السوريون في بورصة السياسة الداخلية التركية

السوريون في بورصة السياسة الداخلية التركية
مرة أخرى ترضخ الحكومة التركية لابتزاز العنصريين الأتراك وتستجيب للخطاب الشعبوي المناهض لوجود السوريين في تركيا عبر إصدارها قرارات تعيد ( تنظيم ) أوضاع السوريين المقيمين أو الموجودين في أنقرة عقب حادث الاعتداء الأخير على السوريين وممتلكاتهم فيها، على غرار ما كانت قد فعلته منذ عامين في إسطنبول عقب خسارتها رئاسة بلدية إسطنبول في الانتخابات المحلية، والتي سبقتها أيضاً حملات تحريض ضد السوريين فيها من بعض المرشحين والشخصيات السياسية المعارضة حيث قادت الحكومة عقب تلك الخسارة حملة أمنية واسعة نفذت خلالها عمليات ترحيل قسري لآلاف اللاجئين إلى شمال سوريا بعد أن أجبرت كثيرين منهم على توقيع أوراق عودة طوعية لبلدهم مكتوبة باللغة التركية دون ترجمة لمضمونها.

صحيح أن بعض ما جاء في القرارات الأخيرة الصادرة عن ولاية أنقرة هو إعادة تذكير لما هو موجود ومنصوص عليه في قانون الحماية المؤقتة الذي ينظم الوضع القانوني للاجئين السوريين في تركيا، لكن الصحيح أيضاً أن غض الطرف طويلاً عن مخالفة البعض لتلك النصوص ثم فجأة اتخاذ القرار بتطبيق القانون بحزم وعقب أعمال عنف طالت السوريين ومساكنهم وموارد رزقهم أقرت السلطات التركية نفسها أن من قاموا بها مجرمون ولهم أسبقيات جرمية وبعضهم مطلوب أصلاً للعدالة ، يعطي انطباعاً مزدوجاً وجهه الأول هو تحميل السوريين مسؤولية ماحصل، ما يوجب معه منع أي سوري من الإقامة أو الانتقال إلى أنقرة من خلال وقف تسجيل السوريين في الولاية ومنع إصدار بطاقة حماية لهم فيها وإخراج كل سوري أقام في الولاية ضمن سياسة غض الطرف وهو يحمل بطاقة حماية صادرة عن ولاية أخرى وإعادته لولايته، والوجه الثاني لهذا الانطباع هو إرسال رسالة خاطئة إلى إولئك العنصريين الرعاع أننا كحكومة استجبنا لضغوطكم وإجرامكم وأصدرنا قرارات تستجيب لشعبويتكم وسنمنع السوريين ( الأشرار ) من الإقامة بينكم، وبالتالي فما على هؤلاء العنصريين كلما أرادوا ابتزاز حكومتهم في موقف أو سياسة إلا أن يلجؤوا للطريق الأسهل لإخضاعها وهي أن يهاجموا السوريين ويعتدوا على بعضهم ويحطموا لهم ممتلكاتهم وينهبوا لهم موارد رزقهم ليتحول السوريون إلى مكسر عصا في هذا الصراع السياسي والتنافس على السلطة بين الحزب الحاكم ومعارضيه  (!) . 

ورغم أن ما حصل في أنقرة لم يكن الأول من نوعه فقد سبقته أحداث مماثلة في العديد من الولايات كأضنة وكهرمان مرعش والريحانية ( عقب التفجيرات التي وقعت فيها عام 2013 والتي سقط فيها ضحايا سوريون أيضاً ومرة أخرى في شباط 2020 عقب توارد أخبار عن مقتل 33 جندياً تركياً بقصف من روسيا والنظام السوري في مناطق إدلب ) بالإضافة لأحداث متفرقة هنا وهناك كانت ضحاياها دائماً سوريين، إلا أن خطورة ما حدث في أنقرة أنه أتى كاستجابة لتحشيد غير مسبوق ضد اللاجئين السوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمؤسسات الإعلامية المعارضة، فضلاً عن التصريحات شبه اليومية من قادة أحزاب وشخصيات سياسية وبرلمانية أصبح ترحيل اللاجئين السوريين شغلهم الشاغل، وكأن هذا الأمر لو تم جدلاً سيكون الحل السحري الذي يعيد للاقتصاد التركي تعافيه ولليرة التركية قوتها وهو بالقطع تصور خاطئ ويدرك أولئك المقامرون أنه خاطئ لكن يبدو أنهم لا يملكون برنامجاً انتخابياً لأنفسهم ولأحزابهم إلا اللاجئين السوريين بالنظر لإفلاس سياستهم وسياسييهم إلا من نقطتين: العداء لأردوغان وللسوريين معاً (!) . 

يجب أن يدرك العنصريون الأتراك ويجب على حكومتهم أن تعمل على تعزيز هذا الإدراك لديهم، أن السوريون هنا حالة قانونية يجب التعاطي معها من منظور الالتزامات القانونية للدولة التركية بموجب المواثيق الدولية الموقعة عليها والملتزمة بها، وبموجب الاتفاقية المبرمة بينها وبين الاتحاد الأوروبي، وأنها بموجب هذه الالتزامات القانونية لا يمكنها ترحيل السوريين إلى بلدهم قبل انتهاء الصراع ووفق حل سياسي يضمن لهم عودة آمنة وكريمة وطوعية، وأن مثل هذا الحل ليس صناعة تركية خالصة بل هو خلاصة توافق إقليمي ودولي ليست تركيا إلا جزءاً صغيراً منه، وبالتالي هذا يوجب على الحكومة التركية ضمان سلامة وأمن السوريين المقيمين على أراضيها وحماية موارد رزقهم وسبل عيشهم والكف عن الرضوخ للابتزاز الشعبوي الذي سيشجع أولئك العنصريين على ممارسة المزيد، ومواجهة هذا الخطاب والسلوك العنصريين بالأدوات القانونية المناسبة بما يكفل إخضاعه لسلطان القانون للحد من ارتداداته المجتمعية. 

وحتى لا يكون السوريون مجرد صفر على يسار أرقام بورصة السياسة الداخلية التركية، فإنه يتعين عليهم العمل - من خلال منظماتهم وجالياتهم وفعالياتهم الاقتصادية - على عدة سياقات منها عدم التردد باللجوء للقضاء من قبل المتضررين من أي سلوك عنصري يترتب عليه ضرر مادي أو معنوي عليهم، ومنها فتح قنوات تواصل وحوار مع مختلف التيارات والأطياف السياسية التركية والفعاليات المجتمعية والفكرية والثقافية والإعلامية والحقوقية بما يساعد على تنفيس هذا الاحتقان وتوضيح الكثير مما هو ملتبس وضبابي حول القضية السورية وأوضاع اللاجئين في تركيا، وإرسال رسائل واضحة من قبل تجمعات وروابط رجال الأعمال السوريين أن هذا الخطاب العنصري المتصاعد غير مشجع على وجود بيئة آمنة للاستثمار في تركيا وأن رؤوس الأموال التي يستثمر بها السوريون في تركيا وهي بمئات الملايين من الدولارات ستضطر أن تكوّن لها وجهة أخرى يشعر فيها أصحابها أنهم في مأمن على أنفسهم وأموالهم ومستقبل استثماراتهم وأنها لن تبقى في مهب رياح هذا الشحن العنصري المقيت . 

* غزوان قرنفل محام سوري ومدير تجمع المحامين السوريين

التعليقات (1)

    عبد الحق السيد

    ·منذ سنتين 7 أشهر
    أظن. ان على السوريين ان يجدوا بديل عن تركيا او يجدوا مدن في تركيا ممكن السكن بها ويعملون على توحيد الصفوف ورفع دعاوى على كل من يدعوا للعنصرية ضدهم خاصة الذين يحملون الجنسية التركية والقانون التركي يجرّم العنصرية
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات