هل تكون الطالبانية نسخة سنّية من حكم الولي الفقيه؟

هل تكون الطالبانية نسخة سنّية من حكم الولي الفقيه؟
بعد دخول "حركة طالبان" العاصمة كابول في 15 آب/أغسطس 2021، وهروب أركان النظام السابق، والإجلاء المتسرع للقوات الأجنبية والمتعاونين معهم، وسيطرتها على كامل أراضي أفغانستان باستثناء وادي بانشير، أعلن نائب رئيس الجمهورية أمر الله صالح نفسه رئيساً للدولة حسب دستور البلاد؛ ودعا إلى المقاومة المسلحة بقيادة أحمد مسعود نجل القائد الميداني الشهير أحمد شاه مسعود. ومع ذلك، فقد أصبح من الواضح أن الظروف، الآن وفي المستقبل، ستمليها الحركة. 

أوضح سهيل شاهين، المتحدث باسم طالبان، كيف تتصور الحركة سياستها الداخلية تجاه المواطنين، مؤكداً أنها ملتزمة بتشكيل حكومة شاملة، وتخطط لاحترام حقوق المرأة وتمكينها من التعليم والعمل ومغادرة منزلها دون مرافقة رجل من محارمها، لكن سيتعين عليها ارتداء الحجاب. وأضاف بأنه سيسمح لوسائل الإعلام بنشر مواد انتقادية، في حين ستظل العقوبات مثل الإعدام والرجم وقص الأيدي والأطراف، إذا تم ذلك بقرار من المحكمة الشرعية. 

وقال ذبيح الله مجاهد، ممثل الحركة، في مقابلة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز": "يجب ألا تتدخل الدول الغربية في شؤون بلادنا وتسلب الموارد البشرية: الأطباء والأساتذة وغيرهم من الأشخاص الذين نحتاجهم هنا. يمكنهم أن يصبحوا طُهاة أو غسَلة أطباق في أمريكا.. هذا أمر غير إنساني". وأضاف: "نريد أن نبني المستقبل وننسى ما حدث في الماضي!".

بعد ذلك بفترة قصيرة صرّح أحد مسؤولي الحركة بأنها لن تشكّل حكومة مؤقتة، وأنها ستتولى السلطة كاملة بعد خروج القوات الأجنبية ووصول قياداتها من الصف الأول إلى كابول، وستعلن عن إنشاء إمارة إسلامية في أفغانستان.

قال ذبيح الله مجاهد، ممثل الحركة، في مقابلة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز": "يجب ألا تتدخل الدول الغربية في شؤون بلادنا وتسلب الموارد البشرية: الأطباء والأساتذة وغيرهم من الأشخاص الذين نحتاجهم هنا. يمكنهم أن يصبحوا طُهاة أو غسَلة أطباق في أمريكا.. هذا أمر غير إنساني"

إذاً جميع التصريحات السابقة للّاعبين الداخليين والخارجيين حول سعي طالبان جاهدة لتشكيل حكومة شاملة قدر الإمكان من أجل الاعتراف بها دولياً؛ وجاهزيتها لتقديم مناصب وزارية لأعضاء من الإدارة السابقة والمكوّنات العرقية الأخرى غير البشتونية، وعدم قبول الإمارة الإسلامية كهيكل مستقبلي للدولة يمكن رميه في سلة المهملات. فمن المرجّح ألا تكون هناك انتخابات رئاسية أو برلمانية أو حتى حكومة تشاركية، وإنما نظام حكم إسلامي حركي على غرار ولاية الفقيه الخمينية، لكن بنسخة سنّية تبقي الملا هيبة الله أخوند زاده في رأس الهرم، ليكون صاحب الكلمة العليا باعتباره قائداً روحياً ومرجعاً دينياً ورمزاً قومياً، تولى قيادة طالبان بعد مقتل الملا منصور نتيجة عملية عسكرية أمريكية بعد عودته من إيران في أيار/مايو 2016. 

ولد الملا هيبة الله في ولاية قندهار الجنوبية لأسرة إمام، ويبلغ من العمر 60 عاماً تقريباً في الوقت الحالي. تلقّى تعليمه الابتدائي من خلال والده، ثم درس لاحقاً في مدرسة دينية باكستانية. انضم إلى "حركة طالبان" عام 1994، وترأس إحدى المحاكم الشرعية، ثم تولى القضايا الدينية عموماً.. هو شخصية انعزالية لا تحب الظهور العلني، ومكان وجودها غير معروف. حتى إن إعلان وصول طالبان إلى السلطة، تمت قراءته نيابة عنه!  

يبدو أنه لا توجد نوايا ولا خطط لدى الحركة من أجل إنشاء منصب رئاسي أو أميري، وإنما تعتزم تشكيل "مجلس أعلى" لحكم أفغانستان يتألف من 12 عضواً، ما قد يسمح لها بتجنب الصراع على السلطة في الدولة. وأغلب الظن أن الأعضاء الرئيسيين في المجلس سيكونون: رئيس المكتب السياسي للحركة الملا عبد الغني برادر، ورئيس اللجنة العسكرية الملا محمد يعقوب، والقائد المؤثر خليل الرحمن حقاني. كما تنوي طالبان ضم سياسيين أفغان مؤثرين آخرين إلى المجلس من زعماء القبائل المؤيدة لها؛ وربما دعت أحمد مسعود الابن وأمر الله صالح، لكن مشاركتهما غير مرجحة تماماً. كذلك ذكرت بعض المصادر أن الحركة وافقت على ضم وزير الخارجية الأفغاني الأسبق حنيف أتمار الذي فرّ من البلاد لكنه أعرب عن نيته العودة، والرئيس السابق حامد كرزاي ونائبه عبد الله عبد الله. لكنها جردتهما مؤخراً من مرافقتهما، ووضعتهما تحت الإقامة شبه الجبرية!

 لا توجد نوايا ولا خطط لدى الحركة من أجل إنشاء منصب رئاسي أو أميري، وإنما تعتزم تشكيل "مجلس أعلى" لحكم أفغانستان يتألف من 12 عضواً، ما قد يسمح لها بتجنب الصراع على السلطة في الدو

الملا برادر هو نائب هيبة الله أخوند زاده للشؤون السياسية وأحد مؤسسي الحركة، وقد شغل منصب نائب وزير الدفاع في حكومتها السابقة. لكن، ألقي القبض عليه في كراتشي بباكستان عام 2010، وأفرج عنه بعد ثمانية أعوام بضغط من الولايات المتحدة. ترأس المكتب السياسي للحركة في قطر بعد خروجه من السجن. وهو الذي وقّع الاتفاقية مع الإدارة الأمريكية السابقة؛ ويُصنّف على أنه زعيم دبلوماسي معتبر. 

الملا محمد يعقوب هو نجل المؤسس الملا عمر، ونائب رئيس الحركة الحالي للشؤون العسكرية، ويرأس اللجنة العسكرية. يعتبر أحد أصغر قادة طالبان، حيث يبلغ من العمر حوالي 30 عاماً. يحظى باحترام كبير؛ ومع ذلك، لا يزال دوره غير واضح في القيادة المرتقبة.

يلعب أعضاء "شبكة حقاني"، والتي يرأسها سراج الدين حقاني، دوراً مؤثراً في الحركة. ورغم أن موقعها غير معروف حتى الآن، إلا أن أعضاء رفيعي المستوى فيها، مثل أنس وخليل الرحمن حقاني، قد وصلوا إلى كابول مؤخراً وبدؤوا المفاوضات مع السياسيين الآخرين.

مَن مِن قيادات الحركة المحتملين يمكنه أن يشارك في إدارة البلاد؟ 

هذا السؤال من الصعب الإجابة عنه حالياً، والسبب هو خروج شخصيات طالبانية جديدة من الظل، وظهورها تباعاً على الساحة السياسية في البلاد؛ والتي من المحتمل أن تصبح جزءاً من الواجهة القيادية المقبلة، بالإضافة إلى قادتها المعروفين سابقاً.

هنا يبرز اسم عبد القيوم ذاكر بين قادة الحركة الذين دخلوا القصر الرئاسي، حيث تولى مباشرة مسؤولية الأمن في كابول، ومن ثم عُين وزيراً للدفاع بالوكالة. يعتبر ذاكر من الكوادر القدامى وأحد المقربين من الملا عمر، بالإضافة إلى تأثيره الكبير في الدوائر العسكرية. كما شوهد الملا عبد الرحمن منصور بين القادة المؤثرين الذين دخلوا العاصمة، ومن ثم عُين قائداً أعلى لها. وكذلك قائد عملية دخول كابول مولوي غالب، الذي ترأس جهاز شرطة بعد ذلك.

 وظهر عبد الحق أخوند بالقرب من وزير الصحة بالإنابة وحيد ماجرو، الذي شغل منصباً وزارياً في حكومة أشرف غني ووافق على العودة إلى مهامه بعد وصول طالبان إلى السلطة. وعيّنت الحركة الملا صحيح حضرة الله مسؤولاً عن التعليم، حيث اقتصرت أنشطته الحالية على مناشدة المؤسسات التعليمية الخاصة والعامة مواصلة عملها وعدم إيقاف العملية التعليمية برمتها.

وظهر ذبيح الله مجاهد بشكل علني لأول مرة في 17 آب، حيث أدلى بتصريحات نيابة عن طالبان في عدة مناسبات، لكن لم يرَه أحد قبل دخولها كابول. ازداد تأثير ذبيح الله في الأيام الأخيرة، وذكر العديد من الخبراء في الشأن الأفغاني أنه ربما سيتولى منصباً في وزارة الإعلام والثقافة. لكن مصادر مقرّبة من طالبان قالت إن مجاهد سيبقى ممثلاً رسمياً للحركة، بينما قد يتولى الملا أمير خان متقي، عضو المكتب السياسي للحركة المقيم في الدوحة منصب وزير الإعلام والثقافة. سجّل متقي رسالة صوتية بعد وصوله إلى كابول، أكد فيها للسكان وللسلطات السابقة وللولايات المتحدة الأمريكية، أنهم لن يتعرضوا للتهديد من قبل أسياد البلد الجدد. كذلك أجرى محادثات مع السياسيين الأفغان عبد الله عبد الله وحميد كرزاي وقلب الدين حكمتيار لتشكيل إدارة جديدة.

هناك عضو آخر أيضاً في المكتب القطري أصبح له تأثير متزايد في الفترة الأخيرة، وهو شهاب الدين ديلاوير، الذي قاد وفداً لإجراء محادثات في موسكو، ووصل عن طريق الجو إلى أفغانستان مع الملا برادر بعد استلام جماعته السلطة.

في غضون ذلك عينت طالبان وزيرين للداخلية والمالية بالوكالة، هما صدر إبراهيم وجول آغا. كذلك عُيّن نجيب الله رئيساً للمخابرات، والملا صَحَّحَ الله وزيراً للتربية بالوكالة، وعبد الباقي وزيراً للتعليم العالي. في حين أصبح حمد الله نعماني رئيساً لبلدية العاصمة، والملا شيرين حاكماً لإقليم كابول.

أصبحت الطالبانية، التي دعت إلى استقلال الدولة وطرد القوات الأجنبية، بديلاً أكثر جاذبية وحصلت على دعم شعبي لا بأس به، لا سيما من أبناء الريف؛ حتى إن بعضهم وصف ذلك بـ "انتصار الريف على المدينة". لا يمكن تفسير ولاء المدنيين للحركة بانقسام أفكار طالبان، بقدر ما يمكن تفسيره بإرهاقهم وتعبهم من فساد النظام السابق، وعدم تجذر القيم الغربية المفروضة في مجتمع قبلي له تقاليده الخاصة، ووجود القوات الأجنبية لمدة 20 عاماً، والتدخل الخارجي في سياسات الدولة. 

أصبحت الطالبانية، التي دعت إلى استقلال الدولة وطرد القوات الأجنبية، بديلاً أكثر جاذبية وحصلت على دعم شعبي لا بأس به، لا سيما من أبناء الريف؛ حتى إن بعضهم وصف ذلك بـ "انتصار الريف على المدينة". 

في الوقت نفسه، لا يمكن للمرء أن يتوقع أنه بعد الاستيلاء على الدولة، ستعمل الحركة الدينية المتطرفة، بشكل مفاجئ، على تعديل مواقفها الراديكالية وتتخلى هكذا بسهولة عن دوغمائيتها واستبدادها ونظرتها الشمولية للأشياء، وتصبح أكثر ليبرالية فيما يتعلق بالمواطنين العاديين، على الرغم من أنها يمكن أن تناور وتتنازل في بعض الأمور وتستخدم التكتيات الآنية حتى تستطيع تمكين نفسها وتقوية وجودها داخل أفغانستان وتحسين سمعتها خارجها. 

ستواجه طالبان، بمرور الوقت، تفاقماً كبيراً للوضع الداخلي في البلاد، ومقاومة من أطراف مختلفة، وقد تتعرض لانشقاقات كثيرة. لذلك يمكن لقيادة طالبان أن تنظر إلى تشكيل حكومة شاملة جديدة، ليس فقط كذريعة للاعتراف الدولي بتغيير السلطة في أفغانستان، ولكن أيضاً كرادع في السياسة الداخلية. عليها أن تدرك وتقتنع بأن المشاركة المتساوية لممثلي القوى المختلفة في إدارة البلاد يمكن أن تؤدي حقاً إلى استقرار الوضع وتحسن الحالة المجتمعية العامة.

التعليقات (1)

    يوسف

    ·منذ سنتين 7 أشهر
    عأساس الاسلام كان عندو انتخابات واحزاب واجى الوليه الفقيه عمل نظام الحكم هيك ... الحكم الطالباني والايراني والسعودي والخليجي كلو حكم اسلامي من ايام الراشدين فحاج كذب وتدجيل عالناس
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات