رحيل فؤاد أبو عساف ابن السويداء: موهبة فذة وأيقونة تحدت البازلت

رحيل فؤاد أبو عساف ابن السويداء: موهبة فذة وأيقونة تحدت البازلت
غيب الموت أمس الأول، السبت (09/18) ابن مدينة السويداء، النحات السوري فؤاد أبو عساف، الذي نعته الأوساط الفنية والثقافية السورية، عن عمر يناهز ٥٥ عاماً بعد صراع مع مرض عضال.  وقد نعاه فرع اتحاد الفنانين التشكيليين بالسويداء وجامعة دمشق وكلية الفنون الجميلة الثانية بالسويداء. 

 منذ تسعينيات القرن العشرين شكّل فؤاد أبو عساف  علامة بارزة مسيرة الفن التشكيلي السوري، بسبب نشاطه وفرادة منحوتاته الصارخة الحضور، وهي تخرق سكونية المشهد، المكتظة بالوجوه، حيث كان حاضرا في معظم معارض وملتقيات النحت، وآخرها مشاركته في معرض جماعي للنحت في دمشق القديمة أقيم في كانون الأول / ديسمبر عام 2020 

 ولد فؤاد أبو عساف عام ١٩٦٦ في بلدة (سليم) بمحافظة السويداء وأنهى دراسته الثانوية فيها. التحق بكلية الفنون الجميلة  في جامعة دمشق في ثمانينات القرن العشرين..  وتخرج من قسم النحت عام ١٩٩١ عمل أستاذا لقسم النحت في معهد الفنون التطبيقية والتشكيلية وفي كلية الفنون الجميلة. 

وبدأ بعدها مسيرته في عالم النحت حيث أنشأ مشغلاً ليمارس من خلاله إبداعه الفني ويجعله ملتقى للمبدعين السوريين. واعتبر أبو عساف من أغزر النحاتين إنتاجاً  فكان نتاجه أكثر من خمسة آلاف منحوتة وتم اقتناء أعماله في عدد من دول العالم والعديد من المؤسسات والوزارات  في سورية وزينت منحوتاته العديد من الشوارع والحدائق والأماكن العامة. 

كغيره من الفنانين التشكيليين ظل فؤاد أبو عساف في حضن نظام أسد،  وحين أنجز نصب (الشهيد الطالب) في كلية الحقوق بجامعة دمشق بارتفاع أكثر من ستة أمتار، كانت المفارقة أن من قتل آلاف الطلاب السوريين تحت التعذيب في سجونه ومعتقلاته هو من سيزيح  الستار عن هذا النصب.. كما فعل بشار الأسد عام 2013 

رصيد منحوتات فؤاد أبو عساف يصل إلى خمسة آلاف منحوتة، ومن منحوتاته الشهيرة: العشاء الأخير، شجرة التفاح، مذكرات طفل سوري (دون كيشوت)، سيزيف السوري، حبة القمح، وليدا والأوزة وروزا وحجر الصوان، فضلا عن منحوتة المرأة السورية التي تزين إحدى ساحات محافظة السويداء. 

ورغم أن فؤاد أبو عساف استخدم خامات أخرى في أعماله النحتية متل خشب الزان والزيتون والرخام، لكنه  بقي في نظر زملائه وفي سجل النحت السوري وذاكرته أيقونة البازلت. بدأ أبو عساف بالتعامل مع خامة البازلت منذ عام 1996، وهو يقول عن علاقته الخاصة بالبازلت في حوار أجري معه عام 2016:

"أنا تعاملت مع خامة البازلت منذ عشرين عاما. 20 عاما توحدك مع هيك خامة حتى تصبح مؤئل أحلامك إذا جاز التعبير. المادة الأقرب التي يمكن أن تعبر عن كيانك واللي جواتك. رغم قساوته الشديدة بعد هذه المعاملة الطويلة وكل هالزمن الطويل، بتصير مادة حنونة وقادرة تحمل الانفعالات والحدث اليومي والحالة". (1)

على صخور البازلت أبدع أبو عساف في إطلاق طاقة التحدي، وفي ذلك يقول الناقد عبد الكريم فرج في دارسة له عن أعماله منشورة عام 2013: 

" اتجه بتصميم وعناد نحو الصخور البازلتية التي مكنته من إطلاق طاقة التحدي، تلك الخاصية أو السمة التي رافقت الفنان أبو عساف في مسار حياته الفنية، وترافقت مع وعيه الفكري بشعور متنامٍ  يقتضي ربط الطاقة التعبيرية للعمل النحتي بتطويل الكتلة النحتية القاسية " (2)

أما صديقه الشاعر فواز خيو فقد تحدث عن سلطة هذا المبدع على البازلت، وكتب في رثائه يقول: «ما أعجب الدنيا، خلال لحظات تتبدل الصفات والحالات، من صديق إلى مرحوم.. فؤاد من نمط المبدع الرسالة، وهو كإنسان أهم منه كمبدع، رغم أنه مدهش في سلطته على البازلت والتحكم به. لهذا يبكى أمثاله».

ساهم فؤاد أبو عساف بتأسيس عدد من الملتقيات النحتية الخاصة  في السويداء (تل جلجلة) وموقع (سيع) كما كان من مؤسسي كلية الفنون الجميلة الثانية في السويداء. وعندما سئل عن الحرب التي يعيشها السوريون أجاب قائلا: أوجه رسالة للإنسان السوري الجديد.. كل المعاناة التي ولدتها الحرب لازم تغير بكايناتنا شي نحو الأفضل ونحو التسامح والمحبة والخير المطلق" لكن فؤاد أبو عساف رحل قبل أن يرى قيم التسامح والمحبة تعم سورية في ظل نظام ديكتاتوري طالما غذى عصبيته من الأحقاد وصناعة الضغائن بين السوريين.. وطالما استهدف كل قيم الخير التي تصنع الحرية والجمال. 


هوامش:

1- فؤاد أبو عساف: لقاء مصور لغاليري ألف نون – اليوتيوب: 26/3/2016 

2- مجلة (الحياة التشكيلية) العدد (99) سبتمبر 2013  

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات