الجيش الوطني.. تناحرات واستقالات وتجميعات (1 من 2)

الجيش الوطني.. تناحرات واستقالات وتجميعات (1 من 2)
من المعتاد بأدبيات العلوم العسكرية ومبادئ الفن العسكري، أن نسمع أن هناك خطوات توحيدية بين فصائل مسلحة غايتها خلق تشكيلات عسكرية أكبر وأقوى وأكثر تنظيماً، يتم فيها تلافي سلبيات الحالة الفصائلية وتعزز النواحي الإيجابية الموجودة وترسخها, وتعزز أيضاً وتحصن وتستعيد القرار العسكري الوطني والمستقل, ثم تتجمع كل تلك التشكيلات المتفرقة لتعلن عن تجميعات عسكرية أكبر تزيد من قوتها وتحصن قرارها وتزيد من تنسيقها, ثم تتوج العملية التوحيدية بإعلان تشكيل "الجيش" كأعلى مؤسسة عسكرية بنيوية وتنظيمية، جيش يضم كل من حمل السلاح من أجل القضية مع كل المؤسسات التي تتبع له من مؤسسات إدارية وفنية وقضاء عسكري وغيرها.

"الجيش" أعلى مؤسسة عسكرية بنيوية وتنظيمية، يضم كل من حمل السلاح من أجل القضية مع كل المؤسسات التي تتبع له من مؤسسات إدارية وفنية وقضاء عسكري 

وهذا الجيش تراعى فيه الحرفية والمهنية والتسلسلية والتراتبية العسكرية, وفيه تتم عملية التخطيط لحشد وتنظيم كل الطاقات المتوفرة, وكل القدرات الكامنة, لكل من انشق عن جيش النظام من ضباط (أعوان وقادة وأمراء) وصف ضباط وعسكريين, إلى جانب إخوانهم القادة والمقاتلين الثوريين من المدنيين, بهدف تشكيل حالة عسكرية جامعة ومنسجمة ومترابطة تستطيع القيام بالمهام الموكلة لهذا الجيش من قبل حاضنتها الثورية, سواء على الجبهات أو في المناطق المحررة, من حيث حماية المدنيين, وتأمين حالة الاستقرار, ودعم القوى الأمنية والقضائية بتنفيذ مهامها دون التدخل فيها.

الثورة السورية منذ البداية ومع الأشهر الأولى لانطلاقتها أصرت على تسمية تجميعات فصائلها وكتائبها العسكرية بـ الجيش (رغم "رأيي الخاص" بعدم صوابية هذا التوجه وتلك التسمية لأنها خلقت بذهن المتابع المحلي والإقليمي والدولي على الأقل توازناً معنوياً إعلامياً مع جيش النظام, رغم وجود الفارق الكبير بالمقدرات والإمكانيات والاحتياطيات بين الطرفين), حيث أعلن مجموعة من الضباط المنشقين في نهاية عام 2011 تشكيل "الجيش السوري الحر" بقيادة العقيد المنشق رياض الأسعد.

 برغم كل الظروف الصعبة التي عاشها الجيش السوري الحر, من غياب كتلة السلاح المتوسط أو الثقيل, وغياب غرف العمليات آنذاك, وبرغم تواضع الأداء العسكري لقيادة هذا الجيش, وابتعادها الجزئي عن العمل المؤسساتي, وغياب التنسيق التكتيكي والعملياتي عن عمل كتائبه العسكرية على مختلف الجبهات, إلا أن كتائب "الجيش السوري الحر" قدمت للثورة السورية أكثر من 68% من الأراضي السورية المحررة, بعد أن طردت ميليشيات جيش النظام منها قبل سقوط مدينة حلب وحتى عام 2017. 

 

كانت هناك سنوات صعبة من التهميش عانت منها كتائب وألوية وفرق الجيش السوري الحر, بعد وقف الإمدادات عن معظم مكوناته, ومن ثم تم وقف غرفة "الموم" في أنقرة التي كان يشارك فيها مندوبون عن (13) دولة تقودهم الولايات المتحدة الأمريكية, وكانت مهمتها تقديم الدعم العسكري للحراك المسلح للثورة السورية في القطاع الشمالي, والإمداد بكل الاحتياجات من تذخير وسلاح, وترافقت تلك المرحلة مع عملية طرد معظم الضباط المنشقين خارج الحدود بعد التضييق عليهم وتهديدهم من قبل تنظيمي الإرهاب الداعشي والقاعدي, واستكمل التضييق على فصائل الجيش السوري الحر من قبل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) التي نهبت معظم السلاح الثقيل من فصائله واحتكرته لنفسها, وللوصول لهذا الهدف التهمت جبهة النصرة اكثر من 25 فصيلاً عسكرياً ثورياً  كانوا يشكلون رقماً عسكرياً صعباً في مواجهة ميليشيات الأسد وحلفائه على مختلف الجبهات.

كتائب "الجيش السوري الحر" قدمت للثورة السورية أكثر من 68% من الأراضي السورية المحررة, بعد أن طردت ميليشيات جيش النظام منها، قبل سقوط مدينة حلب وحتى عام 2017

مع بداية عام 2017 تم الإعلان عن تشكيل "الجيش الوطني" برعاية الحليف التركي, وقيل يومها إن هذا الجيش يضم ثلاثة فيالق عسكرية أساسية تتفرع منها فرق وفصائل وتعلوها سدة الأركان ونواب وزير الدفاع, ويأتي برأس هرمه وزير الدفاع من ضمن تشكيلة الحكومة السورية المؤقتة, وخلال المرحلة اللاحقة والتي امتدت لأكثر من أربع سنوات, حاول القائمون على هذا الجيش تسويقه وتقديمه للداخل والخارج كهيئة عسكرية منضبطة ومؤسسة مترابطة بهرمية وتراتبية عسكرية, لكن المعطيات والمُجريات على الأرض أثبتت عكس ما يدّعون, حيث كانت الحالة الفصائلية وحالة الفردية باتخاذ القرار من قبل قادة الفصائل هي الحالة السائدة فعلياً, ولم نسمع شيئاً عن قادة الفيالق أو ضباط قيادة الأركان وحتى وزير الدفاع ونوابه إلا في الاحتفالات والإعلام وأثناء التقاط الصور كنوع من "البريستيج" الخالي من أي مفعول قيادي حقيقي.

المتعارف عليه بالعلوم العسكرية وفن اتخاذ القرار, أن مواد وعناصر صنع القرار العسكري تأتي من أسفل هرمية وزارة الدفاع للأعلى عبر الفصائل ووسائط الاستطلاع إضافة لتقدير مقدرات الصديق وإمكانياته والاحتياط المتوفر لديه, بينما القرار المتخذ يكون مساره الطبيعي من الأعلى للأسفل, ويلتزم الجميع بتطبيقه وفقاً لخطوات تنفيذ القرار وتسلسله وعناصره وتوقيته...

 لكن ما عايشته مناطق الشمال الغربي من سوريا (المناطق المحررة), والتي تشمل مناطق درع الفرات وغصن الزيتون وريف حلب الغربي وإدلب وأريافها مع ما تبقى بيد الفصائل من أرياف الساحل وحماة حيث توجد فصائل الثورة, أظهر أن قادة فصائل الجيش الوطني كانوا يتّخذون قراراتهم أو ينفّذون التعليمات الواردة لهم بشكل فردي ودون أدنى تنسيق مع القادة الآخرين، وجرت العادة أن التنسيق يتم فقط مع الحليف التركي بعيداً عن أي مشاركة أو قرار لقادة الفيالق أو ضباط الأركان وغرف العمليات وحتى مكتب وزير الدفاع ونوابه, وباتوا آخر من يعلم بما يحصل!

 قادة فصائل الجيش الوطني كانوا يتّخذون قراراتهم أو ينفّذون التعليمات الواردة لهم بشكل فردي ودون أدنى تنسيق مع القادة الآخرين، وجرت العادة أن التنسيق يتم فقط مع الحليف التركي بعيداً عن أي مشاركة أو قرار لقادة الفيالق أو ضباط الأركان وغرف العمليات وحتى مكتب وزير الدفاع 

 وعلى سبيل المثال: عندما تناقل الإعلام المحلي والعربي والدولي معلومات عن قرب إرسال دفعات من مقاتلي فصائل الجيش الوطني للقتال في ليبيا, أُجري لقاء إعلامي مع العميد سليم إدريس وزير الدفاع للوصول للحقيقة, وخلال اللقاء نفى العميد إدريس (وكذلك معظم ضباط وقادة الجيش الوطني) تلك المعلومات جملة وتفصيلاً, وأكد أنه لم يُطلب من قيادة الجيش الوطني ولا من وزارة الدفاع إرسال أي قوات سورية للأراضي الليبية, لكن اليوم الثاني حمل عكس تصريحات العميد إدريس, عندما خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليؤكد وصول المقاتلين السوريين إلى طرابلس الغرب في ليبيا, وبعدها غابت وزارة دفاع "إدريس" عن أي تعليق.

المعلومات التي ينقلها لنا بعض الضباط الشرفاء من قيادة الجيش الوطني ومن كل الفصائل دون استثناء (وهناك تواصل دائم معهم), تخبرنا عن أدق تفاصيل ما يحصل, ومعظم تلك المعلومات كانت تقول إن العميد إدريس ومنذ أكثر من عام ونصف يريد الاستقالة من منصبه كوزير للدفاع, لكن ضغوطاً متعددة مورست عليه ومنعته من تقديمها.

 والمعلومات نقلت عنه أيضاً مدى غضبه من الحالة الفصائلية المتفشية بالجيش الوطني, ومن تجاوز وإهمال قادة الفصائل لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة التي تحولت لكيان هلامي لا لون له ولا طعم ولا رائحة, وإن استبعاد وزارة الدفاع عن القرارات المتخذة وضعها في مواقف محرجة, حيث باتت وزارة الدفاع (مَلطشة) مهمتها تبرير قرارات قادة الفصائل المتخذة بعيداً عنها, مع ما يترتب على تلك القرارات المتخذة وغير المدروسة من نقد ولوم وجرائر ما يفعله الآخرون!

العميد إدريس ومنذ أكثر من عام ونصف يريد الاستقالة من منصبه كوزير للدفاع, لكن ضغوطاً متعددة مورست عليه ومنعته من تقديمها, والمعلومات نقلت عنه غضبه من الحالة الفصائلية المتفشية بالجيش الوطني, ومن تجاوز وإهمال قادة الفصائل لوزارة الدفاع 

مؤخراً (بق وزير الدفاع البحصة) وأعلن بيان استقالته من منصبه, وكان لافتاً الموافقة السريعة عليها من قبل رئيس الحكومة السورية المؤقتة, ما يدل على أن هناك قراراً متخذاً وبشكل مسبق (؟؟) بالموافقة على الاستقالة وقبل الإعلان الرسمي لها, بالتأكيد هناك معطيات وتفاصيل نجهلها عن كامل أسباب الاستقالة لكن من المؤكد أن ما حصل مؤخراً في صفوف الجيش الوطني كان له تبعات دفعت بالعميد إدريس لتقديم استقالته.

- جزء ثانٍ غداً 

التعليقات (2)

    فلسطيني دمشق

    ·منذ سنتين 7 أشهر
    ملك الأردن سيسلم الأردن للمجوس كشقة مفروشة هي وأهلها وبعد ذالك يهرب هو وعائلته عند أخواله في لندن لكم الله ياشعب الأردن ماذا تظنون أن يفعل بكم المجوس ليس أقل مما فعلوه في سوريا والعراق الذبح ثم الذبح. القواعد الأمريكية في الأردن هي فقط لضبط المسار أي الإتجاه هو درعا الرمثا معان تبوك مكة المدينة وليس إلى إتجاه أخر. يلعبون بالشعوب العربية وكأننا كرة يتقاظفونها أنا شاؤا وأين والبركة بالخونة وما أكثرهم

    دندن

    ·منذ سنتين 7 أشهر
    اسمو الجيش الارهابي في خدمة الجيش التركي والدليل شوف العلم خلفهم, شذاذ الافاق
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات