من قلب درعا.. أورينت تروي قصة شهرين من الحصار

من قلب درعا.. أورينت تروي قصة شهرين من الحصار
يوشك حصار أحياء درعا البلد، طريق السد، المخيم، على إتمام الشهرين. وهو الحصار الأشد منذ بداية الثورة. ينتهج نظام أسد فيه الترويع والتجويع والإذلال للأهالي بشكل صريح ومُعلن، ويتعمّد فيه إطالة عمر الحصار لعل وعسى أن يحقّق انقسام الحاضنة الشعبية للثوار، وتخلّي الأهالي عن الكرامة مقابل حياتهم، والضغط على لجنة المفاوضات للقبول بشروط النظام المُجحفة.

انتقام وإهانة صريحة للأهالي

بعد رفض محافظة درعا كاملة لمسرحية الانتخابات وشقها لعصا الطاعة، لجأ النظام إلى الانتقام من المحافظة بتدمير نواة الثورة فيها وما تحمله من رمزية معنوية لكافة معارضي سوريا "درعا البلد"، وبدأ الأمر بإغلاقه جميع المنافذ المحيطة بأحياء درعا البلد، طريق السد والمخيم، باستثناء طريق "سجنة"، ففي الوقت الذي كانت فيه المسافة الفاصلة بين هذه الأحياء وحي المحطة لا تتجاوز عشر دقائق في حال مرورهم من حاجز السرايا، أصبح الطريق إلى حي المحطة يستغرق حوالي 40 دقيقة، بالإضافة إلى أسعار باهظة للمواصلات تصل إلى 900 ليرة في النقل العام، و10 آلاف للسيارات الخاصة. 

كما ثبّت النظام نقاطاً عسكرية على مدخل طريق سجنة بقيادة المدعو "الكسم" الذي ينحدر من درعا البلد ويعمل حالياً مع الأمن العسكري، لاستفزاز مشاعر أهل درعا البلد والنَّيل من المطلوبين. وتسبب هذا الحصار برفع أسعار المواد الغذائية والأدوية إلى أضعافها بسبب صعوبة تأمينها وطول الطريق، حيث وصل سعر ربطة الخبز السياحي إلى 5000 ليرة سورية، في الوقت الذي تُباع فيه في المحطة بألف ليرة فقط. وبعد التصعيد العسكري الأخير، قام النظام بفتح حاجز السرايا لتسهيل عبور النازحين والاتجار بأرواحهم، حيث كان يتعيّن على من يريد إخراج بعض المتاع من منزله دفع مبالغ مالية لعناصر الحاجز، ولاحقاً بعد إغلاق الحاجز أصبح الدخول والخروج منه بمبالغ مالية فقط وبطريقة مُذلّة للغاية، بعد أن قام النظام برفع ساتر ترابي يجب على كل من يريد الخروج تسلّقه، ما دفع الأهالي إلى تسميته ساخرين "معبر رفح".

ولم يسلم حتى الناجون من بطش النظام، حيث تم تسجيل عدة حالات قام فيها عناصر النظام بالاعتداء بالضرب على نازحين من حي درعا البلد، كما قام عناصر النظام بحملات دهم واعتقال في أحياء درعا المحطة (حي البانوراما والكاشف وشمال الخط) المتاخمة لدرعا البلد، وذلك للبحث عن نازحين من الأحياء المحاصرة، وتم تسجيل حالات اعتقال بحق البعض منهم.

ولم ينحصر الانتقام على ذلك، بل تطور الأمر إلى قصف وتدمير الجوامع بكل ما تحمله من أهمية معنوية للسكان، وحتى الآن تم استهداف جامع في حي طريق السد وآخر في درعا البلد.

وتشهد الأحياء المحاصرة قصفاً بقذائف الهاون ورشاشات الشيلكا بشكل يومي، على الرغم من التعهد الروسي بالتهدئة والهدنة إلى حين الاتفاق على حلّ.

كارثة إنسانية موشكة

إن استمرار الحصار لمدة أطول سيدمّر ما بقي من رمق في هذه الأحياء المحاصرة. حيث استهدف النظام مستوصف درعا البلد وأخرجه عن الخدمة، وهو النقطة الطبية الوحيدة الموجودة في المنطقة، إضافة إلى النقص الكبير في المعدات الطبية والأدوية ولا سيما أدوية الأمراض المُزمنة (سكّري، ضغط ...)، فنحن أمام كارثة إنسانية، في الوقت الذي يتم فيه إسعاف الجرحى بأبسط المعدات المتوفرة، ويتم توليد النساء في المنازل دون أي رعاية طبية لازمة للأطفال، أو توفر للحليب. 

ووصلت حرب النظام إلى لقمة العيش، فمنذ اليوم الأول في التصعيد العسكري قام النظام بقطع التيار الكهربائي والماء عن الأحياء المحاصرة، في مشهد يعيد للأذهان الاجتياح العسكري الأول لمحافظة درعا في نيسان 2011، بفارق بسيط أن الاجتياح الأول سمح للنساء بساعتي تجوال لتأمين احتياجات المنزل من بقاليات معينة تم السماح لها بالبيع، أما اليوم فالحصار مطبق ولا يُسمح بإدخال أي مواد، حتى إن النظام قام بمنع إدخال مساعدات برنامج الغذاء العالمي إلى الأحياء المحاصرة، وامتنع عن تقديم مادة الديزل والطحين للفرن الوحيد في المنطقة، وجاء قطع التيار الكهربائي كقطع لشريان الحياة في الوقت الذي يعاني فيه السكان من شح الغاز وغلاء المحروقات، الأمر الذي يُشكل عبئاً بالفعل على السكان، حيث إن الغاز المدعوم شحيح ويتم توزيعه كل ثلاثة أشهر مرة واحدة، والغاز الحر يصل سعر عبوته إلى 100 ألف ليرة سورية، ولا يوجد حلول بديلة في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار الحطب باعتبار أنه موسم شراء الحطب والتحضير للشتاء. 

ويأتي ذلك في ظل انعدام مصدر طاقة للطهو، وتلف المواد التموينية التي يتم حفظها في الثلاجات، بالإضافة إلى أن مصادر الغذاء شارفت على الانتهاء بعد حصار دام حوالي الشهرين، وفي هذا الوقت من السنة تحديداً الذي يقوم فيه الأهالي بالتخزين والتموين، فنحن أمام أزمة غذاء حقيقية.

مفاوضات متعثرة وأفق غير واضح

طوال فترة الحصار الماضية لم يتقيّد النظام بأي من تعهّداته بوقف الحملة العسكرية على الأحياء المحاصرة، ولا حتى بفتح حاجز السرايا الذي يصل هذه الأحياء بحي المحطة، وهو الأمر الذي تمسكت به لجنة المفاوضات الممثّلة لحوران، والذي وعدت بتنفيذه روسيا، وبالفعل قام الروس بالإشراف على فتح الحاجز لفترة بسيطة تم من خلالها إجلاء بعض النساء إلى مراكز الإيواء في حي المحطة أمام الكاميرات، مع تسجيل أسماء جميع المغادرين وتوقيعهم على تعهد بعدم العودة إلى الأحياء المحاصرة، ثم عاود عناصر النظام إغلاق الحاجز عند مغادرة الروس. 

وفي الوقت الذي تشهد فيه حوران توتراً في عدة مناطق، وهجمات من الثوار على عدة نقاط أمنية في الريفين الشرقي والغربي لتخفيف الضغط عن درعا البلد، يستمر النظام باستقدام تعزيزات عسكرية إلى درعا، وإطباق حصاره أكثر فأكثر على هذه الأحياء. 

وتشهد المناطق المحاصرة تصعيداً متزايداً يومياً، واشتباكات على عدة محاور يومياً، في محاولة من ثوار درعا البلد التصدي لمحاولات الاقتحام التي ينفذها النظام بعد تعثر المفاوضات كوسيلة ضغط للرضوخ والقبول بخارطة الطريق التي قدّمها الروس. حيث لم تتضمن المفاوضات أيّاً من الشروط التي تضمن سلامة وكرامة الأهالي، في رسالة مُعلنة للقتل ومسح الرمزية التي تملكها درعا في الثورة، فبعد استمرار الحصار لحوالي الشهرين، لم يأت الروس على ذكر فك الحصار أو سحب الميليشيات الإيرانية وعودة الجيش إلى ثكناته أو إدخال مساعدات غذائية أو طبية لهذه المناطق المحاصرة، والأهم من كل ذلك لم يذكر الروس المطلب الأول لأهالي درعا منذ اتفاقية التسويات عام 2018، وهو إطلاق سراح المعتقلين. ولم يستطع الروس أيضاً تنفيذ وعودهم بالهدنة وإيقاف الحملة العسكرية على الأحياء المحاصرة وفتح ممر إنساني. وتحدثت بعض التسريبات عن مقترح جديد يقضي بتسليم الأهالي كميات من السلاح مقابل ضم مجموعات من المقاتلين مع سلاحهم الخفيف للفيلق الخامس الذي ترعاه روسيا بقيادة أحمد العودة. ويأتي هذا المقترح في محاولة لحل البند الأكثر جدلاً وظلماً للأهالي، حيث لقي تسليم السلاح رفضاً شعبياً واسعاً لعدم وجود ضمانات مستقبلية بعدم تعرض النظام لهم، ولا سيما بعد انقلاب النظام والروس معاً على اتفاقية التسوية عام 2018، ما يؤكد للأهالي أن لا ضامن لهم سوى السلاح.

وإلى اليوم لم تتبلور صورة واضحة لمستقبل حوران، على الرغم من أن الأهداف واضحة جلية، وعلى الرغم من جميع محاولات النظام لتفريغ المنطقة من شبابها سواء إلى المعتقل أو بتهجيرهم إلى الشمال السوري، لنسف أي نواة ثورة مستقبلية، في المنطقة الوحيدة التي لم تخضع للنظام واستمرت فيها المظاهرات حتى بعد اتفاقية التسوية عام 2018.

التعليقات (3)

    Yosef

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    كنا عايشين لماذا لم يسمع الدرعاوية. مناشدة أطفال سوريا سوريا لم تنسى صوت أطفالها كنا عايشين

    Ayman

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    البلاد تحتاج الراحة من البلطجة و المصالحة هي خيار مطروح

    Read

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    هناك تعدي على موظفين . من جماعة الفوضى. ولكن البلاد لن تسامح.
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات