بعد انطلاق الثورة السورية ومن ثم تضييع دم الشهيد الحريري في زواريب السياسة اللبنانية توقفنا عن متابعة الإعلام اللبناني الذي تحول (وبشكل أدق عاد) إلى سيرته القديمة في الردح اليومي وراء أي شأن داخلي لبناني (تافه غالباً) مشغلا اللبنانيين بتفاهة ما قبل الانتقال إلى التالية، لذلك توقفنا عن تضييع وقتنا بالإعلام اللبناني.
عامان مرا منذ انطلاقة انتفاضة تشرين اللبنانية والإعلام اللبناني ومن يقوده من سياسيي ملوك مزرعة ميليشيات الطوائف اللبنانية يوهمون اللبنانيين أن خلاصهم بتشكيل حكومة بعد بدأ ثورتهم التي تم تنفيسها بهذه الكذبة.
ها قد تشكلت الحكومة اللبنانية الثالثة بعد انتفاضة لبنان، تشكلت بعد أن عجز وريث الحريري عن تشكيل الثانية ،َمع كل ما قدم على مدى سنوات من تنازلات (بدءاً من دم الشهيد رفيق الحريري) حتى بات عار سياسيا من كل شيء؛ حتى من قاعدته الاجتماعية (المسلمين السنة) التي عرضها في المزاد السياسي بدعوى إنقاذ لبنان، فإذ به يخسر ويضيع الاثنين معا: لبنان الدولة والطائفة السنية.
بعد عامين من انتفاضة لبنان التي باتت فعل ماضٍ تشكلت الحكومة الثالثة؛ حكومة القرداحة وطهران (ولا يهم حتى لو شكلها من ادعوا وصلا بدم الشهيد الحريري)، فهل ستنتهي الأزمات الاقتصادية بعدها كما ظل الإعلام اللبناني يروج على مدى عامين؟
لا، لن تنتهي أزمات اللبنانيين الاقتصادية، وبشكل أدق الانهيار اللبناني الشامل كدولة؛ اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ومؤسساتيا، لن ينتهي بتشكيل أي حكومة وصولا للكارثة المحتمة التي ستشعل الفوضى فيما هو أكبر حتى من حرب أهلية والتي ستكون في أفضل أحوالها حروبا أهلية متعددة لا حربا واحدة، فكيف بحكومة بكل تفاصيلها هي وكل النظام القائم في لبنان، إنما هي حكومة عملاء القرداحة وملالي إيران ورؤوس الميليشيات والنعرات والأحقاد الطائفية والفساد.
حكومة هي امتداد لمن حكموا لبنان بدون منازع في آخر عشر سنوات، وحكموا لبنان لعقدين قبلها مع شراكة ضعيفة من آخرين، حكومة يديرها أشاوس القتلة مخابرات عنجر التي كانت وراء كل اغتيال في لبنان وزعران قتلة الحريري والسابع من أيار في بيروت .. وهل هناك سذاجة أكثر من انتظار أي لبناني للخير منها؟
لن ينقذ لبنان والاقتصاد اللبناني خط غاز كما لن ينقذ نظام القرداحة الذي يراد تأهيله جزئيا بخط الغاز التافه هذا، لكن سينتقل الإعلام اللبناني بعد تشكيل هذه الحكومة إلى موضوع تافه آخر ليشغل اللبنانيين به عن أصل المشكلة المتمثلة بما قاله سمير قصير قبل عقدين مما جعله على رأس قائمة الاغتيالات القرداحية: "لا ديموقراطية في لبنان إلا بحرية سوريا" ..
لكن أفصل وأزيد لما قاله سمير قصير فيه بقولي: "لا خلاص نهائي للبنان إلا باستئصال نظام القرداحة من سوريا، وباستئصال عملاء ملالي إيران من لبنان، ولا تحرير للبنان إلا بتحرير سوريا، وكل ذلك لا يمكن أن يتم إلا بالبندقية، بل لا خلاص لكل المنطقة العربية، دولا وأنظمة وشعوبا، من العراق إلى دول بلاد الشام إلى دول جزيرة العرب من المشروع الإيراني الطائفي الفارسي إلا وفق هذه المعادلة التي تبدأ بسوريا ولبنان لتمر لاحقا باليمن والعراق فكل المنطقة".
بانتظار الوعي بهذه المعادلة والعمل بها نترك العرب في أوهام المعارك الجانبية غير المجدية التي يخوضونها بكل ما أوتوا من قوة وسط ضياع كارثي للبوصلة، كما نترك اللبنانيين في سجال الأوهام والصغائر التافهة التي يغرقهم بها إعلام مزرعة ملوك الطوائف والميليشيات اللبنانية مع رجاء عدم استغرابهم للآتي من ذل وانهيار أكبر على يد عملاء القرداحة وطهران ممن يحكمون، ومع من تعروا سياسيا حتى الابتذال الرخيص ودون جدوى ممن يعارضون ..
ذل وانهيار لبناني على كل المستويات وصولا لانفلات الحروب الأهلية اللبنانية الآتية لا محالة، فهل هناك عدا عملاء إيران في لبنان من هو مجهز لهذه الحروب لخوضها وفي أفضل الأحوال لإجبار عملاء إيران على إعادة الحسابات قبل خوضهم لها.
• سياسي سوري ومدير مركز آفاق مشرقية للدراسات
التعليقات (5)