السوريون يشربون سوء الطالع ونظامهم ينعم بحظ البغايا

السوريون يشربون سوء الطالع ونظامهم ينعم بحظ البغايا
يوشك النظام السوري على الانهيار السياسي المدوّي، وتشظية البلاد إلى فيدراليات، تحمل كل واحدة منها ذاكرتها الاجتماعية السياسية الخاصة، ومأزقية علاقتها مع النظام المركزي في تحولاته من دولة الحزب الواحد، إلى دولة الطغمة الأوليغارشية. ومن التزيّن بمستحضرات تجميليّة تحمل شعار الاقتصاد الاشتراكي، إلى التزيّن لاحقاً بمساحيق تجميل من ماركة اقتصاد السوق (الاجتماعي).

والسوريون حين داهمهم سوء الطالع منذ ستينات القرن الماضي، لم يكونوا متيقنين بأنهم سيغدون رعايا دولة بوليسية فاشلة، ومنبوذة، وسيغدون معها منبوذين، يحملون أسوأ وأغلى جواز سفر عرفه التاريخ، ذاك الذي بفضله سيقفل العالم كله أبوابه أمامهم، ولأن السوريين سيحملون وزر نظامهم المنبوذ، فلن يتمكن منتخبهم الكروي من تأمين مباراة وديّة واحدة قبل تصفيات كأس العالم 2022، قبل أن يرضى المنتخب الجزائري بذلك.

السوريون حين داهمهم سوء الطالع منذ ستينات القرن الماضي، لم يكونوا متيقنين بأنهم سيغدون رعايا دولة بوليسية فاشلة، ومنبوذة، وسيغدون معها منبوذين، يحملون أسوأ وأغلى جواز سفر عرفه التاريخ

المجتمع المنهوب، قبل تصفيته

يسترخي النظام السوري فوق أزماته بلا اكتراث، وهي أزماتٌ عميقة لا قاع لها، ولا حدود. يعلم أن الإفلاس قد توغل به متجاوزاً ناصية العلاج، وصار جزءاً من تكوينه، وأركانه المتصدّعة، لذا لا يجد ضيراً من "السطو" على جيوب الناس، ليس بفعل التفكير الريعي، وإنما بسبب انتفاء الأخلاق عن الطغمة الحاكمة التي تدير الاقتصاد المتهالك، وقنوات جباية الريع الطفيلي، من خلال مغامرات ضريبية تتطابق أحياناً مع سلوك "السلب بالقهر" الذي روّجه النظام بحق سكان المناطق الثائرة عليه، فأباح سرقة ممتلكاتهم من عقارات وأثاث منزلي، وشجّع أزلامَه على اقتراف ذلك.

 وليست الضريبة على "النكول" أي التراجع عن عملية البيع العقاري (تقدر بنحو 1% من القيمة الفعلية للعقار) سوى مثال على  شرعنة "السطو"، وهذه سفالةٌ لم يسبقه عليها نظام ديكتاتوري من قبل، لا في جمهوريات الموز، ولا في غيرها من أنظمة الأوليغارشيات العسكرية، أي سيدفع الناس ضريبةً على بيع العقار حتى لو لم يتم هذا البيع فعلياً لسبب من الأسباب؟! 

مؤخراً قذف نظام دمشق ضريبة التصريح عن الهواتف الخلوية بوجوه الناس، والتي تصل أحياناً إلى قيم تساوي أثمان تلك الأجهزة، فهي تتطابق في اشتقاقها مع خلاصة "التشليح" الذي تمارسه حواجز النظام على بضائع وممتلكات الأشخاص حين يعبرونها (حواجز الفرقة الرابعة مثال على ذلك). وقبلها ألزم القادمين إلى "الوطن السعيد" تصريف مئة دولار بالسعر الرسمي للصرف، والذي يقل عن سعر السوق بنحو الضعف، وفي هذا امتدادٌ أيضاً لهواجس "التشليح" على الحواجز، إحدى وصفات نهب الناس خلال الحرب، قبل أن يخجل النظام من نفسه، ويستثني شرائح قليلة من مفاعيل هذا "التشليح" المتستر بالقانون.   

        قذف نظام دمشق ضريبة التصريح عن الهواتف الخلوية بوجوه الناس، والتي تصل أحياناً إلى قيم تساوي أثمان تلك الأجهزة، فهي تتطابق في اشتقاقها مع خلاصة "التشليح" الذي تمارسه حواجز النظام على بضائع وممتلكات الأشخاص حين يعبرونها

كما إن النظام استساغ مؤخراً أن يبطل مفاعيل الإعفاء الجمركي عن الأمتعة الشخصية والأدوات والأثاث المنزلي التي يحضرها القادمون معهم بغرض الإقامة الدائمة، بحيث بات لزاماً على السوريين عاثري الحظ الذين زلّت أقدامهم في مطار دمشق، أو على عتبات المعابر الحدودية، وقرروا العودة، أن يدفعوا رسوماً جمركية على أي مقتنيات شخصية اصطحبوها معهم إلى تراب "الوطن السعيد".

ليس كل ذلك بفعل استفحال الإفلاس، وتجذّره في المعطيات الشحيحة لإيرادات الخزينة العامة للنظام، بل هو صدًى لممارسات الطغمة الحاكمة وصاحبة القرار، حين تذوقت نعيم اقتصاد الحرب من تجارة أسلحة ومخدرات ومحروقات ومسروقات وسطو وتشليح وتشبيح، وهذا اقتصاد ظل لا يرفد الخزينة العامة بشيء، بل يجامل جيوب الناهبين، من مرتزقة جدد قدّموا الولاء لنظام القتل والتدمير والتهجير، ونالوا بركة تذوق مكاسبَ لم يعهدها أحدٌ قبل عام 2011، وبها يتحقق ثراء فاحش وسريع على حساب اندثار القوى المجتمعية، وتحولها إلى هلامٍ عديم النفع. 

النظام السوري السعيد، وهو يطفو فوق مستنقع البلاد التي أهلكها وسكانها في عشر سنوات، لا يعنيه أن تصل نسبة التضخم إلى مستوًى كارثي، فقد وصل الرقم القياسي لأسعار المستهلك إلى أكثر من 2100 بالمئة مقارنةً مع عام 2010 بحسب المكتب المركزي للإحصاء. بينما تقدّر الأمم المتحدة خسائر الاقتصاد السوري بأكثر من 440 مليار دولار خلال السنوات الماضية، من بينها 90 مليار دولار خسائر قطاع النفط.

 النظام السوري السعيد، وهو يطفو فوق مستنقع البلاد التي أهلكها وسكانها في عشر سنوات، لا يعنيه أن تصل نسبة التضخم إلى مستوًى كارثي، فقد وصل الرقم القياسي لأسعار المستهلك إلى أكثر من 2100 بالمئة مقارنةً مع عام 2010 بحسب المكتب المركزي للإحصاء.

وصفة الفيدراليات على نار هادئة؟!

الانعطافُ باتجاه حجم الدمار وضحاياه في سوريا، أمرٌ مرعب. يكفي أن نستشفَّ من خلال بعض التقديرات الأولية الحاجة إلى تريليون دولار كي يعود الاقتصاد السوري إلى ما كان عليه قبل عام 2011، وهذا يحتاج نظاماً سياسياً غير هذه القماءة القائمة على الأرض، ووفقاً لتقديرات المركز السوري للأبحاث السياسية فإن عدد ضحايا الحرب في سوريا يتراوح ما بين 350 ألف إلى 500 ألف شخص خلال الأعوام السبعة الأولى على بدء الثورة السورية.  

وبعد التصعيد العسكري الأخير في درعا، صار فرارُ الجغرافيا - وليس الناس فحسب - من هذا النظام أمراً وارداً ومبرراً في آن، وهذا ما ذهب إليه بيان أصدرته "مجموعة من القوى الثورية في حوران" دعت من خلاله إلى اللامركزية كحل مؤقت، يعطي المناطق صلاحيات إدارية واسعة، ويمنح المجتمعات السورية الفرصة في إدارة نفسها ضمن نظام حكم ديمقراطي لا مركزي، حتى تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 الذي يقضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي واسعة الصلاحيات تقود إلى الانتقال السلمي للسلطة.

قبل هذا، وحين أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية أواخر عام 2016 أن الصراع في سوريا ليس من أولويات الولايات المتحدة، كان على السوريين أن يبتهجوا لاستمرار جلوسهم إلى مأدبة سوء الطالع التي يولمُها لهم عتاةُ الطهاة في العالم. وحين ألّف الصحافي البريطاني "آلان جورج" كتابه المعروف "سوريا: لا خبز ولا حرية" مطلع العقد الماضي، وختمه بالخلاصة التالية: "حتى الآن لم يستطع حكم البعث في سوريا – سواءً في عهد حافظ الأسد أو ابنه – أن يوفر للشعب السوري الخبز أو الحرية. 

في المستقبل يمكن لهذا النظام أن يقدّم بعض الخبر وشيئاً من الحرية، ولكن ما يدعو للحزن أن هذا النظام، وإن لم يقدّم شيئاً يذكر، فإن لديه الإمكانية في الاستمرار. وإذا ما استطاع نظام كنظام كوريا الشمالية أن يستمر، وكذا الحال امبراطورية جورج أورويل 1984 من المطاولة لعقود، فلماذا لا تكون سوريا جزءًا من هذه القاعدة" 

توجّب على السوريين منذ ذاك الوقت أن يحتاطوا من تدابير القدر لهم بسوء طالعه عليهم، وصلافته التي لا تحتمل، وكأن هذا النظام الذي ابتلاهم به التاريخ مرضٌ خبيث لا شفاء منه، أو إن الشفاء منه حلمٌ مكلف للغاية. 

التعليقات (2)

    فضل

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    صعوبة التخلص من النظام تتناسب طردت مع صعوبة توحد غالبية الشعب السوري( الغالبيه والغالبيه فقط)

    جلجامش بن اوروك

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    لو ان الملايين ممن يسمون انفسهم رجالا هبوا ضد بشار مابقي هذا النظام . تحية للقلة التي قاتلت النظام ولم تكن نصرة ولاداعش ولا فسد ولا كل القذارات التي تلقت الاموال من الخارج لتدمير الثوره. اما الاكثرية فاقول لهم استمروا بالانجاب.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات