"فوضى الحواس" في السويداء؟!

"فوضى الحواس" في السويداء؟!
في الصورة، يظهر أربعةُ رجال وهم مقيَّدو الأيدي، ظهورهم مكشوفةٌ بعريّها، ووجوههم مسلّطة على الحائط أمامهم، يظهرون كما لو أنهم على وشك تلقي رشقة رصاص من الخلف. هؤلاء هم فريق التحقيق في قوة مكافحة الإرهاب، وقد نشر التنظيم المسلح هذه الصورة على حسابه الرسمي على فيسبوك، متباهياً بأنه أنصف اعوجاج مساره، وانزلاقه باتجاه درامي كاد أن يشعل حرباً بين مكونات إثنيّة متعددة في السويداء، لولا أن القدر تدخل هذه المرّة، وأجّل توقيت مثل هذا الصدام المرتقب.

من يرسم تلك الوجوه؟!

إتيانُ القصة من فصولها المتعاقبة ليس بذي أهمية، كما إن سردها ليس مهماً هنا، سيارةٌ فيها مسلحون تتجاهل حاجزاً لقوة مكافحة الإرهاب في بلدة المزرعة، القوة تداهم منزل أحد أفراد تلك السيارة، بعدما أطلقت النار عليه، وتعتقله، وهو من العشائر البدوية، تحقق معه، يموت، تعلق جثته في ساحة البلدة، ثم تستجدي الوساطات، تراهن على راكان خضير، قائد تجمع أحرار العشائر، ونفوذه داخل التركيبة الإثنية لعشائر بدو السويداء، والرجل ينجح على مضض في إبعاد السكين عن عنق التنظيم المسلح.

التنظيم يلوبُ، يندم، ثم يشرح فعلته، ويبرر كيف أنها بكّتت ضمائر الكثيرين، والذين قال إنهم فريق التحقيق المتورط بالجريمة، وبالتمثيل بالجثة، لم ينشر ما يؤكد هذه الفرضية، ولعله يصطنع تمثيليةً، ولعلهم مجرد عناصر عاديين، لم نعرف أسماءهم، ولم نرَ وجوههم؟! فمؤسس هذا التنظيم، سامر الحكيم، كان متهماً بتفجير موكب الشيخ الشهيد وحيد البلعوس، والصف الأول من قادة حركة مشايخ الكرامة مطلع شهر أيلول/ سبتمبر عام 2015، ومؤخراً قصد مضافة الابن، فهد البلعوس في قرية المزرعة، يبرر له إقحام اسمه في مثل ذاك العمل الشنيع، والابن صدّقه.

لكن قوة مكافحة الإرهاب، تخسر الكثير من رصيدها الاجتماعي، وهو رصيد هشٌّ فعلياً، إذ إنه استنطق ترحيباً بهذا التنظيم بناءً على إعلان تأسيسه الترويجي (يمكن معاينته بتمهّل على حساب التنظيم الرسمي على فيسبوك) ومن ورائه، حزب اللواء السوري لصاحبه مالك أبو خير المقيم في فرنسا منذ سنوات، ولعل تلقّف الإعلام لهذين التنظيمين، المترابطين باتفاق مصاهرة سياسي عسكري، تجاوز بكثير رصيدهما الواقعي، والمساحة الاجتماعية التي يمكن لهما المناورة فيها، فالمحافظة المنكوبة بالصمت السياسي، ها هي تعاين "فانتازيا" جديدة، حيث جثةٌ معلقة، وهواءٌ فاسد، ووجوهٌ حائرة في إدراك المعنى، وأيُّ معنًى؟!

 أسلحة تحملها ملامحُ مستعارة

قبل أن تُطلَّ علينا اللحى الطويلة، المشذّبة بعناية في صالونات الحلاقة، وقبل أن يتجوّل السلاح الفردي بين الناس وكأنه سعالٌ موسمي لا قلق منه. كانت السويداء تتفرج على الحزام السنّي الثائر على النظام القائم، وهو يتسع، بدءاً من درعا، ثم ريف دمشق، فحمص، وحلب، وحماه، وإدلب. كان السواد الأعظم هنا يراقب مجازر الإبادة، والتهجير، والحصار، والتجويع بحق من ثار. يراقبون، وفي المساء تقرفص كلماتهم إلى جوارهم: "اللي بيتجوز أمي بصير عمي" كانوا سيهللون إذاً للمنتصر، فهم حبيسو لحظة "الصفر" سياسياً، زعاماتهم الاجتماعية معروفةُ الولاء، ومثلها قياداتهم الدينيّة التقليدية، واليسارُ في المحافظة بليدٌ فقد معناهُ السياسي والاجتماعي منذ ازدهار دسائس ما يسمى بـ "الجبهة الوطنية التقدمية" وهبوب رياحها على الأحزاب السياسية التي قايضت الأيديولوجيا بأمان زعمائها ومكاسبهم، ولم يكن حضور المعارضة السياسية في السويداء أحسن حالاً، بضعُ مظاهرات ووقفات احتجاجية بين عامي 2011، و2013، وانتهى الأمر. ظلت المسافة شاسعةً بين النخب القادرة على بلورة حراك طويل وممنهج ومستمر، وبين المجتمع الدرزي بذاكرته الجمعية التي لم تعرف أكثر من الاستلاب والقهر منذ الهجرات الباكرة للدروز صوب جبل العرب، إبّان الحرب الأهلية الأولى في لبنان، والمجازر المتبادلة بين الدروز والموارنة عام 1840، وصولاً إلى التهميش الكلي أيام حكم حافظ الأسد، مؤسس هذا النظام القمعي بكل زلّاته المعروفة. مجتمعٌ متكوّر حول نفسه، خائفٌ أكثر مما ينبغي، قايض صمته، بأمانه، واكتفى بذلك.   

بعد أن اكتملت اللحى، طويلةً، مشذبة، صرنا نسمع "هلا خوي" بالياء المشددة المكسورة، وهو تعبيرٌ روّجه الشارع للتشديد على إنتاج نمط جديد من العلاقات الشخصية تقوم على مبدأ الأخوية في الدم، وهذه الألفاظ ستغدو سمة فئة اجتماعية جديدة، قويّة وصاعدة، لكنها تُدار من أعلى، ثم صرنا نسمع "حيّ الذيب" وهذا إنتاجٌ لفظي جديد لمكونات تلك الفئة، يحاكي القوة، ويمجّدها، تلك القوى المتصعلكة التي سترتمي بأحضان من سيدفع لها أكثر، من الأحزاب ذات الفلول العسكرية كحزب البعث، والقومي السوري الاجتماعي، ثم في الدفاع الوطني، ثم مع مقاتلي شيخ العقل يوسف جربوع، ثم مع العصابات المسلحة، ثم مع حزب الله، أو كمرتزقة مع الروس في تغريبتي ليبيا وفنزويلا، وربما حديثاً في قوة مكافحة الإرهاب وفي سواها، من يدري؟! صارت تلك الفئة بلحاها الطويلة، ورائحة الحشيش التي تسبق خطاها، مع بناطيل الكاكي، والمسدسات الفرنسية أو الإسبانية التي يتمنطقون بها، إحدى السمات العامة للشارع الدرزي المتلكّئ، بما تختزله من بطالة، وتعاطٍ للمخدرات، ومقدرة على إدارة أعمال البلطجة، وتخويف للمجتمع.

من ذا الذي يصنع لحظةً جديدة؟!

 يركلُ الواقع المُعاش داخل مناطق سيطرة النظام الناسَ إلى فخاخ ومكائدَ لا تهدأ، الباقون هناك عالقون في جوف رمال متحركة، تشدّهم إلى القاع كلما همسوا باحتمال زوال نظام أذلهم ودعس آدميتهم بلا رحمة، وكلما استشعروا حركةً على السطح، رمقوها بأعينٍ كابية، يعلمون أن امتلاك السلاح يعني امتلاك جزء من ناصية الواقع، هكذا دحر حزب اللواء السوري، ومعه قوة مكافحة الإرهاب باعتبارهما أحدث التشكيلات المعلنة رهابَ الاحتجاز داخل قفص العمل السياسي، ذهبا إلى السلاح مباشرةً. ربما لم يعد أحدٌ يؤمن بجدوى العمل السياسي؟! وربما كان برنامجهما السياسي مجرّد رداء مؤقت للعبور؟!

مؤخراً طالب شيخ عقل الدروز الثاني، يوسف جربوع، جيش النظام، وأجهزته الأمنية بالتصدي لحزب اللواء السوري، معتبراً إيّاه غير مرحبٍ به. ومع هكذا تصريح  تحسنت أسهم الحزب، وحليفه العسكري، قوة مكافحة الإرهاب، في بورصة السويداء للفصائل المسلحة. كما أعادت هذه الإدانة بعض التعاطف معه، إذ إنها صادرةٌ عن مرجعية دينية منغمسة بالتودد من هذا النظام، ومن سيده حتى الثمالة. في وقت يغرق فيه الناس داخل مهانات العوز والفقر ورداءة الحياة التي صنّعها لهم النظام خصيصاً بمناسبة إطلاقه فوازير "الأمل بالعمل" وهي الجزء الثاني من سلسلة فوازير "سوا منعمرها" و "منحبك".

ويبدو أن لا أحدَ قادرٌ على تحسين جودة البث، فالصورة تهتز، تنعس، ثم تصير حالكة من كل الزوايا. من ذا الذي سيصنع لحظةً جديدة تعيد الألفة بين السوري وانعكاس هزيمته على المرآة أمامه؟، ربما لا أحد، فكل الذين أحبوا سوريا كانوا جباةَ ضرائب، وكل الذين كرهوها كانوا جباةَ ضرائبَ أيضاً.  

التعليقات (1)

    HOPE يجب احياء الجيش الحر من جديد لكل سوريا

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    الاحرى بالدروز الوقوف مع باقي مكونات الشارع السوري وليس محاولات تشكيل مليشيات محليه . سوريا بالنهايه لكل المكونات الاثنيه المشكله لها. والكلام عن حماية الاقليات اثبت فشله فلا حمايه لاي مكون بوجود المافيا الحاكمه. حتى العلويه مهددون من هذه المافيا. يجب النظر بشكل اعمق للمشكله التي نواجهها!!
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات