المزيد من خرائب دولة البعث في سوريا

المزيد من خرائب دولة البعث في سوريا
استرق إعلام النظام السوري النظر إلى الباصات الخضر، وهي تُقلُّ مقاتلي المعارضة خارج حدود درعا البلد، ثم إلى أناسٍ قال إنهم عادوا إلى منازلهم وقد باتوا آمنين. يستمتع الإعلام الرسمي إذاً برجم الواقع، والتدليس، يفعل ذلك باقتدار ويواظب على استمالة آراءٍ لا تزال مستلقية تحت شمس المؤامرة الكونية الساطعة، تنعس ثم تصحو، ثم تبارك لجيش النظام عجائبه المستمرة في دحر الإرهاب، وتشير بأصابعها هذه المرة إلى درعا، حيث تجسدت آخر معاقله هناك حتى اللحظة. 

لكن ذاك الإعلام لا يقرب مصائب الناس في المناطق التي دسّها بشار الأسد في جيبه، ليغفو هو الآخر بعد خطاب قسمه الشهير. إذ يُكلّف تجهيز الطالب الواحد للعام الدراسي أكثر من نصف مرتّب شهري، أو يزيد عن ذلك بحسب فئة المرتّب، لا يرصدون ابتسامة أم وفّقها الله في أراضي دولة الشعارات الفاسدة بالاهتداء إلى شراء لباس رياضيّ لابنها بمبلغ 20 ألف ليرة (حوالي 6 دولار)، ولا ذاك المواطن الذي يعلن على صفحته "الفيسبوكيّة" بأنه سيحرق الأخضر واليابس إن بردَ أو جاع أبناؤه، ولم توزّع عليهم حكومة بشار مازوت التدفئة. 

أيامُ السوريين مريضةٌ بالخمول، ولا تفاؤلَ يتبادله الناس لدى استعراض مزاجهم الصباحيّ، وشبهُ كساد يعمُّ جسد دولة البعث خاصةً في أسواق التجزئة، فالناس مفلسون للغاية، ساكتون، منغمسون في قلقهم الوجوديّ، يدفعون ضريبة صمتهم الطويل، بعد أن لفحت وجوهَهم شمسُ دولة فاشلة لم تنتصر حتى على رسومات طفوليّة تصوّر طواحين الهواء.

شبهُ كساد يعمُّ جسد دولة البعث خاصةً في أسواق التجزئة، فالناس مفلسون للغاية، ساكتون، منغمسون في قلقهم الوجوديّ، يدفعون ضريبة صمتهم الطويل، بعد أن لفحت وجوهَهم شمسُ دولة فاشلة لم تنتصر حتى على رسومات طفوليّة 

لعبة الحواجز مجدداً 

قبل أيام أوقف حاجز لأمن الدولة في القطيفة بريف دمشق المدعو راجي فلحوط، وهو المتزعّمُ لأخطر عصابة مسلحة في السويداء، بعد أن أنهى عمرته السياحية في  اللاذقية، وقصد الديار عائداً، وسرعان ما نصبت العصابة حاجزاً في منطقتها، أطلقت النار على سيارة قاضٍ من أبناء السويداء، وقتلت مواطناً من خارج المحافظة، وأخفت جثته وسرقت سيارته، ثم قصدت فرع أمن الدولة لتطلق على محيطه قذيفةً انفجرت في الهواء، وما هي إلا ساعات قليلة حتى أطلق حاجز أمن الدولة زعيم العصابة المرتدية حلّة الأمن العسكري والضاربة بسيفه.

ليس هذا تفصيلاً اعتيادياً فحسب، وإنما تشريحٌ بنيويّ لدولة بشار، التي باعها لروسيا وإيران حتى يطيل زمن بقائه حاكماً لخرائبها، وتركَ مراكز القوى تتصارع على  الفتات داخل هلامٍ طوقه الدمار، وآفةُ العقوبات الدولية الخانقة، المهم هنا أن تظل طغمة رأس هرم السلطة بخير، وما دونها فليذهب إلى الجحيم. وهذا ما ينجلي أكثر إن استذكرنا حادثاً وقع مؤخراً، حين أوقف حاجزٌ يتبع للفرقة الرابعة التي يتزعمها ماهر الأسد باص مبيتٍ تابعا للحرس الجمهوري وأنزلوا ركّابه وشتموهم بمكاييل سوقيّة، وصادروا مسروقاتهم، فالقوي في دولة بشار يحق له أن يستولي على مسروقات الأضعف منه، هذا قانون ضمنته وفرضته دولة المرتزقة بركائزها الجديدة ولاعبيها المنتمين إلى أندية الدرجة الثانية والثالثة في دوري مباريات السطو والنهب الممنهج الذي تنظّمه وترعاه السلطة السورية في مناطق نفوذها.

اللغة تترجم الواقع مجدداً 

تلك السلطة لا ترعى السطو والفساد جهاراً فحسب، بل وتمعن في دسّ الخراب داخل الدورة الدموية لجسد المجتمع، إذ نجدُ محاكاةً لذلك التخمين، حين استطاعت سيدة مؤخراً وبالمصادفة أن تلتقط بوساطة جوالها أصوات طلاب إحدى المدارس في منطقة دمّر بدمشق، وهم ينشدون ما ليس فيه تمجيدٌ لبشار، أو لحزبه الخالد، كانوا يرددون أغنية "لفلّي حشيش" ذائعة الصيت للمغني ربيع العمري، وفيها ندبٌ للخيانة والخذلان والتداوي منهما بالحشيش والمشروب الكحولي. وليس الأمر هنا أنّ طلاباً صغارا يرددون كلاماً لا يفهمون معانيه الغائرة، وإنما في هذا تطابقٌ محكم بين انهزام المنظومة الأخلاقية للمجتمع وانهزام مكونات دولة البعث وفائضها من القبضة الأمنية وتحولها إلى مراكز نهب ممنهج تحت حُجبٍ وذرائعَ متنوعة، وجميعها يتقاطع مع ضرورة استدامة الوضع الراهن، ذاك الضامنُ لمصالحهم المتطابقة معه، حيث المجتمع من وجهة نظرهم هو سوقُ تصريف لبضائعهم وعيوبهم، ومصدر كسب لهم متعدد المنابع.

تلك السلطة لا ترعى السطو والفساد جهاراً فحسب، بل وتمعن في دسّ الخراب داخل الدورة الدموية لجسد المجتمع

هو الانهزام العام العميق بمفاعيله الكليّة، وغير القابل للتداوي إلا بتفكيك هذا النظام، والإتيان بعقد اجتماعي جديد يكنس كل هذه المكونات الطفيليّة المتمسكة بالسلطة، والمتنفّعة منها أيما تنفّع. وهذا يذكرنا بذاك الشعار الذي رفعه وعمل به أزلام النظام بأمانة شديدة على مرّ السنوات الماضية "الأسد أو نحرق البلد"، لدرجةٍ صار واجباً عليهم تصحيحه، واستبدال أو العاطفة، بواو العطف "الأسد ونحرق البلد" وهذا ما جنوه فعلياً من تلك المغالاة البشعة، الممتدة أيضاً إلى شعارهم الآخر "الأسد أو لا أحد".

 لكن وخلافاً  للمرامي الإلغائية لكلا الشعارين، كانت سوريا تحتضر ببطء، تنهار اقتصادياً وأخلاقياً، والنظام يدرك هذا جيداً ولأجله فخّخ المجتمع بكل ما أتيح له، من مراسيم عفوٍ أخرجت مجرمين، ونصّبتهم أسياد عصابات مرعبة، إلى إتاحة اقتناء السلاح والتباهي به، وهذا جعل فكرة استسهال تصفية الآخر هيّنة خاصةً في أكثر مناطق الأقليات إثارة لقلق النظام، السويداء في الجنوب، وصولاً إلى إتاحة المخدرات بين أوساط الشباب وتهجير الكفاءات ودفع المجتمع إلى استحسان فكرة التقسيم الفيدرالي بدلاً من مركزية هذا النظام المعادي للناس، حتى وإن حدث بتدخلٍ خارجي. 

تدريجياً لم تعد سوريا موجودةً في مساحة وجدان الأفراد ويقينهم. هناك بدلاً منها العتمة والجوع والبرد في متلازمة الشتاء القبيحة، وهناك الرغبة بالفرار من هذا الجحيم متى سنحت الفرصة. نعلم، ويعلم هذا النظام منذ فخّخ المجتمع بكل تلك القنابل الموقوتة بأنه يسلك درباً من اتجاه واحد، اتجاه اللاعودة، فناؤه حتمي، لكنها مسألة وقت، ومع انهياره سيخلّف أنقاضاً من الركام والبشر، كان العالم يتفرج عليهم من وراء زجاج سميك، كاتمٍ للصوت.

تدريجياً لم تعد سوريا موجودةً في مساحة وجدان الأفراد ويقينهم. هناك بدلاً منها العتمة والجوع والبرد في متلازمة الشتاء القبيحة، وهناك الرغبة بالفرار من هذا الجحيم متى سنحت الفرصة.

 ففي كل مرّة كان "بعبع" النظام يستقوي بشعاريه السابقين، كانت شعاراتٌ  مختلفة تطل من بين أصفاد العتمة أهمها "ولسه بدنا حرية" وآخر "العبيد يرضخون والأحرار يرفضون" وثالث "كل الشعب رافض حكم ابن حافظ" الذي ظهر على حائط في درعا في شهر أيار/ مايو من هذا العام. تلك الأنقاض بات من الصعب مداواتها بمشاريع إعادة الإعمار المزمعة، فالخراب بلغ الدورة الدموية منذ زمن. 

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات