والذي كتبه محمد حبش ليس سوى دعوة للتحرر من العادات السيئة التي ارتبطت بمقتل حسين بن علي. سواء كان اللطم والتطبير والمطالبة بالثأر عند الشيعة، أو الشماتة بمقتله عند أهل الشام، حيث يسمى يوم عاشوراء بيوم البحبوحة.
والحق بأني للمرة الأولى أقرأ عن الشماتة بمقتل حسين عند أهل الشام، فكل ما أعرفه بأن أهل الشام يُقدرون ما يطلق عليهم بآل البيت.
وبوصفي شخصاً لا أنتمي إلى صرعات الماضي، بل عيني على الحاضر والمستقبل الحر والسعيد لبلادنا فإن تعليقي على هذه الواقعة ينطلق من هذا.
والحق بأن استدعاء تاريخ الصراع على السلطة، وهو، أي الصراع، مسألة دنيوية صرفة، إذا كان خارج الكتابة التاريخية الموضوعية، المتحررة من الانحياز والحب والكره، فإنها خالية من القيمة المعرفية، وليس لاستدعاء هذا التاريخ قيمة عملية. لا سيما إذا كان استدعاؤه تأجيجاً لصراعات طائفية مدمرة للحياة المعشرية والهويات الوطنية. فالقتل بدافع الصراع على السلطة حالة دنيوية تاريخية قديمة وجديدة.
والتاريخ الإسلامي مليء بوقائع القتل من أجل السلطة، من مقتل الخليفتين عمر وعثمان، إلى مقتل علي، ومقتل الأمويين على يد العباسيين، ومقتل أبي مسلم الخرساني وهكذا.
ولن تجد من بين جميع المسلمين السنة من لا يحزن على مقتل الحسين، ولا من يمتدح قاتليه.
فهذا ابن تيمية مكروه الطوائف التي يطلق عليها المؤرخون الطوائف الباطنية كتب يقول:
"وأما مقتل الحسين رضي الله عنه فلا ريب أنه قتل مظلوما شهيدا كما قتل أشباهه من المظلومين الشهداء. وقتل الحسين معصية لله ورسوله ممن قتله أو أعان على قتله أو رضى بذلك، وهو مصيبة أصيب بها المسلمون من أهله وغير أهله، وهو في حقه شهادة له ورفع حجة وعلو منزلة فإنه وأخاه سبقت لهما من الله السعادة التي لا تنال إلا بنوع من البلاء ولم يكن لهما من السوابق ما لأهل بيتهما فإنهما تربيا في حجر الإسلام في عز وأمان فمات هذا مسموما وهذا مقتولا لينالا بذلك منازل السعداء وعيش الشهداء".
لكن السؤال لماذا أثار مكتوب الدكتور حبش مثل هذه التعليقات السلبية؟
لأنه وببساطة، تحول حسين إلى مرجع للسياسة الثأرية، ولم يبق ذَا امتياز عائلي.
باسم حسين ولبيك يا حسين ترتكب أشنع الجرائم في سوريا والعراق.
فلقد قُتل حسين بن علي مرتين، مرة في الصراع على السلطة مع بني أمية، فحزن جميع المسلمون عليه.
وقُتل مرة ثانية الآن بيد من يعلنون الانتماء إليه ويقتلون باسمه.
فكره السنة القتلة ويبدو بأن هذا الكره اقتلع الحزن من قلوبهم على مقتله الأول.
الطائفية داء يفسد أصدق العواطف يا سادة، وأصدق العواطف عاطفة الحزن.
فأهل الصراعات على السلطة في تاريخ الدول الإسلامية جميعهم الآن يقيمون في المقابر، فلا تجعلوا المقابر أساساً لصناعة الحاضر، إن الحاضر الذي تصنعه المقابر حاضر ماضٍ وميت، وأي جماعة أو حزب يسعى لتسيطر المقابر على الحاضر فإنها ترتكب من الكوارث كوارث أشد من تلك التي حدثت في الماضي.
إذا كان لا بد من استدعاء رموزٍ من ماضينا فلتكن تلك الرموز التي أغنت التجربة المعرفية والثقافية بالعلم والفكر والأدب حباً بالمعرفة والنظر إلى المستقبل بعيون الحاضر بما يمتلكه من جديد وقطيعة مع الماضي.
فلا محبو حسين بقادرين على خلق عالم جديد فهو لن يمدهم بأي فكرة صالحة للحياة، ولا كارهوه يساعدهم كرههم على التحرر والحرية من هذا الواقع الزفتي.
التعليقات (5)