بعد استدعاء أسد لحقته قسد.. ماذا يُحضِّر الروس للسوريين؟

لم يمرّ يومان على استدعاء بشار الأسد إلى روسيا حتى استدعت موسكو وفداً من ميليشيا قسد ومسد مُمثلين عما يسمى بالإدارة الذاتية للجزيرة السورية ترأسته إلهام أحمد، حيث التقى بهم مخائيل بغدانوف فور وصولهم إلى العاصمة الروسية.

الاستدعاء السريع لقادة ميليشيا قسد ومسد بعد استدعاء الأسد ردّه الكثير من المراقبين لسعي موسكو لإيجاد واقع مُعيّن في ظل الحديث المُتزايد عن نيّة واشنطن سحب قوّاتها من سوريا أسوةً بأفغانستان، حيث تحُاول موسكو إيجاد اتفاق بين ميليشيا أسد وميليشيا الإدارة الذاتيّة، في ظل الواقع الذي سيفرضه خروج القوّات الأمريكية، وما حديث بوتين عن سيطرة أسد على 90% من الأرض السورية إلّا دليل على هذا الأمر.

نائب رابطة الكرد المستقلين المحامي رديف مصطفى أكد في حديث لأورينت من حيث المبدأ فإنّ العلاقات بين قسد ومسد وما يُسمى بسلطة الإدارة الذاتيّة بشكل عام والتابعة لحزب العمال الكردستاني لم تنقطع علاقاتها مع الروس وبالتالي مع نظام الأسد المجرم.

وفي ظل انسحاب أمريكي من الجزيرة السورية، ربّما تكون ميليشيا قسد الخاسر الأكبر فيها، وفي هذا السياق يؤكد مصطفى أنّ هذا الاستدعاء يتعلق بالمخاوف عند قسد والتوقع الروسي بانسحاب القوات الأمريكية من الجزيرة السورية، ومن خلال كلام بوتين خلال استدعائه أسد بأنّ ميليشيا أسد تُسيطر على 90% من الأراضي السورية.

وتابع: "أعتقد أن هذا الاستدعاء جاء بافتراض الانسحاب الأمريكي من المنطقة وعقد المزيد من الاتفاقات، ربّما ضمنها موضوع النفط والمعابر، ونحن نُسميها سُلطة وكالة أو سلطة أمرٍ واقع، رغم علاقاتها مع أمريكا في محاربة داعش، لكن عملياً بقيت قسد قريبة من النظام ومن إيران تحديداً، خصوصاً وأنّ قوات التحالف الدولي بشكلٍ عام والقوّات الأمريكية بشكلٍ خاص تعاملت عسكرياً مع قسد، ولم تتعامل معها سياسياً".

ويرى مصطفى أنّ روسيا تحاول الآن أن تلعب دورا قويا بملف الجزيرة السورية، على افتراض أنّ أمريكا تُريد الانسحاب من المنطقة، ولهذا؛ فهي تسعى للإبقاء  على قسد ومسد والإدارة الذاتية مع تمكين فعلي لإعادة سيطرة النظام على هذه المناطق، وأعتقد أنّ حزب العمّال الكردستاني الذي ما يزال يُسيطر على هذه الإدارة  لا مشكلة لديه بالاتفاق مع نظام أسد أو مع الروس.

الصحفي المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد يرى أنّ الأجواء وبشكلٍ عام تشي بوجود "طبخة" يسعى الروس لإعدادها على نار هادئة، من المتوقّع أن تشمل ترتيبات الوضع في مناطق شمال شرق سوريا، يقول عبد الواحد: "واضح أن موسكو تعلق الكثير من الآمال على الحوار مع الأميركيين حول الملف السوري، الأمر لا يتوقف على اللقاء في جنيف، بل هناك اتصالات مستمرة بين موسكو و واشنطن حول الوضع السوري وفق ما أكد سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي".

لذلك والحديث لعبد الواحد من غير المستبعد أن "قسد" أرسلت وفدها لمحاولة معرفة ما يجري واستكشاف ما إذا كانت لدى موسكو معطيات أكثر وضوحاً بشأن احتمالات الانسحاب الأميركي من مناطقهم، وفي الوقت ذاته، ربما تحاول موسكو معرفة موقف "قسد" من الأفكار الروسية التي يجري بحثها خلال الحوار الروسي مع الأميركيين.

وأشار عبد الواحد إلى أنّه إذا كانت هناك بالفعل "طبخة روسية لسوريا"، لا شك أن بوتين الذي يعتمد في نفوذه الإقليمي والدولي، بما في ذلك على شبكات أنابيب الغاز، ويعول بشكل أكثر من عادي على العلاقة مع أردوغان، فإنه سيأخذ مخاوف أنقرة بالحسبان، "لا أظن أنه سيذهب بطريقة فجّة أو مباشرة لإغضاب حلفائه في أنقرة، الروس إن كان على لسان بوتين أو لافروف أو أي مستويات سياسية رسمية دون ذلك، يؤكدون دوماً تفهمهم لهاجس الأمن التركي إزاء الوضع شمال شرق سوريا".

وأشار عبد الواحد إلى أنّ التفاهمات الاقتصادية بين الدول لا يمكن تمريرها دون تفاهمات وترتيبات سياسية، لذلك تبقى الأمور معقدة أكثر بكثير مما يطمح إليه بوتين، ولن يكون بالسهل تمرير أي "طبخة"، يقول عبد الواحد: "أجل هم يستغلون الوضع الاقتصادي لدول طوق سوريا، بعضها وليس كلها، كما يفعلون الآن بالنسبة للبنان والأردن، هم يريدون بذلك الدفع نحو استكمال (التطبيع الاقتصادي) ويدركون أنه سيؤدي دون شك إلى تطبيع سياسي".

الروس والحديث لعبد الواحد يأملون بذلك التطبيع، إلّا أنّ قرار التطبيع مع نظام أسد لا تملكه العواصم العربية، وحتى نكون واضحين أكثر القرار بيد الغرب، ومثالٌ على ذلك كيف هرولت بعض دول الخليج نحو دمشق، وخففت من وتيرة اندفاعها بعد أن عبّرت واشنطن وبوضوح عن موقفها.

وأكّد عبد الواحد إلى أنّ الروس ومنذ البداية يحاولون تعويم نظام أسد سياسياً عن طريق "طوافات "المعاناة الإنسانية" وضرورة التعاون معه لإنهاء تلك المعاناة، وتارة عبر طوّافات "الحرب على الإرهاب" وتصوير ميليشيا أسد بأنها "القوة الوحيدة التي تقاتل الإرهاب على الأرض"، ودوماً كانت المصالح الاقتصادية حاضرة ضمن "الطوافات الروسية" لتعويم أسد بحسب تأكيد عبد الواحد.

وختم عبد الواحد حديث بأنّ روسيا تحتفظ دوماً بالخيار الثاني، أي التخلي عن الأسد إن فشلت في تعويمه، أو إن اتخذت واشنطن قراراً واضحا بأن "عهد الأسد انتهى"، الموقف الروسي من كل خطوة هو موقف معقد ومركب وقابل لأكثر من تأويل، والروس جاهزون لتسويقه تحت أي نتيجة يحصلون عليها، ودوماً هم يلعبون وفق آلية (مسار واحد لكن متعدد الخيارات).