هيئة تحرير الشام بين الأمنيات والعقيدة والتضليل (2 من 2)

هيئة تحرير الشام بين الأمنيات والعقيدة والتضليل (2 من 2)
عندما كشفت وحذرت بعض المصادر الثورية نهاية عام 2017 من اجتماعات سرية تحصل بين أمراء مقربين من أبو محمد الجولاني (أمير هيئة تحرير الشام) وبعض ضباط المخابرات الجوية لدى النظام السوري وضباط آخرين روس من قاعدة حميميم, وتعقد اجتماعاتهم في منزل عضو مجلس الشعب الأسدي أحمد درويش في قرية أبو دالي, خرجت علينا أبواق هيئة تحرير الشام مكذبة ومهددة باعتقال من ينشر تلك الأخبار, لنفاجأ بعد أقل من شهرين بانسحاب مقاتلي الهيئة من كامل المنطقة الواقعة شرق السكة في أرياف إدلب الشرقية, وإمعاناً باستغباء العقول ومن أجل الخديعة وكي تموه على اجتماعات التسليم التي تمت في قرية أبو دالي قامت الهيئة بترك عدة مئات من الشباب السوري المقاتل التابعين لها في منطقة شرق السكة وبسلاح خفيف ودون أي دعم أو تمهيد أو مؤازرة ليقتلوا على يد النظام فقط لتغطي على جريمة اتفاقها مع النظام وتسليم المنطقة.

وعندما أفردت بعض صفحات الثورة صفحاتها للتحذير من مؤامرة تقودها هيئة تحرير الشام ضد الثورة وضد المرابطين في قرية "الكبينة" في جبهة الساحل والتي استعصت على روسيا والنظام وكل ميليشيات إيران ولعدة سنوات نظراً لأهميتها العسكرية, خرجت أبواق الجولاني لتنكر الأمر وتخون من يفضح تلك الجريمة ثم لاحقاً ظهرت الحقيقة عبر استبعاد الهيئة كل من كان يقاتل بتلك الجبهة والتي تنتظر نفس مصير منطقة شرق السكة في إدلب عبر ترتيبات متفق عليها ستتم لاحقاً ريثما تهدأ الزوبعة.

وحتى التعزيزات التي كانت تحتاجها جبهات خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب بداية عام 2020 عندما هاجمتها قطعان شبيحة الأسد, رفضت هيئة تحرير الشام دخول تعزيزات الجيش الوطني إلى إدلب من قطاعات "درع الفرات" و"غصن الزيتون" بذريعة أن تقوية الجيش الوطني في إدلب يشكل خطراً على هيئة تحرير الشام, وبتخاذل واضح يكشف المستور بأن وصول ميليشيات النظام إلى جبل الزاوية ليس خطراً على الهيئة لكن قوة الجيش الوطني في إدلب هو الخطر الأكبر عليهم.  

أما معاناة المدنيين في إدلب وأريافها مع شرعيي جبهة النصرة وعلى مختلف مسمياتها السابقة واللاحقة فكانت باهظة وفادحة, ودفع فيها المدنيون الثمن الأكبر بسبب ضعفهم وعدم قدرتهم على التوحد والوقوف بوجه أرتال شبيحة الجولاني المدججة بالسلاح والتي كانت تتحرك للانتقام أو الاقتصاص من المدنيين المحتجين أو الرافضين للهيئة عبر ظلم وبطش أبناء جلدتهم والغرباء العاملين في ركاب تنظيم الجولاني.

وتنوعت فنون التضييق لدى أتباع الجولاني على المدنيين من التضييق على النساء من حيث اللباس, إلى التضييق على الأرزاق والمحلات والباعة, إلى التضييق على المحاصيل الزراعية والتجار, ومع إنشاء ما يسمى "حكومة الإنقاذ" كانت الطامة الكبرى التي عانى منها المواطن السوري الفار من نظام الأسد وظلمه, والمجبر على البقاء بتلك المنطقة بعد إغلاق الحدود مع الجانب التركي.

عندما يقال حكومة تترافق مع تلك المفردة عبارة خدمات ينجم عنها ضرائب تقوم بتحصيلها الدولة أو الجهة التي تقدم تلك الخدمات لقاء أتعابها, لكن جماعة الجولاني فهموا من مؤسسة حكومة أنها لجني الأموال وابتزاز الناس دون أي خدمات تقدم للمواطن, فلا تعبيد للطرق ولا أعمدة وساعات كهرباء, ولا خدمات فنية ولا صحية ولا طبية نهائياً, وزادوا عليها بفتاوى شرعية تبيح محاصصة الهيئة للناس بأرزاقهم ومحاصيلهم وتجارتهم, ففرضت الإتاوات تحت مسميات مختلفة من "جهاز الحسبة" إلى "مركز الفلاح" إلى "سواعد الخير" إلى "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وغيرها من بوابات غايتها التضييق على الناس والوصول إلى جيوبهم وسحب ما فيها من أموال, وحتى جبهة النصرة وأمراؤها اعترفوا أن سبب حل بعض تلك اللجان كان بسبب الفساد والسرقات بين أعضائها (بعد فرار بعض أعضاء تلك اللجان للخارج حاملين معهم عشرات ملايين الدولارات, أو هروب بعض أصحاب مكاتب تشغيل الأموال ومكاتب السيارات التي كان يمولها ويشغلها أمراء هيئة تحرير الشام ورؤساء لجانها).

ولم تقف جبايات وسرقات جبهة النصرة في تلك الحدود بل تجاوزتها للمعابر الداخلية مع النظام والخارجية مع تركيا, ففرضت قوانينها وحصدت ملايين الدولارات الشهرية وحرمت المواطن من الاستفادة من كل تلك الأموال التي ذهبت لأمراء الهيئة وغلمانهم, فشيدت القصور وبنيت الشركات ومكاتب الشحن والمطاعم وصالات البيع "المولات" ومكاتب السيارات, وأصبح هؤلاء الأمراء من الأثرياء ومن أصحاب ملايين الدولارات في حساباتهم البنكية في الخارج (وهم القادمون لسوريا بشراويل ممزقة), ومقابل تحصيل أكبر فائدة ومنافع لهم وصل بهم الأمر لمنع مواد محلية من الانتقال من مناطق درع الفرات وغصن الزيتون "المحررتين والتابعتين للجيش الوطني" إلى مناطق سيطرة الجولاني في إدلب كي لا تنقض أرباحهم, عندما أصدروا أوامر بداية بمنع دخول مادتي "الفليفلة والملوخية" إلى مناطق سيطرة جماعات الجولاني ثم ألحقوا الأمر فيما بعد بمنع إدخال مواد "التين والفروج والبيض" أيضاً, بينما معابرهم اللاشرعية مشرعة الأبواب مع نظام الأسد لنقل الحديد والنحاس المسروق من أعمدة الكهرباء ومدارج سكك الحديد ومحطات الكهرباء والمعامل التي قاموا بتفكيكها وبيعها لنظام أسد تحت ذريعة تحصين الجبهات التي خذلوها أو سلموها دون قتال.

مؤخراً خرج علينا الملثم والمقنع (الجولاني) بعد أن كشف عن وجهه, وأصبح يدور بين الناس كأمير للمؤمنين طالباً الوحدة والتعايش ومقدماً نفسه على أنه الديموقراطي والسلمي الذي يراعي حقوق الناس والمستجيب لطلباتهم, بل ذهب أبعد من ذلك عندما قدّم الجولاني نفسه عبر الصحفي الأمريكي "مارتن سميث" على أنه ليس إرهابياً وأن تنظيمه يجب أن يرفع عن قوائم الإرهاب, حيث قال: "نحن هنا لا نشكل عليكم أي تهديد، لذلك لا داعي لتصنيف الناس على أنهم إرهابيون وتعلن مكافآت لقتلهم".

و"تحدث الجولاني عن قاسم مشترك مع واشنطن، وهو الشراكة في الحرب على تنظيم "داعش" ووضع حد للأزمة الإنسانية ومعاناة السوريين، إضافة إلى وضع حد لحركة النزوح نحو تركيا وأوروبا، مضيفاً “هذه هي القضية التي يمكننا أن نتعاون بشأنها أكثر من غيرها". (يحق للجولاني على غرار الأسد اللقاء مع الغرب ومع الأمريكان ومع التحالف الدولي وحتى مع إسرائيل لكنهما يقومان باعتقال ومحاكمة من يتواصل مع أي من هؤلاء, فالجميع خائن وعميل إلا الأسد والجولاني) .

لكن الجولاني نسي أو تناسى قصداً أن يقول إن معظم مآسي المدنيين في المنطقة التي يحتلها ناجمة عن جرائم مشتركة ارتكبها بحق الناس شراكة بينه وبين نظام أسد وحلفائه, وإن الشعب السوري ليس بقاصر ليأتي إليه ما هب ودب ومن كافة أصقاع الأرض ليعلموه الشرع, ويعلموه الدين, وغرباء يقيمون إمارات رفضت بلدانهم قيامها, جاعلين من الأرض السورية والشعب السوري ساحة تجارب لأحلامهم ومطامعهم السلطوية والدنيوية تحت شعار الدين.

الشعب السوري لم ينسَ فتاوى شرعي الجولاني الأول بعد المحيسني المدعو "أبو اليقظان المصري" عندما قال مخاطباً مجرميه من أتباعه وقاصداً المدنيين من أهل إدلب والمهجرين من بقية المحافظات "اضربوهم بالرأس", ولم ينسَ الشعب السوري الحر آلاف المعتقلين من عناصر الجيش الحر والثوريين المدنيين المغيبين في سجون الجولاني منذ سنوات وسنوات حتى الآن, عدا عمن تم إعدامهم في أقبية سجون الجولاني, وحتى جثامين المعدمين سراً لم تسلم لأهاليهم بعد.

ولم ينس الشعب السوري الحر ومقاتلو الجيش الحر أيضاً أن من أسباب نكبتهم وضعفهم هو غياب السلاح الثقيل وغياب وسائط ومعامل تصنيع الذخائر محلياً التي نهبتها قطعان "هيئة تحرير الشام" على مدار السنوات الماضية, بعد أن قضت الهيئة على فصائل الجيش الحر والثوريين واعتقلتهم أو قتلتهم أو هجرتهم خارج الحدود.

على مر التاريخ كان الشعب السوري معتزاً بدياناته, معتدلاً بها, لا يؤمن بالتطرف ولا بالتشدد, ولا يؤمن بالإمارات الإسلاموية ولا بمشاريع القاعدة وغيرها, شعب قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم) وقال أيضاً: (طوبى لأهل الشام إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليهم).

فهل ينتظر أهل الشام من شرعيي الجولاني ومن المحيسني وأبو اليقظان المصري والتونسي والمغربي والصومالي والشيشاني وغيرهم ليعلموا أهل الشام دينهم وشرعهم وحياتهم ويفرضون وصايتهم عليهم؟؟

الثورة السورية قامت ضد نظام مجرم وظالم سانده مجرمون من أمثاله, لكنها قامت لتعيد قيادة البلاد لشعبها وأهلها عبر دولة مدنية ديموقراطية يؤول فيها الحكم للمدنيين بعيداً عن سلطة الديكتاتوريات العسكرية التي دمرت البلاد التي قادتها وسيطرت عليها, وليس لإقامة مشاريع القاعدة, أو إمارات عابرة للحدود لم ولن يُكتب لها النجاح يوماً, وستدفع أثمانها دماءً بمئات الآلاف وحروبا تندلع ولا تتوقف, ونظام الأسد خير من يستفيد من تلك المشاريع وتلك الأجندات, ولنتذكر جيداً أن العجوز الخرفة المستشارة السياسية لرأس النظام "بثينة شعبان" خرجت علينا منذ الأسبوع الأول للثورة لتتحدث عن إمارات إسلامية وعن القاعدة وعن عصابات, ليس لغباء منها إنما لإدراكها ونظامها أن حرف الثورة ووصمها بتلك الصفات سيمنع من انتصارها ويصبح عصياً على القائمين عليها الوصول لغاياتهم وأهدافهم وانتصار ثورتهم.

استفيقوا قبل فوات الأوان.

التعليقات (6)

    مراقب

    ·منذ سنتين 7 أشهر
    العمى بعيونك يارحال لوين وصل فيك الكذب والتلفيق

    HOPE

    ·منذ سنتين 7 أشهر
    اذكر خلال تلك الفتره من الانسحابات المشبوهه لتنظيم الجولاني(اي كان اسمه) ان العميد احمد ظهر اكثر من مره للتحذير من هذه الانسحابات وارتداداتها على الارض. كلام سيادة العميد صحيح ومن اراد التعليق يتوجب عليه التحلي بالحد الادنى من الادب . العميد احمد رحال دخل السجن لانه في يوم من الايام قال كلمة حق في وقت اصبحت كلمة الحق اغلى من الذهب ودفع ثمنها.

    منجد الباشا

    ·منذ سنتين 7 أشهر
    احسنت.. هو الواقع بعينه. وللاسف بات الرجال قلة فينا .فلا موقف واضح ولاصوت جريئ.. ولكن لابد ان يظهر بيننا اكثر من احمد رحال

    محمد العبدو

    ·منذ سنتين 7 أشهر
    والله كرهونا بالاسلام واصبحنا نحن لعباده هبل.

    عبد المولى ساهلي

    ·منذ سنتين 7 أشهر
    عنون دواراگرضنوزرو ايت زغار امينولاون ورزازات 0697135652

    عابر سبيل

    ·منذ سنتين 7 أشهر
    الله يرضى عليكم يا قناة اورينت خلكم بس واقعيين مشان ما تفقدوا مصداقيتكم اللي تعودنا عليها
6

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات