مشاريع نقل الغاز عبر سوريا ولبنان وإليهما: أوهام الواقع ودبلوماسية الأزمات والدماء!

مشاريع نقل الغاز عبر سوريا ولبنان وإليهما: أوهام الواقع ودبلوماسية الأزمات والدماء!
ثمة حقيقة شبه مطلقة يمكن الوثوق فيها إلى حد كبير في تفسير ما يجري.. وهي أن العامل الاقتصادي يؤدي دوراً بارزاً في تقعيد مشهد الحرب على الشعب السوري، وإمكانيات إيجاد الحلول السياسية المنتظرة، بالرغم من كون الحرب على الشعب السوري بالأساس هي عقائدية متصلة بدوافع الأمن القومي واستراتيجيات البقاء لدول الإقليم وأدواتها، وأطماع التغيير الديموغرافي وأوهامه المشتهاة.

 ولأن الغاز سيكون مصدر الطاقة الأول في العالم قريباً لنظافته البيئية ووفرته في دول حزام سوريا، أو اعتبار سوريا مركزاً رئيساً في عمليات توريده نحو أوروبا وقلة تكاليفه، لذا كان لا بد من التطرق إلى المشاريع الثلاثة المقترحة قديماً- حديثاً في سوريا وإمكانية تحققها على أرض الواقع ومدى جدارتها في خطط التنفيذ والتأسيس والنمو والبقاء. إنها مشاريع تبدو واقعية للوهلة الأولى، لكنها لا تتعدى كونها وهماً في ظل واقعية سورية دامية، متقلبة ومستعرة، ونبدأ بأضعفها أساساً إلى أقواها حضوراً:

الخط القطري (القطري – التركي): تبحث دولة قطر في العقدين الماضيين عن ذاتها في سوق الغاز العالمي، بمخزون هو الثالث في ترتيب الدول العربية والإسلامية، مع التركيز على أن القاعدة الأوروبية (قاعدة التصنيع) المستورد الأول للغاز في العالم، ولا يخرج التحالف الاستراتيجي بين قطر وتركيا عن دائرة طموحات الدولتين في بحث قطر عن تصريف إنتاجها بأسرع مدة وأقل كلفة، وبحث تركيا عن مكانة ما لها في وسط هذا الزحام عن دورها مركزاً إقليمياً بين القارتين، وحاجة سوقها المحلية إلى موارد ضخمة من الغاز (تحرّر تركيا من قبضة سوق الغاز الروسي)، هذا الخط القطري الذي سيمرّ من السعودية والأردن وسوريا وينتهي في تركيا، بالتالي يؤمّن حاجة السوق السورية والتركية، ويقلّل من احتياجات تركيا المتصاعدة من الغاز الروسي، ويشكّل حلقة ضغط مؤلمة على صادرات روسيا من الغاز إلى أوروبا التي تعتمد على توفير حاجتها من الغاز من ٣٠% إلى ٤٠% على الغاز الروسي، هذا الخط يواجه عداوات إقليمية كبيرة وصعوبات جمة أبرزها: ما منافع الطرف السعودي من السماح بإنشاء الخط؟ وقلق الروس الاستراتيجي من ضعف اعتماد أوروبا على الغاز الروسي! ومرور الخط في سوريا بمناطق سيطرة متضاربة تشغل حيزها جميع الدول المتصارعة على النفوذ في سوريا! وهنا لا أبد أن أشدد على أن الخط القطري لا يوجد أي اعتراف رسمي أو غير رسمي به من قبل دولة قطر إلى الآن، وبعض المعنيين عدّه ضرباً من الاستشراف والأوهام! وهو في أرض الواقع كذلك خلال عشر سنوات قادمة على أقل تقدير، وللعلم يقف خلف ترويج قصة الأنبوب القطري، نظام أسد لتبرير كثير من نظرية المؤامرة على سوريا ومواقف الحكومات الخليجية منه ومن الثورة السورية.

الخط القطري لا يوجد أي اعتراف رسمي  به من قبل دولة قطر إلى الآن، وبعض المعنيين عدّه ضرباً من الاستشراف والأوهام! وهو في أرض الواقع كذلك خلال عشر سنوات قادمة على أقل تقدير، وللعلم يقف خلف ترويج قصة الأنبوب القطري، نظام أسد لتبرير كثير من نظرية المؤامرة على سوريا

الخط الإيراني (الإسلامي): تسعى إيران إلى زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وتفتش عن آلية للفكاك من ابتزازات حليفها الروسي وخصومها الاقتصاديين في دول الخليج العربي، وهي بذلك تساعد نفسها على تمدد استراتيجي وتوغل كبير في العراق وسوريا، فليس هدف توغلها في العراق وسوريا اقتصادياً، ولكن الاقتصاد وتعقيداته يساعدها على تحقيق نفوذها السياسي الذي تتطلع إليه من خلال توسيع مساحة الولاية وإحكام السيطرة كقوة إقليمية في أشباه دول كالعراق وسوريا، ولعل أبرز خطواتها في هذا المجال كان إطلاق مشروع خط الغاز الإسلامي الذي يعبر العراق نحو سوريا وفي سوريا إما أن يلتقي بخط الغاز العربي وإما أن يتوجه من السواحل السورية باتجاه أوروبا، ولكن السنوات العشر الأخيرة والعبث الديمغرافي والدموية التي انتهجتها إيران جعلت إمكانية تشغيل هذا الخط أمراً أشبه بمعجزة لا يمكن تحققه في المدى المنظور، فالخط يمر من المناطق الأحوازية العربية المضطربة، ويمر أيضاً من مناطق غرب العراق السنّية الشاسعة، وبمحاذاة منطقة الـ55 التي تسيطر عليها قوات الجيش السوري الحر، ومن عمق بادية حمص التي تنتشر فيها مجاميع تابعة لتنظيم الدولة، ومصالح روسية اقتصادية خالصة، لينتهي الخط في بانياس ذات الاهتمام الروسي الاستراتيجي، بينما يفتقر كل طريق الخط بين العراق وسوريا إلى بنى تحتية لازمة لإتمامه سواء من الناحية اللوجستية أو الأمنية.

وليس الحديث عن تطوير شبكات طرقات بالأمر المعقول في الوقت الراهن، ولا يمكن استجرار هذا الخط من الشمال الشرقي لسوريا، لوجود سيطرات وإحكام ناري على طول الطريق الدولية من قبل الجيش الحر والقوات التركية، وحول موضوع مد أنبوب نفط بين البصرة العراقية وبانياس السورية لتكريره وتصديره، لتطابق مواصفات نفط البصرة الخفيف مع نوعية وآلية التكرير في مصفاة بانياس، فما ينطبق على الخط الإسلامي من مخاطر ينطبق على خط البصرة – بانياس، كركوك – بانياس، لتبقى إيران محرومة من استغلال هذه الشبكات الاقتصادية لتثبيت نفوذها السياسي أو توسيعه!.

السنوات العشر الأخيرة والعبث الديمغرافي والدموية التي انتهجتها إيران جعلت إمكانية تشغيل  الخط الإيراني أمراً أشبه بمعجزة، فالخط يمر من المناطق الأحوازية العربية المضطربة، ويمر أيضاً من مناطق غرب العراق السنّية الشاسعة، وبمحاذاة منطقة الـ55 التي تسيطر عليها قوات الجيش السوري الحر، ومن عمق بادية حمص التي تنتشر فيها مجاميع تابعة لتنظيم الدولة

الخط المصري (العربي): وهو أكثر الخطوط حظاً في الواقع، فقد جرى العمل به منذ عام 2000، وتوقف عن العمل مع بدايات الربيع العربي، يبدأ من مصر ويمرّ بالعريش وبمحاذاة الكيان الإسرائيلي (خليج العقبة).. ويدخل الأردن وسوريا ويتفرع في مدينة حمص إلى فرعي بانياس السورية وطرابلس اللبنانية، وكان من المفترض إكمال مدِّه نحو كلس التركية ليلتقي بعدها بخط أنابيب نابكو ويتوجه إلى أوروبا بإدارة عربية إسرائيلية تركية أوروبية مشتركة.

 وقد كثر في الأيام الأخيرة الحديث عن تشغيل الخط بعد تصريحات الإدارة الأمريكية عن إمكانية تعويض نقص الطاقة الحاصل في لبنان من خلال الخط العربي أو استجرار الغاز المصري والكهرباء إلى مدينة طرابلس اللبنانية رداً على توجه ميليشيا حزب الله اللبنانية إلى شراء النفط والفيول الإيراني المتكدس بسبب بعض العقوبات على إيران، وهذا ما يفسر الحملة الشرسة من قبل النظام السوري على درعا الاستراتيجية التي يمر منها خط الغاز وشبكات استجرار الكهرباء المصرية الأردنية، ما يعني أن لإيران مصلحة استراتيجية في تشغيل خط الغاز العربي فهو يعوِّم حليفها نظام الأسد عربياً، ويعوض كثيراً من نقص إمدادات الطاقة التي تعانيها سيطرات النظام، ويوفر إمدادات للبنان الذي يمارس فيه حزب الله سياسة بطيئة في موضوع ملف الطاقة، فأيهما يقع أولاً يصب في مصلحة نفوذه المتصاعد، أي إن خط الغاز العربي يسير بتفاهمات إيرانية مصرية أمريكية، وشحن الفيول الإيراني بحراً إلى لبنان يسير بذات التفاهمات التي تغذي لبنان وسوريا في آن معاً، وجوهرها تعويم تدريجي لنظام دمشق والمضي قدماً برؤية عربية لاستيعاب التفاهمات الأمريكية الإيرانية العميقة!

لإيران مصلحة استراتيجية في تشغيل خط الغاز العربي فهو يعوِّم حليفها نظام الأسد عربياً، ويعوض كثيراً من نقص إمدادات الطاقة التي تعانيها سيطرات النظام، ويوفر إمدادات للبنان الذي يمارس فيه حزب الله سياسة بطيئة في موضوع ملف الطاقة

 وهنا لا بد من الإشارة إلى التناغم الروسي مع حالة الفصائل الثورية في الجنوب السوري خلال المعركة الأخيرة المستمرة، فبكل تأكيد لا تفضل روسيا نشاط هكذا مشروع بأي حال من الأحوال، وهو ما بدا جلياً خلال زيارة ملك الأردن إلى أمريكا لمناقشتهم بإمكانية تفعيل الخط والذي اصطدم بامتعاض روسي دفعه لزيارة بوتين وطرح الممكن من خلال تطهير الجنوب السوري من الوجود المعارض، فكما نعلم أنه لا يمكن الحديث عن نشاط الخط بوجود المنطقة الجنوبية خارج السيطرة الفعلية لميليشيات النظام ومن خلفها إيران! فالخطر الأمني على الخط يتوفر في سيناء المصرية والجنوب السوري، وهذان الملفان الأمنيان إلى الآن لا يمكن حلهما!

يبدو أن طرح الأمريكيين المتعلق بتزويد لبنان بالغاز المصري، غير معقول في ظل الأحداث الجارية، وعدم الرضا الروسي عن ذلك، ولا تخرج حملة النظام وإيران الأخيرة على درعا من سياق التفاهمات (المصرية الأمريكية الإيرانية الأردنية) الاقتصادية المشتركة، بينما يبدو ملف استجرار الكهرباء إلى لبنان أكثر أماناً وديمومة وسهولة من فكرة إحياء خط الغاز العربي، فالنظام سيستفيد قطعاً من الكهرباء القادمة من مصر والأردن، وكذلك سينال لبنان حُقَناً إنقاذية مستعجلة لخطورة الوضع اللبناني واستفحال أزمات الطاقة فيه، وهذا كله لا يعني وجود أي سلامة تامة لكلا المشروعين (الغاز – الكهرباء الجاهزة)، ما دام نظام أسد يتوسط هذه الحلقات في بيئة سورية ميليشياوية متضاربة ومستعرة. 

إن الهدف من كل هذه العمليات ليس إنعاش المجتمعات المنكوبة في سوريا ولبنان، أو تحقيق منافع اقتصادية لدول الجوار، بقدر ما هو عمليات دبلوماسية بطيئة لتثبيت وتبييض أنظمة سياسية متواطئة وموغلة في دماء الشعوب، في ظل صراع ما زال محتدماً ما بين الربيع العربي وأحلامه، والأنظمة والثورات المضادة وأنيابها. 

التعليقات (1)

    HOPE

    ·منذ سنتين 7 أشهر
    الاحمق فقط من يضر نفسه اذا سقطت عليه هبة من السماء !! العرب لايستحقون النفط الذي بين ايديهم فهو نقمة لهم ! امة حمقاء ترهن مصيرها بيد من لايعرف اصول الحكم ولا يهمه الا شهواته و كرسي الحكم ! تبا لنا من امه اضعنا فلسطين وانفرط العقد ولن تكون دول النفط بمامن بعد سوريا .... مد الغاز الى لبنان على حساب الشعب السوري سيكون لعنة على الكل . خراب سوريا ك ضياع فلسطين سيكون لعنة على الكل !!
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات