هيئة تحرير الشام بين الأمنيات والعقيدة والتضليل (1 من 2)

على مدار سنوات الثورة السورية بدّل فصيل (جبهة النصرة لأهل الشام) المنتمي أساساً للقاعدة اسمه عدة مرات طمعاً بتغيير الصورة البائسة التي رسمها أمام أعين السوريين من خلال قبضات سلاحه وفتاوى شرعييه والمغسولة عقولهم من تابعيه.

فالتنظيم الذي خرج على السوريين نهاية 2011 وبداية 2012 تحت مسمى "جبهة النصرة لأهل الشام", وتبنى معظم العمليات الإرهابية التي خططها ونفذها نظام الأسد لتشويه صورة الثورة السورية ووصمها بطابع الإرهاب, ثم ما لبث تنظيم جبهة النصرة بتاريخ 28 تموز/يوليو من عام 2016 أن أعلن فك ارتباطه بالقاعدة وغيّر اسمه ليصبح "جبهة فتح الشام", لتردّ عليه الولايات المتحدة الأمريكية عبر المتحدث باسم البيت الأبيض في حينها، جوش إرنست، أنه "ليس ثمة أي تغيير في نظرة " الولايات المتحدة تجاه "جبهة النصرة" في سوريا بعد إعلان الأخيرة فك ارتباطها عن تنظيم "القاعدة" وتغيير اسمها إلى "جبهة فتح الشام".

التنظيم الذي خرج على السوريين نهاية 2011 وبداية 2012 تحت مسمى "جبهة النصرة لأهل الشام"، تبنى معظم العمليات الإرهابية التي خططها ونفذها نظام الأسد لتشويه صورة الثورة السورية ووصمها بطابع الإرهاب

في 9 فبراير/شباط 2017 ألقى هاشم الشيخ (هو نفسه أبو جابر الشيخ الزعيم السابق واللاحق لحركة أحرار الشام الإسلامية التي تتمتع بوجود قوي لها على الساحة السورية في حينها والتي رفضت الانضمام إلى الكيان الجديد بسبب خلافات مع أمراء جبهة فتح الشام في شمال سوريا) خطاباً أعلن فيه اندماج أربعة فصائل سورية صغيرة وأطلقت على نفسها اسم "هيئة تحرير الشام" وأكد (جابر الشيخ) أن الكيان الجديد مستقل وليس امتداداً لأي تنظيمات أو فصائل سابقة, والفصائل التي أعلنت الاندماج وشكّلت "هيئة تحرير الشام"، هي بالإضافة إلى جبهة فتح الشام، كلّ من حركة نور الدين زنكي (واحدة من أبرز فصائل المعارضة في حلب, التهمتها هيئة تحرير الشام بعد انفصالها عنها)، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنة ومعقله في حمص وكذلك لواء الحق (الذي ينشط في مدن إدلب وحلب وحماة), وأشار البيان إلى أن الجماعات التي وافقت على الانضمام لهيئة تحرير الشام وافقت على حل نفسها تماماً و"الاندماج الكامل" في الكيان الجديد, ومن خلال إعادة ترتيب نفسها مجدداً وباسم مختلف وبمكونات جديدة، حاولت "جبهة فتح الشام" على ما يبدو أن تنأى بنفسها عن ارتباطها السابق بتنظيم القاعدة وتنخرط بصورة أكبر في الشأن السوري واختراق الثورة السورية.

وخلال سنوات الثورة كان السوريون يعانون من مشهدين منفصلين ومتناقضين كانت تنتهجهما هيئة تحرير الشام وأمراؤها وشرعيّوها.

فالهيئة التي أعلنت (إعلامياً) نصرتها لأهل الشام, هي نفسها من استلّت خناجرها لا لتطعن النظام وميليشيات إيران وحزب الله, بل ابتدأت بطعن فصائل الثورة المستقلة وفصائل الجيش الحر الواحد تلو الآخر, ابتدأت بفصيل جبهة ثوار سوريا انتقالاً لألوية الأنصار عبوراً نحو حركة حزم جارفة بطريقها نحو أكثر من 25 فصيلاً ثورياً شكّلوا بمرحلة ما رقماً صعباً وفاعلاً في قتال ميليشيات الأسد وحلفائه, ولتنفيذ تلك المهام مهدت لعملياتها العسكرية باتهامات وفتاوى باطلة وزائفة صمت عنها الجميع, وحتى الفصائل الإسلامية لم تسلم منها عندما هاجمت الهيئة أجنحة لـ"حركة أحرار الشام" كانت تتمركز في جبل شحشبو وحاصرتها واعتقلت عدداً منهم ثم صادرت السلاح الثقيل,  والسلاح الثقيل بشكل خاص شكل هدفاً هاماً للهيئة, ليس فقط لدى "حركة أحرار الشام" بل سرقت ونهبت معظم الأسلحة الثقيلة ومراكز التصنيع اليدوية ومعامل الإنتاج العسكري البدائية التي أوجدتها بعض فصائل الجيش الحر, ويمكن القول إن هيئة تحرير الشام سيطرت على ما نسبته 80% من السلاح الثقيل من الجيش الحر, وبالتالي شكلت حالة ضعف أثرت على بنية وقتال الجيش الحر لاحقاً, أما عن سبب تهاوي فصائل الجيش الحر وسرعة سيطرة الهيئة عليهم فيعود الأمر لسببين:

الأول: حالة الاختراق التي استطاعت هيئة تحرير الشام إتقانها عبر تدريبها الاستخباراتي المسبق من خلال زرع عملاء لها داخل قيادات ومفاصل بقية الفصائل كخلايا نائمة, وانتظار اللحظة المناسبة لتنشيطهم وضرب البنية الداخلية, وخلق حالة إرباك وضعف، ما يسهّل الهجوم الخارجي الذي كانت تدفع به الهيئة وبشكل كثيف عبر أرتال عسكرية لم تُشاهد على جبهات قتال النظام.

الثاني: التعامل المنفرد والمستقل لفصائل الجيش الحر مع تعدّيات هيئة تحرير الشام, والتزام بقية الفصائل للحياد (خوفاً من جعلهم هدفاً لهيئة تحرير الشام عند مناصرة الفصيل المهاجَم) عندما تقوم الهيئة باستئصال أو التهام فصيل آخر بنوع من الجبن أو اللامسؤولية، ما سهّل للهيئة تنفيذ كامل عملياتها بنجاح, وللعلم فإن جزءاً من مهام استئصال الفصائل تم بأوامر خارجية أوكلت للهيئة مهام تنفيذها.

الهيئة التي أعلنت (إعلامياً) نصرتها لأهل الشام, هي نفسها من استلّت خناجرها لا لتطعن النظام وميليشيات إيران وحزب الله, بل ابتدأت بطعن فصائل الثورة المستقلة وفصائل الجيش الحر الواحد تلو الآخر, ابتدأت بفصيل جبهة ثوار سوريا، عبوراً نحو حركة حزم جارفة بطريقها نحو أكثر من 25 فصيلاً ثورياً شكّلوا بمرحلة ما رقماً صعباً وفاعلاً في قتال ميليشيات الأسد

وإمعاناً من الهيئة وبعدم اكتراث من الولايات المتحدة الأمريكية قامت هيئة تحرير الشام باعتقال كامل أعضاء الفرقة 30 التابعة للجيش الحر والتي درّبتها الولايات المتحدة الأمريكية على الأراضي التركية, وبالرغم من تعدادهم القليل الذي لا يتجاوز العشرات فقد دفع بهم التحالف الدولي للداخل السوري وبعمق مناطق نفوذ هيئة تحرير الشام التي قامت باعتقال قائد الفرقة العقيد نديم الحسن ومعه بعض الضباط والعشرات من عناصره وصادرت معداتهم وأسلحتهم وزجّت بهم في معتقلاتها السرية ولم يعلم أحد عنهم شيئاً بعد ذلك. 

ولم يسلم من تجاوزات وتعدّيات هيئة تحرير الشام حتى الناشطون الثوريون والضباط المنشقّون عندما أسبغت عليهم بداية صفة "البعثيين" ثم ألحقتها بفتوى ألصقتها بالضباط وهي "الكفر والردّة", فكانوا أهدافاً للهيئة على اعتبار أن عقيدة تنظيمات القاعدة (هيئة تحرير الشام وتنظيم الدولة الإسلامية) تعتبر أن قتال المرتد يُقدّم على قتال الكافر وباعتبار أن الضباط المنشقّين "مرتدون" والنظام "كافر" فالأولى قتال وقتل الضباط المنشقين أولاً), أما تُهم من تودّ اعتقالهم فهي جاهزة كما هو ديدن أفرع مخابرات الأسد, من تهمة التخابر مع التحالف إلى تهمة التخابر مع قسد إلى تهم شرعية (كفرة, مرتدين, عدم دفع الزكاة, .... وغيرها من تهم), وأحياناً تلقي بكل تلك التهم على شخص واحد كما تفعل اليوم عندما حكمت بالإعدام على أحد مقاتلي الجيش الحر ابن مدينة معرة النعمان "حسن الشيخ" المعتقل لدى هيئة تحرير الشام منذ أكثر من 15 شهراً, والذي قارع النظام فاتهمته بالعمالة للتحالف الدولي ونقل عن أحد أمراء الهيئة صدور قرار بإعدامه, دون منحه الحق بتوكيل محامٍ للدفاع عنه كحق شخصي تكفله كل القوانين والشرائع السماوية, وأمام ضغط وسائل التواصل الاجتماعي عادت الهيئة لتغير التهمة الموجهة له من التخابر مع التحالف إلى التعامل مع "قسد" وأنكرت صدور حكم بحقه حتى الآن.

لم يسلم من تجاوزات وتعدّيات هيئة تحرير الشام حتى الناشطون الثوريون والضباط المنشقّون عندما أسبغت عليهم بداية صفة "البعثيين" ثم ألحقتها بفتوى ألصقتها بالضباط وهي "الكفر والردّة

علم الثورة الذي يَعتدّ ويعتز به جمهور الثورة السورية باعتباره علامة فارقة لمن انضم للثورة ومن بقي لدى النظام, ودُفعت أثمان غالية من قِبل من رفعَه عبر دماء الشهداء وعذابات المهجرين والمرحّلين والجرحى والمصابين والمشرّدين, ورفعته فصائل الجيش الحر على مقراتها وزيّنت به صدور ثوارها وطاولات ومكاتب قادتها من سياسيين وعسكريين, أصبح هذا العلم تهمة بحد ذاته تقود الثائر أو المقاتل للسجن إذا ما حمله, نتيجة الحقد الذي حمله أمراء وشرعيو الهيئة للثورة وعلم الثورة, فوجدناهم في لحظة ما يجبرون الناشط هادي العبدالله وكامل طاقم راديو "فريش" في بلدة "كفرنبل" على فرد علم الثورة على مدخل مكتب "راديو فرش" ودفعه مع كامل طاقم المحطة للدعس على علم الثورة أثناء اعتقالهم وإخراجهم من مقر بث المحطة نحو الخارج, ليرتكبوا جريمتين بوقت واحد, جريمة إغلاق واعتقال طاقم راديو ثوري داعم للثورة وناطق باسمها, وجريمة دعس علم الثورة، والأمثلة على موضوع اعتقال من يرفع علم الثورة كثيرة وموصوفة ومتعددة.

جريمة إغلاق واعتقال طاقم راديو ثوري داعم للثورة وناطق باسمها, وجريمة دعس علم الثورة، والأمثلة على موضوع اعتقال من يرفع علم الثورة كثيرة وموصوفة ومتعددة.

في موضوع القتال على الجبهات وخذلان هيئة تحرير الشام لفصائل الجيش الحر فحدّث ولا حرج, فقد أصبحت الفصائل الموجودة على الجبهات على علم كامل, أنه مع بدء المعركة تكون هناك عربة مفخخة يقودها أحد الشباب السوريين المنتمين للهيئة تدفع به للاستشهاد ومن ثم ينسحب باقي عناصر الهيئة عن الجبهات وعن الخطوط الأولى ودون أي تنسيق أو إعلام لبقية الفصائل, تاركة فصائل الجيش الحر فريسة لميليشيات أسد وإيران بعد أن خذلتها قتالياً وسرقت منها سلاحها الثقيل, ثم عبر الانسحاب المفاجئ وغير المنسق تكون قد كشفت مجنباتها وأوجدت ثغرات في بنية دفاع فصائل الجيش الحر وقطاعات انتشارها وأقواس النيران لديها.

يتبع... الجزء الثاني غدا