أفغانستان ترتدي البرقع من جديد

أفغانستان ترتدي البرقع من جديد
بعد استسلام حكومة كابل، وهروب الرئيس أشرف غني، محملاً بأمواله وجواهره وسياراته الفاخرة، تاركاً مرؤوسيه وموظفيه وأنصاره في أوضاع لا يحسدون عليها، وإعلان ثاني أعلى قائد طالباني "سنأتي إلى كابول فاتحين"، مؤكداً فعلياً استلام مقاليد الحكم في أفغانستان، أصدرت الحركة عفواً عاماً، ومنحت الأجانب خيار المغادرة أو الإقامة في البلاد من أجل تحسين صورتها، مصرحة برغبتها في التغيير السلمي للسلطة، واحترامها للمعتقدات الدينية والقيم الروحية للجميع، وانفتاحها على النقد... إضافة إلى مطالبتها وسائل الإعلام بالحيادية، وسعيها جاهدة للبحث عن مزيد من الاعتراف الدولي، كونها لا تريد أن تصبح "دولة مارقة" مرة أخرى. 

يقوم "الطالبان" (الطلاب) بتقمص دور الحكام الجدد، محاولين إقناع الأفغان بأنهم أسياد غير سيئين، وتقديم أنفسهم في دور المهتمين بالناس ومصائرهم.. في إحدى البلدات الشمالية الصغيرة التي احتلوها، خاطب قائدهم السكان المحليين قائلاً:  "لا شيء يهدد حياتكم". وطُلب من المسؤولين السابقين في منطقة أخرى، مواصلة العمل كما كان من قبل. وفي بعض الأماكن تابعوا إصلاح شبكة الكهرباء وأشرفوا على إزالة القمامة.

يقوم "الطالبان" (الطلاب) بتقمص دور الحكام الجدد، محاولين إقناع الأفغان بأنهم أسياد غير سيئين، وتقديم أنفسهم في دور المهتمين بالناس ومصائرهم.

قال عضو مجلس شورى طالبان سراج الدين حقاني (ابن الشيخ جلال الدين حقاني وقائد شبكة تحمل نفس الكنية)، الذي اعترف يوماً بالتخطيط لهجوم إرهابي ضد "فندق سيرينا" في كابول ومحاولة اغتيال الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي (نيسان/أبريل 2008)، في خطاب ألقاه مؤخراً: "هذه فترة مهمة بالنسبة لنا. ما نقوم به الآن يتم مراقبته عن كثب". وأضاف: "يتعين علينا معاملة السكان المدنيين معاملة حسنة".. هذا يعكس الاستراتيجية الجديدة للحركة المتمثلة في العمل على جذب قطاعات واسعة من السكان إلى جانبها عن طريق استخدام القوة الناعمة. أضف ذلك إلى أن الحركة تتمتع، في الواقع، بخبرة إدارية لا بأس بها، فقد حكمت لسنوات عديدة بشكل غير رسمي جزءاً كبيراً من أفغانستان، وخلقت هناك هياكل سلطوية موازية: حكام ظل، محاكم شرعية، جباة الزكاة، اقتصاد يعتمد بشكل كبير على تجارة المخدرات.

تحدث قادة "طالبان" مؤخراً عن تأسيس نظام سياسي أكثر انفتاحاً تشارك فيه جمع فئات الشعب. ربما سيكون حكمهم الحالي أكثر ليبرالية مقارنة مع حكمهم الأصولي نهاية تسعينات القرن الماضي، إذ لا يمكن إهمال دعم السكان، وتقديم بعض التنازلات، فيما يتعلق بحقوق المرأة على سبيل المثال!

يتعهد الطالبان، في الوقت الحالي، بمنح المرأة حقوقها التي منحتها لها الشريعة والقانون، بحيث ستكون قادرة على "خدمة المجتمع في التعليم والأعمال والطب، مع مراعاة قواعد ارتداء الحجاب". بالإضافة إلى حقها في اختيار زوجها أيضاً وعدم الخضوع لآراء أولياء الأمور. 

هل تطورت طالبان بالفعل خلال العشرين عاماً الماضية؟

عندما استولت "حركة طالبان" على السلطة في أفغانستان عام 1996، حُرمت النساء من الحقوق الأساسية، وكانت حياتهن عبارة عن محظورات مستمرة: لم يُسمح لهن بارتداء ملابس زاهية، أو التبرج، أو الخروج إلى الشوارع دون مرافقة رجال من المحارم، وحتى تلقي التعليم... لم يسمح للنساء ليس فقط الذهاب إلى العمل أو المدرسة أو الجامعة، وإنما إلى البازار للتسوق أيضاً. تم منع الموسيقى وإغلاق صالونات التجميل، وراقبت الشرطة الشرعية باستمرار احترام القواعد الصارمة... 

على الرغم من أن "حركة طالبان" قد منعت النساء من العمل خارج المنزل عندما استولت على السلطة، إلا أنها سمحت لهن بالعمل في زراعة وحصاد خشخاش الأفيون - أحد أهم مصادر دخلها!

إن كراهية الحركة وخوفها من النساء حقيقة معروفة لا جدال فيها. يبدو أنهم مقتنعون تماماً بالفساد المتأصل في جميع النساء، دون استثناء. لذا فإن السبيل الوحيد للمسلم المتدين - حسب رأيهم - هو حبسها في المنزل وتغطيتها كلياً بالبرقع الأزرق المميز للنساء هناك، لتجنب الوقوع في فِخاخ الشيطان الخبيثة. 

إن كراهية الحركة وخوفها من النساء حقيقة معروفة لا جدال فيها. يبدو أنهم مقتنعون تماماً بالفساد المتأصل في جميع النساء، دون استثناء. لذا فإن السبيل الوحيد للمسلم المتدين - حسب رأيهم - هو حبسها في المنزل وتغطيتها كلياً بالبرقع الأزرق

ابتكر الملالي باستمرار محظورات جديدة: أمروا مرة الجميع بطلاء زجاج نوافذ البيوت باللون الأسود، حتى لا يمكن لمظهر الرجال غير المحتشم أن يسيء إلى النساء داخلها. تنظر طالبان إلى جميع النساء العاملات في أحسن الأحوال على أنهن "عاهرات"، وفي أسوأ الأحوال "خادمات للشيطان". إذا وجدت امرأة مذنبة بانتهاك عهود الزواج، يتم إرسال دورية لجلبها مباشرة إلى مكان الإعدام. وبما أن "المقاتلين في سبيل الله" ممنوعون من لمس النساء الأخريات، فإنهم يجبرون أقارب المرأة المحكومة بالموت على ربطها وتحميلها على عربة، ثم نقلها وإعدامها. في إحدى المرات رجمت شابة بالحجارة، يشتبه بارتكابها زنا في كابول، من قبل زوجها وأولادها! 

قامت طالبان بضرب العاملات في المنظمات الدولية الأجنبية والصليب والهلال الأحمرين بوحشية مراراً وتكراراً، واللاتي لم يكن لديهن الوقت الكافي للاختباء عند ظهور أفراد من شرطة طالبان. ألا يذكرنا هذا بما قاله الشيخ أسامة الرفاعي في إحدى خطب الجمعة بمسجد اعزاز: "معركتنا معركة وعي.. معركة ضد منظمات الأمم المتحدة التي تسعى لاستهداف والنيل من أسرنا عبر شبابنا وبناتنا أبناء جلدتنا الذين أصبحوا مجندين من قبلها لنشر الأفكار الشاذة ضمن المجتمع"!

وهناك حالات معروفة قامت فيها طالبان بإجبار النساء اللاتي كن في طريقهن لحضور حفل زفاف وملفوفات بالحجاب على إظهار أصابعهن، والتهديد بقطعها إذا تجرأن على وضع طلاء للأظافر.

ومع ذلك، هذا لا يعني أن المحظورات تم الالتزام بها تماماً. ففي بعض الأماكن، مثل كابول، كان الوضع أكثر صرامة. أما في بعض المناطق الريفية، فقد استمرت مدارس الفتيات في الوجود. حتى إن بعض مسؤولي طالبان أرسلوا بناتهم إلى هناك، دون علم الشرطة المختصة.

بدأت طالبان في تخفيف القيود بالمناطق التي ظلت تحت سيطرتها، فقد تم رفع الحظر عن تعليم الفتيات والنساء: تم إدراج موضوع تعليم المرأة في مسودة الدستور التي وضعوها؛ وإن كان ذلك مع تحفظات ترتبط بأحكام الشريعة. كانت المواقف تجاه هذه القضايا متباينة داخل صفوف الحركة نفسها، فقد أيد بعض القادة تعليم النساء، لكنهم حاولوا عدم الإعلان عن ذلك، حتى لا يثير استياء أمراء الحرب الأكثر شدة وتطرفاً. 

بشكل عام، لم يتغير موقف الجماعة تجاه النساء إلا قليلاً: حتى مع الاعتراف بالحق في التعليم، يرفض المتشددون ضمانه بحجة "الظروف غير الملائمة". يُسمح للفتيات بالذهاب إلى المدارس والجامعات في بعض مناطق ولاية قندوز الشمالية، بينما على العكس من ذلك، يُحظر تعليم الفتيات عموماً في مقاطعة هلمند الجنوبية! 

منع المسلحون النساء من مغادرة منازلهن في بعض المناطق، بينما لا يزال يُسمح لهن بالعمل في مناطق أخرى. طالبت حركة طالبان السكان المحليين بارتداء البرقع في إحدى مناطق ولاية وردك بوسط البلاد، لكنهم لم يهتموا كثيراً بطريقة الارتداء. 

غادرت بعض الأفغانيات المناطق التي احتلتها طالبان، وانضمت أخريات إلى وحدات الدفاع عن النفس - ظهرت مثل هذه الوحدات مؤخراً في شمال ووسط البلاد - لكن المتشددين حاولوا تجاهل القضية. لذلك، وبعد مظاهرة نسائية في محافظة غور وسط البلاد، شاركت فيها مسلحات وردّدن هتافات مناهضة لطالبان، أشار ممثل الجماعة إلى أن "النساء لا يعرفن كيف يقاتلن". ومع ذلك، فقد شاركت النساء سابقاً في معارك ضد طالبان، لاسيما في مقاطعة جوزجان الشمالية، عندما ساعدن أزواجهن في الدفاع عن مركز للشرطة. كذلك خدمت أخريات رسمياً في الجيش الأفغاني!

طالبان شعبويون إلى حد ما، ومثل أي شعبويين، يعرفون الإجابة التي يريد الآخرون أن يسمعوها منهم. لذلك، تعلموا الاستجابة بشكل مناسب للطلبات الخارجية. ومن وجهة النظر هذه، فإن تأكيداتهم بأنهم ليسوا "بِيضاً ورقيقين" تماماً، لا تعني أنهم ليسوا بدائيين وتحكمهم أفكار وتصرفات تنبع من غياهب القرون الوسطى.

طالبان شعبويون إلى حد ما، ومثل أي شعبويين، يعرفون الإجابة التي يريد الآخرون أن يسمعوها منهم. لذلك، تعلموا الاستجابة بشكل مناسب للطلبات الخارجية. 

نعم، ربما يسمحون للفتيات بالدراسة، ولكن حتى الصف السادس فقط؛ لأنه ليست هناك حاجة للمزيد. يجب أن تكون النساء، في رأيهن، قادرات على العد والقراءة فحسب، وهذا يكفي. لذلك لا يحتاجون إلى أن يكنّ متعلمات وجامعيات، لأنهن سيسبّبن لهم مشاكل لا حصر لها.

كل شيء يجب القيام به وتنفيذه وفقاً لأقدم تفسيرات للشريعة الإسلامية، ولا يمكن أن يكون الأمر خلاف ذلك. الحكم بـ "الرجم" على خيانة الزوجة غير المُخلصة لزوجها، والتي هي دائماً المسؤولة عن ذلك؛ أو "قطع اليد" بسبب سرقة صغيرة هو أمر مقبول تماماً... لكن، ربما سيبدؤون في تطبيق القمع بشكل انتقائي، أو ينتظرون حتى تنتهي فترة التمكين كما تفعل التنظيمات المشابهة.

على الرغم من مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية و"حركة طالبان"، فقد تصاعدت الهجمات التي استهدفت السياسيين والصحفيين والنشطاء الحقوقيين. فقد لقي الناشط المعروف محمد يوسف رشيد إصابة قاتلة برصاص مسلحين في إحدى الضواحي الجنوبية للعاصمة كابول. كذلك قتلت الناشطة فريشتا كوهيستاني، لأنها نددت بالاعتداءات الأخيرة على الصحفيين والناشطين، حيث كتبت المرأة البالغة من العمر 29 عاماً "لا أمل في السلام بأفغانستان". لقد أطلقوا عليها النار من مسافة قريبة، وهي قرب منزلها في محافظة كابيسا شمال العاصمة كابول، حيث أصيب شقيقها أيضاً في الهجوم، وفارق الحياة لاحقاً.

تخشى النساء بشكل خاص من عودة البلاد إلى حكم طالبان، لأن الإنجازات ستتقلص في مجال حقوق المرأة، والتي تراكمت على مدار العشرين عاماً الماضية. وبذلك ستعود أفغانستان لتصبح واحدة من أقل البلدان ملاءمة للنساء في العالم!

وعلى الرغم من أن الجماعة تؤكد الآن أنها مستعدة لمراعاة مصالح سكان البلاد، فإن ترتيبات نظامهم السابق تعود في كثير من النواحي إلى البلاد، مثل منع الموسيقى أو الحلاقة للرجال الذين يُطلب منهم إطلاق اللحى.. كذلك يحظر على المرأة العمل والخروج بدون أقارب من الذكور.

صورت المذيعة والصحفية في تلفزيون "آر. تي. آي." الأفغاني شابنام دوران مقطع فيديو وهي ترتدي الحجاب قائلة: "إن حركة طالبان منعتني من العمل في القناة التلفزيونية التي أعمل بها". وأردفَت: "لم يُسمح لي بالذهاب إلى العمل هذا الأسبوع، على عكس زملائي الذكور!".

بمرور الوقت، قد يؤثر السعي من أجل الشرعية والمساعدة الدولية على سلوكهم. لكن في المرحلة الأولية - إذا استمروا في محاولة إنشاء دولتهم الخاصة، وإذا عادوا بنفس الأيديولوجية - فسيكون كل شيء كما كان من قبل، حيث سيفرضون منهجهم الإقصائي وعقليتهم الحجرية وقواعدهم الخاصة على الجميع... 

قد يؤثر السعي من أجل الشرعية والمساعدة الدولية على سلوكهم. لكن في المرحلة الأولية - إذا استمروا في محاولة إنشاء دولتهم الخاصة، وإذا عادوا بنفس الأيديولوجية - فسيكون كل شيء كما كان من قبل

في الوقت نفسه، جزء من السكان مستعد للتصالح مع حكمهم، لكن الكثيرين يخشون الانتقام. فهم لا يصدقون هذه المنحنيات، فوعود طالبان غامضة، والوضع غير ثابت ومتغير.. عندما يقتربون من إملاء أيديولوجيتهم على أفغانستان مرة أخرى، سيكون هناك أسباب عديدة لنسيان وعودهم.

عودة طالبان إلى السلطة تشكل كارثة مجهولة الهوية، لا شك أن المجتمع الأفغاني سيُدمَّر في ظلها؛ وهذا سيدفع النساء إلى الاختباء في البيوت.. مرة أخرى ستسود الظلامية، وسيرتدي هذا البلد البرقع إلى أجل غير مسمى. وهنا يتحمل الغرب، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، قدراً كبيراً من المسؤولية، حتى لو لم يكونوا الوحيدين وراء ما يحدث اليوم.

التعليقات (4)

    Asyrian

    ·منذ سنتين 7 أشهر
    افغانستان تتشح مرة أخرى بسواد الإرهاب الإسلامي كما اتشحت وتتشح سوريا أيضا بالسوادين، سواد الإرهاب الإسلامي القاعدي الايراني وسواد الإرهاب الاسدي

    جلجامش بن اوروك

    ·منذ سنتين 7 أشهر
    عودة طالبان إلى السلطة تشكل كارثة مجهولة الهوية، لا شك أن المجتمع الأفغاني سيُدمَّر في ظلها؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!! وهل كان المجتمع الافغاني متماسكا منذ الغزو السوفياتي والجهاد ضده تحت راية امير المؤمنين CIA؟

    فضل

    ·منذ سنتين 7 أشهر
    استغرب من الخلط المقصود او عن جهل بين الاسلام الدبنزالدنيوي الوسطي وبين اسلام يمثله تيار سجن الو غريب وصيدنايا وافرع المخابرات المحليه والدوليه

    HAMAD ALSHOUKAN

    ·منذ سنتين 7 أشهر
    كاتب هذا المقال يريد ان يقنعنا بان العمانية هي الحل لافغانستان وهي الحل لسوريا ايضا، هو لا يريد ان يفهم ان للشعب الافغاني حقه في ممارسة شعائر الدين الاسلامي والالتزام بها. انظر الى علمانية البعث وما اوصلتنا اليه. انا اعتقد ان طالبان تعلمت كثيرا وستخرج نظام اسلامي مستنير وستسير القافلة بنجاح وستظل الكلاب تنبح ولن يسكتها اي حجر.
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات