حافظ الأسد يؤسس لمجزرة الكيماوي: ورّثَ السلاح.. وعلّمهم أنّ دم الشعب مُباح!

حافظ الأسد يؤسس لمجزرة الكيماوي: ورّثَ السلاح.. وعلّمهم أنّ دم الشعب مُباح!
ثمة سؤال طرحه عليّ أحد الأصدقاء الرماديين، الذي حولته مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق الشرقية قبل ثمانية أعوام إلى ثائر حقيقي على النظام بكل أشكاله. سألني حينها، وكانت صور مجزرة الأربعاء الأسود تتوالى كالطوفان في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي: لو كان حافظ الأسد حيّاً وواجه الموقف نفسه.. هل كان سيستخدم الكيماوي ضد السوريين برأيك؟!

لم أكن بحاجة لتذكير ذاك الصديق أن برنامج الأسلحة الكيميائية في سورية، أسس في عهد حافظ الأسد في سبعينات القرن العشرين وليس في عهد بشار.. وأن إنتاجه بدأ في منتصف ثمانينات القرن العشرين حين كان حافظ الأسد يخوض حربه المستمرة لتركيع السوريين، وإن لم يستخدمه حينها لأن السلاح التقليدي كان قادراً على أن يفي بالغرض.. ولأنه لم يكن يثق ما ستكون عليه ردة فعل إسرائيل حين يستخدم سلاحاً كهذا على حدودها؛ لكنني سألت صديقي:

- هل تعتقد أن حافظ الأسد حين أسس برنامج السلاح الكيميائي كان يود استخدامه ضد أمريكا أو إسرائيل مثلا؟!

- بيقصوا راسه والله.

- معناها وصلك الجواب!

انتهى الحوار فجأة.. وكأن صديقي قد أدرك أنه لا معنى من شرح المشروح أو تفسير المفسّر!

أجل.. لقد أسس حافظ الأسد لنظام الجريمة المتعدد المراحل والأسلحة والمستويات. فإن لم ينفع السلاح التقليدي في لحظة من اللحظات، فلا مفر من استخدام الكيماوي إذا استدعت الحاجة الداخلية ذلك. أما الحاجة الخارجية فهي غير متوفرة أصلا. فلا العدو الأمريكي الإمبريالي يطلب رأس نظامه كما كان يزعم، ولا حربه مع العدو الصهيوني الغاشم كانت حرب وجود أو حتى حرب حدود!

أسس حافظ الأسد لنظام الجريمة المتعدد المراحل والأسلحة والمستويات. فإن لم ينفع السلاح التقليدي في لحظة من اللحظات، فلا مفر من استخدام الكيماوي إذا استدعت الحاجة الداخلية ذلك

إن الحرب الحقيقية التي خاضها حافظ الأسد منذ قطف ثمار مشروع صلاح جديد الاستيلائي الطائفي وانقلب عليه فيما أسماه "الحركة التصحيحية"، وقدم نفسه للقوى الغربية بصورة أكثر براغماتية من صلاح جديد، هي الحرب ضد الشعب السوري الذي يمكن أن يتمرد عليه حصراً. فهو العدو الأول.. الذي امتلك كل ترسانة الأسلحة من أجل مواجهته. فقد كانت نظرية التوازن الاستراتيجي مع العدو، هي امتلاك كل الأسلحة للاستعداد لقهره في أي لحظة تمرد أو ثورة أو تفكير بثورة... وليس لمواجهة إسرائيل كما كان يزعم.

لكن بموازاة امتلاك تلك الأسلحة يجدر بنا أن نتأمل صورة الشعب الذي ستُستخدم ضده تلك الأسلحة. ما هي صورة الشعب السوري في مرآة نظام حافظ الأسد؟

حكى لي أحد الفنانين ذات مرة أن زميلة له أقامت علاقة مع أحد رؤساء الأفرع الأمنية الكبار.. وبعد أحد اللقاءات الحميمية "الناجحة" بينهما، طلبت منه بعض الطلبات التي يسهل عليه تحقيقها وبجرة قلم.. فقام بضربها وشتمها قائلا: "أبيكفي عم (.....) كمان بدك تطلبي؟ انت جاية (....) ولا جاية منشان مشيلك طلباتك ولك قــ... "

تكشف هذه الحادثة على بذاءتها ليس عقلية ضباط الأمن وحسب... بل عقلية هذا النظام الحاكم كله تجاه مفهوم العلاقة مع الشعب والناس...  فهذا النظام لا يرى في الشعب بكل أطيافه إلا مداسا. يُضرب... يُهان...  يُعتدى على كرامته... وإذا حدث أن أعيد له شيء من حقوقه الأساسية لبعض الوقت، تم تصوير الأمر كمكرمة من السيد الرئيس!

إن مفهوم الشعب في أدبيات نظام الأسد ليست فقط قطيعا يُقاد، ولا يمل من التعبير عن أعلى درجات الولاء، ويُحشر في الساحات والملاعب ومدرجات الجامعة للتصفيق والهتاف فحسب؛ فحتى رعيان القطيع يدركون أن له متطلبات يجب أن تُلبى. أتذكر حين كنا أطفالا في عهدة مدجنة طلائع البعث، أننا كنا نؤخذ أحيانا لحضور خطاب لحافظ الأسد. كنا نخرج من مدارسنا منذ الصباح الباكر. ونُصلب في حر الشمس أو برد الشتاء لساعات قبل أن يطل الديكتاتور بخطابه الملل الذي لا يكاد ينتهي. لم يكن يفكر أحد أن هذا القطيع من الأطفال الذي سيكسو الاحمرار أكفهم من شدة التصفيق يمكن أن يجوع أو يعطش أو يحتاج لقطرة ماء ينهل منه كما باقي قطعان الخراف والمواشي.

خلال نصف قرن سجن ملايين من شبان ورجال سورية. ٩٠٪ سجنوا تعسفيا واعتقلوا لسنوات طويلة بشكل غير قانوني وغير دستوري، وبلا أي تهمة يعاقب عليها القانون.. رغم ذاك يخرج القليل منهم بـ "عفو رئاسي".

في سجن تدمر الرهيب المصنف ثاني أخطر سجن على مستوى العالم كله بفضل همجية وشراسة وطائفية جلاديه، كان السجناء الذين يرون الموت في كل دقيقة، بل ويتمنونه للخلاص من هذا الجحيم الذي لا يوصف يوقعون نعم بدمائهم في استفتاءات حافظ الأسد المحسومة سلفا.  كان مديرو السجن يتفاخرون بأنهم ينتزعون من هؤلاء المساجين الذين حطم التعذيب أجسادهم ونفسياتهم (نعم) بالدم لسجانهم الأكبر في ذكرى تجديد البيعة لربهم حافظ الأسد.

في سجن تدمر الرهيب المصنف ثاني أخطر سجن على مستوى العالم كله بفضل همجية وشراسة وطائفية جلاديه، كان مديرو السجن يتفاخرون بأنهم ينتزعون من هؤلاء المساجين الذين حطم التعذيب أجسادهم ونفسياتهم (نعم) بالدم لسجانهم الأكبر في ذكرى تجديد البيعة لـ"ربهم" حافظ الأسد.

هذا النظام هو تجسيد لفكرة همجية الحكم عبر أحلك عصور البشرية. الشعب لا قيمة له إلا في الخطابات والشعارات الكاذبة.. شعار حرية المرأة الترجمة الحقيقية له في أفرع الأمن، حيث تُعتقل المرأة كرهينة بلا أي ذنب ارتكبته. لا تُحترم سيدة مسنة ولا فتاة صغيرة ولا تعفى امرأة حامل من الضرب والتعذيب والصعق بالكهرباء.

ورّث حافظ الأسد لابنه المريض عقلياً ذات النظرة بالنسبة للشعب، وأعطاه فوقها 16 فرع مخابرات وترسانة من الأسلحة التقليدية والكيماوية.. فسار على النهج ذاته، ووصل إلى المرحلة التي رأى فيها أنه حان الوقت لاستخدام سلاح الإبادة الجماعية، فاستخدمه ضد معارضيه.. أما مؤيدوه فسيأتي الدور عليهم، إن لم يكن قتلاً وتشريداً فتجويعاً وإذلالاً حين يكتشف أن حربه الخاسرة قد قادت البلاد إلى الدمار، وأن ثمن الصمود يجب أن يدفعه هذا الشعب – مؤيداً كان أم معارضاً – وبصمت.. وما قالته مستشارة بشار الأسد في تفسير خطاب القسم الغموس كان خير برهان.

سفاهة وقلة خبرة لونا الشبل أنها حكت الخطاب الذي يُنفّذ عادةً ولا يُحكى على الشاشات. عندما يأتي مواطن مؤيد ويشتكي ويصرخ ويقول صمدنا ولم نحصد سوى الجوع والطوابير.. يُمكن أن يُجرّ إلى أقرب فرع أمن، ويستقبل بصفعة أو اثنتين على وجهه وهو يتلقى وابلاً من الشتائم الجنسية التي تعكس المنبت الاجتماعي لضباط الأسد، عبارات من قبيل: "يا ابن الـ.... انت صمدت منشان السيد الرئيس ولا منشاني؟ السيد الرئيس طلب منك تصمد.. ابيكفي ما ركبناك الباصات الخضر... ولا اتعفش بيتك وشفت اغراضك بسوق السنة؟"

سفاهة وقلة خبرة لونا الشبل أنها حكت الخطاب الذي يُنفّذ عادةً ولا يُحكى على الشاشات. 

هذا الكلام يقال هكذا، ويترجم هكذا، وفي تلك الأمكنة والأفرع والمخافر. عنجهية وغباء وطيش لونا الشبل جعلها تقوله بكل فظاظة على الشاشات، ظانة أن الناس كانوا فقط بحاجة لأن تظهر وتشرح لهم كي يقولوا لها: حاضر.. معك حق. الآن فهمنا ما يتوجب علينا فعله في هذه المرحلة رغم جوعنا وأزماتنا!

لو كانت الشبل مستشارة لحافظ الأسد كان أقالها من اليوم الثاني لبث المقابلة.. لكنّ سخف وغباء بشار سوف يجعله يرى فيما فعلته نصراً لأنها جرعت السم لمؤيديه، ولأن مقابلتها حققت مشاهدات عالية على السوشال ميديا، أو أثارت ردود فعل كيدية مسلية لدى الخصوم!

سيمضي وقت طويل على السوريين كي يتفقوا جميعاً، وبكل أطيافهم ومكوناتهم، أنهم عاشوا نصف قرن تحت ظل نظام همجي لا يصلح لحكم زريبة حيوانات، وليس لحكم بشر توارثوا حضارة سبعة آلاف عام.

سيمضي وقت طويل على السوريين كي يتفقوا جميعاً، وبكل أطيافهم ومكوناتهم، أنهم عاشوا نصف قرن تحت ظل نظام همجي لا يصلح لحكم زريبة حيوانات، وليس لحكم بشر توارثوا حضارة سبعة آلاف عام.

بعد عشر سنوات من الثورة واضطراب الحكم وخروج مناطق عديدة عن سيطرة هذا النظام ومقتل عشرات الآلاف من أبناء طائفته... مازالت رؤية بشار للشعب هي ذات رؤية حافظ الأسد حين أطلق جنوده النار على أول مظاهرات اندلعت بعد استيلائه على الحكم خلال أحداث الاحتجاج على دستور ١٩٧٣ الذي فصله على مقاسه ليكون "ربكم الأعلى". 

مازالت نفسها حين ارتكبت قواته الخاصة مجزرة حي المشارقة صبيحة عيد الفطر عام 1979 دون أن ترعى حرمة لعيد أو لمناسبة دينية أو اجتماعية. مازالت نفسها حين ارتكب مجزرة جسر الشغور عام 1980 وسُحل شبان المدينة في الشوارع بعد أن ربطت أجسادهم بالسيارات العسكرية عشية عيد الأضحى.. وصرخ ضباط رفعت الأسد وعلي حيدر: "اللي ما ضحى يجي يضحي" .

مازالت نفسها حين ارتكب حافظ الأسد مجزرة حماه الكبرى عام ١٩٨٢ وهدم ثلثي المدينة وقتل عشرات الآلاف من سكانها، ثم أجبر الأهالي أن ينظفوا الشوارع من دماء أبنائهم وأشلاء أبنائهم وأن يعيشوا سنوات الانتظار المرّ بحثاً عن آلاف آخرين اقتيدوا للمعتقلات والسجون وظل مصيرهم مجهولا. 

ومازالت نفسها في عهد المريض العقلي بشار الأسد، في مجازر كرم الزيتون والحولة والتريمسة والبيضا وخان العسل وحلفايا، وفي كيماوي الغوطة ليل الحادي والعشرين من آب/ أغسطس عام ٢٠١٣ تلك اللحظة الفارقة التي أوقظت من كان غافلاً، وصفعت من كان مكابراً، و أكدت  لكل من كان نائما في عسل الشعارات المغشوشة العفنة، التي استحالت لحظة ألم فارقة لا تنسى. لحظة تعيد تلخيص المشهد الأسدي كله خلال نصف قرن:

الشعب خُلق ليكون دريئة في ظل حكم "الأسد للأبد". في أي خلاف أو تمرد أو احتجاج مطلبي معيشي أو سياسي لا حل سوى الحل العسكري والأمني. صدوره ورؤوس أبنائه ستكون مباحة للبنادق والمسدسات والرشاشات والمدفعية والدبابات والطائرات والسكود والكيماوي.. وبيوته وممتلكاته للنهب والتعفيش.. وأثاث بيته وصور ذكرياته لسوق السنة.

الشعب خُلق ليكون دريئة في ظل حكم "الأسد للأبد". في أي خلاف أو تمرد أو احتجاج مطلبي معيشي أو سياسي لا حل سوى الحل العسكري والأمني. صدوره ورؤوس أبنائه ستكون مباحة للبنادق والمسدسات والرشاشات والمدفعية والدبابات والطائرات والسكود والكيماوي.

 كل الشعارات التي قيلت عن حكم الشعب، وعن حق الشعب، وخدمة الشعب، وعن كون الشعب مصدر الشرعية والأحكام والسلطات... هي شعارات كاذبة مئة بالمئة. الشعار الوحيد الصادق قولا وفعلا هو: "الأسد أو نحرق البلد".

التعليقات (7)

    HOPE

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    سفاح يقتل ثم يذهب لصلاة العيد! الاب اورث ابنه فكر مريض يجرم بحق الناس ثم بكل وقاحه يمثل انه المؤمن المؤتمن على حياتهم! يسرق احلام وامال السوريين ويطلق شبيحته ككلاب مسعوره تنهش بلحم السوريين! لا يستثني اي سلاح متاح لقتل السوريين وهدم احلامهم في سبيل الحفاظ على لعبة قذره اسمها الحكم. ارواح الاطفال الذين قتلهم الاب وابنه ستلعنهم في قبرهم!!

    علوي علماني

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    بقرالك يا محمد منصور من عشرين سنة.. ومستغرب هالسم اللي عندك ايمت بدو يخلص أو يخف زخمو؟ يا رجل........ لبست الكيماوي لحافظ الأسد؟!!!! ليش لو كان حافظ الأسد كان صار بسورية اللي صار علي يد هالحمار بشار

    فضل

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    ديدن الخونه في كل زمان ومكان

    Bakr

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    الله ينتقم منهم نطلب قراءة الفاتحة ... على نية زيادة العذاب من مالك خزنة جهنم لأرواح من تسبب في عذاب الأرواح..

    شامي أموي

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    المفارقة بين حافظ وبشار... هذا الجرو من ذلك الكلب.. ردا على علماني علوي.

    عبد الله

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    لعنة الله على الظالمين سيهزم الجمع ويولون الدبر بإذن الله ويلحقون بأسلافهم السفاحين الى مزبلة التاريخ ومن ثم موعدهم جهنم جميعا بإذن الله

    العلويين قاموا بجراءم ويعتقدون ان الاهبل سيحميهم

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    البعرزي استهلكهم متل الحفاضات وسيتم رميهم للقمامة من نفس الذين حرضوهم وكما البعرزي دمر اسرته فالعلويين سيعودون لمسح الاحذية في ايران المدمرة اجتماعيا والمليءة بالارهابيين من كل حثالات اسيا، الارمن والشركس واليهود انتقموا نفسيا لخساراتهم وغطوا اجرامهم بالعلويين لانهم اغبياء وعلاكين ولكنهم سيحاسبون عن كل جراءمهم وستاتي فرنسا لتحميهم وهي تسقط اقتصاديا وعسكريا ، لربما حموا البعرزي حتى ياخذوا امواله هم والانكليز وسيضحون حتى باهبل الرياضيات . قريباالسحل في القرداحةشركسية والعلويين اتوا كخدامين عندهم
7

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات