لماذا يُغيِّرُ السُّوريُّون أسماءهم ويُزوِّرون شهادات ميلادهم؟

لماذا يُغيِّرُ السُّوريُّون أسماءهم ويُزوِّرون شهادات ميلادهم؟
ملاحظة قبل قراءة المقال: قد تجد اسمك أو اسم أحد أقربائك في ثنايا هذا المقال. 

يوم الثُّلاثاء الواقع في التَّاسع عشر من نيسان عام 2016 ميلاديَّة؛ أي بعد احتفالنا بذكرى جلاء الفرنسيِّين عن أرض سوريا بيومين كنتُ أُلقي محاضرة حول النَّقد العربيِّ في كلّيّة التَّربية الأساسيَّة في الكويت، واستدعت المحاضرة أن أغلق جوَّالي، وأتركه على وضع الطَّيران حرصاً على وقت المحاضرة.

قد تبدو هذه المقدِّمة شخصيَّة جدًّا وذاتيَّة للغاية، ليس لها أيُّ علاقة بعنوان المقال؛ لكنَّني لم أجِد بُدًّا من ذِكرها والاستهلال بها؛ لأتابع سرد ما جرى معي بعدها في ذاك اليوم؛ حيث خرجتُ من محاضرتي؛ وشبكتُ هاتفي الجوَّال على خدمة الإنترنت؛ لتصلني مباشرة مئات الرَّسائل المؤجَّلة؛ الَّتي تنتظر وصلَ هاتفي بشبكات الخدمة أو التَّغطية:

- مبارك لكم يا آل الرَّشيد!.. عظَّم الله أجركم. 

- تقبَّل الله شهداءكم.

- هل تخبرنا مَنِ الشّهداء؟....

ومئات الرَّسائل الأخرى المشابهة، الَّتي لم أستطع الاسترسال في قراءتها، حين شعرتُ بالدُّوار، وراحت تتراءى لي صور أبي وأمِّي وإخوتي وأخواتي وأعمامي وعمَّاتي وأبناء عمومتي من آل الرَّشيد، فقد بات من المؤكَّد أنَّني فقدتُ بعضهم، ورحتُ أسترجع مواقفي وذكرياتي القديمة- الجديدة معهم؛ ولا أعرف بمن منهم سأتقبَّل واجب العزاء في ظلِّ تضارب الأنباء عن عدد الشّهداء وأسمائهم في ظلِّ دخان الصَّواريخ وشظاياها بعد أيِّ مجزرة من مجازر نظام الأسد؛ كمجزرته الَّتي ارتكبها مع أعوانه الرُّوس والإيرانيِّين في سوق الخضار في معرَّة النَّعمان في التَّاريخ المذكور في استهلاليَّة المقال.

ما أصعب أن تتراءى أمامك صور إخوتك والأقارب والأصدقاء؛ لتنتظر تأكيد الخبر لمن منهم ستقيم -في غربتك- خيمة العزاء؟! أهذا الَّذي استُشهد أم ذاك؟ أم هذا وذاك وتلك وذيَّاك معاً؟ أيُّ قدر ينتظرنا نحن السُّوريِّين؟ وأيَّ قلب يجب أن نمتلك حتَّى نستطيع الثَّبات، ونحن نتلقَّى هكذا أخبار، وأمثالها وما فاقها لؤماً وألماً وحسرة؟!

ما أصعب أن تتراءى أمامك صور إخوتك والأقارب والأصدقاء؛ لتنتظر تأكيد الخبر لمن منهم ستقيم -في غربتك- خيمة العزاء؟!

رنَّ هاتفي؛ لأردَّ على أحد أقاربي المقيمين معي في الكويت بصوت منهار، وقد بلغه الخبر اليقين، قال لي: لا تتحرَّك من مكانك، سنكون عندك بعد قليل. وفعلاً بعد دقائق معدودة وصل أصدقائي، الَّذين قادوا سيَّارتي، وأخذوني معهم بعد أن رتَّبوا ما يقتضيه واجب العزاء؛ هنَّؤوني باستشهاد أخي حسن بلال الرَّشيد وابن عمِّي محمَّد زكريَّا الرَّشيد ونحو سبعين شهيداً آخر، وأخبروني بتفاصيل ما جرى في مجزرة سوق الخضار في معرَّة النُّعمان أيضاً.

مضت أيَّام العزاء الثَّلاثة، وأحضر في أحدها صديقي الشِّيعيُّ الكويتيُّ إلى بيتي كثيراً من الطَّعام على عادة إخوتنا في الكويت، حين يشاركون إخوتهم واجب العزاء، وبعد أيَّام بدَّل عمِّي زكريَّا اسم حفيده الأوَّل زكريَّا، وأصدر له شهادة ميلاد جديدة؛ فصار اسمه: محمَّد محمَّد زكريَّا الرَّشيد بعد أن كان: زكريَّا محمَّد زكريَّا الرَّشيد، وتحوَّل تلقائيّاً اسم ابني حسين مهنَّا الرَّشيد إلى حسن مهنَّا الرَّشيد، وكلَّما نادى رجال الشُّرطة باسم ابني حسين في أحد المطارات أشرد عن اسمه كثيرًا حتَّى يصرخ رجال الشُّرطة؛ فأقول لهم اسمه حسن؛ فيقول أحدهم بلغة أجنبيَّة: (هُسّ إن)؛ فأقول لهم: إنّهم موظّفو النّفوس الأغبياء؛ يكتبون (هُسّ إن) بدلًا من حسن.

بعد أيَّام من استشهاد أخي حسن وابن عمي محمد زكريا، بدَّل عمِّي زكريَّا اسم حفيده الأوَّل زكريَّا، وأصدر له شهادة ميلاد جديدة؛ فصار اسمه: محمَّد محمَّد زكريَّا الرَّشيد، وتحوَّل تلقائيّاً اسم ابني حسين مهنَّا الرَّشيد إلى حسن مهنَّا الرَّشيد

مرَّت الأيَّام، وأنجبت زوجة أخي حسن ولدها اليتيم الوحيد حسن حسن الرَّشيد قبل الذِّكرى السَّنويَّة الأولى لزواجهما، وتوالت الأيَّام؛ وقبيل الذِّكرى السَّنويَّة الثَّالثة لاستشهاد حسن ومحمَّد الرَّشيد؛ امتلأت الحارة بالأطفال الصِّغار على أسماء الشُّهداء، وما زالت أطيافهم البريئة تلاحق القاتل المجرم في كلِّ مكان؛ وستبقى كذلك إلى ما بعد الخلاص منه ومن سائر أعوانه المجرمين؛ وستبقى تلاحقهم إلى يوم الدِّين؛ فالمجد والخلود لشهدائنا الأبرار، والويل والثُّبور للقتلة المجرمين.

وعلى الضِّفَّة الأخرى من هذا العالم؛ أي ما وراء البحار التَّي غرق فيها سوريُّون كثيرون نسمع اليوم عن تغيير بعض السُّوريِّين أسماء أبنائهم خوفًا عليهم من العنصريَّة في المستقبل مثلما سمعنا عن بعضهم الآخر الَّذي سافر من سوريا في هذه المرحلة التَّاريخيَّة الحرجة…واختار أن يحوِّل الأطباء جنسَه كاملًا، ويجروا عليه كلَّ التَّجارب والاختبارات اللَّازمة لهذا التَّحويل…

ما وراء البحار التَّي غرق فيها سوريُّون كثيرون، نسمع اليوم عن تغيير بعض السُّوريِّين أسماء أبنائهم خوفًا عليهم من العنصريَّة في المستقبل

وهكذا يبدو أنَّ معظم السُّوريِّين ضحيَّة عصابة حاكمة مجرمة ومجتمع دوليٍّ متواطئ معها رغم ادِّعائه الحضارة؛ لذلك -وفي ظلِّ عجزنا عن فعل أيِّ شيء يُغيِّر عجلة التَّاريخ الَّتي تدعسهم منذ عشر سنوات- نقول: ما قاله الفيتوريُّ منذ زمن:

أيُّها السَّائق

رفقاً بالخيول المتعبه

قف فقد أدمى حديد السَّرج

لحمَ الرَّقبه

قف…فإنَ الدَّرب في ناظرة الخيل اشتبه

هكذا كان يغني الموت حول العربه

وهي تهوي تحت أمطار الدجى مضطربه. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات