات الحوار الثنائي حول الاستقرار الاستراتيجي ليضع مقدمات لعودة الحوار بين الطرفين حول ملفات الحد من التسلح وتخفيف المخاطر. وكان ملاحظاً أن بوتين في مؤتمره الصحافي المطول بعد القمة لم يتطرق إلى الملف السوري، لكنه قال للتلفزيون الحكومي إن ثمة "قضايا يمكننا التعاون فيها"، بدءا من المحادثات الجديدة للحد من الأسلحة النووية، ومناقشة النزاعات الإقليمية بما في ذلك سوريا وليبيا، والتغير المناخي. ضمن هذا السياق يأتي اللقاء المرتقب في الأيام المقبلة بين مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي "بريت ماكغورك"، ونائب وزير الخارجية الروسي "سيرغي فريشنين". 

خلال اللقاء يتوقع أن يعاود الروس طرح السؤال الذي طرحه بوتين على بايدن: لماذا لا تقبلون بالأسد؟ وسيكرر الأمريكيون إجابة الرئيس بايدن: لأننا لا نثق به، ولأن الجانب الروسي يعلم أنه ليس باستطاعته لا هو ولا النظام تقديم مبادرات حقيقية تدعو الجانب الأمريكي إلى تغيير وجهة النظر هذه؛ ستحاول روسيا الذهاب إلى اللقاء بأسلوبها الكلاسيكي المتمثل بالتصعيد العسكري قبل كل لقاء ومركزة على فكرة الأمر الواقع. أي، سيطرة النظام على معظم الأراضي السورية وتفوقه العسكري، وسوف يتم طرح الفكرة التي تم التلميح إليها خلال اللقاء بين بوتين ورئيس النظام السوري للمساومة. أي، طرح فكرة انسحاب القوات الأجنبية وتخفيف العقوبات مقابل البدء بالعملية السياسية؛ على اعتبار أن وجود هذه القوات يشكل عائقا أمام النظام السوري للمضي قدما في العملية السياسية. رغم ذلك، يستحيل أن تجري الأمور على هذا المنوال، فالجانب الأمريكي سيلح على ضرورة أن يقدم النظام السوري بعض التنازلات المؤلمة. 

بناء على ذلك، يتوقع أن التكتيكات التي سوف تتبع في المرحلة القادمة شغلت حيزا واسعا من لقاء بوتين برئيس النظام السوري، فقد تم تلقينه ما الذي يجب أن يفعله، وأن روسيا قد تضطر لتقديم بعض التعهدات للجانب الأمريكي، لذلك، عليه أن يكون جاهزا لتنفيذ بعض الإملاءات الروسية إذا لزم الأمر، الآن أو في المستقبل، سواء رغب أم لم يرغب.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات