الأمن الروسي يعتقل أيمن الظواهري ورفاقه

الأمن الروسي يعتقل أيمن الظواهري ورفاقه
اختفى الظواهري وأصبح شبحاً في النصف الأول من تسعينات القرن العشرين؛ لكنه مع ذلك تنقل سراً طوال هذه الفترة، فقد أظهر جواز السفر الذي استخدمه أنه زار ماليزيا وتايوان وسنغافورة وهونغ كونغ...

في كانون الأوَّل /ديسمبر 1996، اصطحب الظواهري شخصين مصريين آخرين معه ليعبروا الحدود الأذربيجانية بوثائق سفر مزورة، متوجهين إلى جمهورية إيشكريا الشيشانية المعلنة من جانب واحد على أراضي الاتحاد الروسي بين أعوام 1995-2002، من أجل تأسيس مركز لتدريب المتطوعين في شمال القوقاز وتنظيم الجهاد المتعثر. هؤلاء كانوا من جماعة "حركة الجهاد الإسلامي" المصرية: أحمد سلامة مبروك (الملقب بأبي الفرج المصري)، ومحمود هشام الحناوي (الملقب بأبي سهل). 

كان بحوزة أيمن الظواهري وثائق تثبت أنه طبيب، لكنه حمل اسماً مستعاراً هو "عبد الله الإمام محمد أمين".. لم يكذب الإسلامي الشهير هنا، فهو بالفعل جراح وينحدر من عائلة ذات تقاليد طبية! 

قامت المجموعة بتبديل المركبات ثلاث مرات، لكنها لم تصل إلى الشيشان؛ فقد تم إلقاء القبض عليها في غضون ساعات من دخولها الأراضي الروسية؛ وانتهى أمر أصحابها وراء قضبان سجن محج قلعة عاصمة جمهورية داغستان. 

دافع المعتقلون الثلاثة عن أنفسهم، وحافظوا على تنكرهم، وأصروا على براءتهم؛ في حين استنفرت جهات مختلفة من أجل التوسط لهم وإخراجهم من السجن على الفور، بما في ذلك النائب السابق لمجلس الدوما نادر شاه خاشيلايف. وتواصل عدد من التجار ورجال الأعمال العرب مع السلطات الروسية في العاصمة الداغستانية ليؤكدوا على حسن نية إخوانهم.. كذلك سافر عضوا الجهاد إبراهيم عيدروس وثروت صلاح شحاتة إلى داغستان للمطالبة بالإفراج عنهما، حيث حصل شحاتة على إذن لزيارتهم، حيث قام بتهريب ثلاثة آلاف دولار لهم تمت مصادرتها لاحقاً من زنزانتهم، وسلمهم خطاباً خاصاً لم يكلّف الروس عناء ترجمته.

جرت محاكمتهم في أوائل نيسان/ أبريل 1997، وحُكم على الظواهري ورفاقه بالسجن ستة أشهر؛ لكن سرعان ما أُطلق سراحهم بعد شهر، بسبب مراعاة الوقت الذي أمضوه خلف القضبان قبل المحاكمة. 

هرب دعاة الجهاد بعد أن أُطلق سراحهم مباشرة، ودون أن يدفعوا للمحامي أبو الخالق عبد السلاموف (عبدالسلام) الذي عينته المحكمة، أتعابه القانونية البالغة 1800 دولار بدعوى "فقرهم وعدم قدرتهم على الدفع". وهذا كذب ونفاق ونذالة؛ لأنهم في محج قلعة أعادوا لهم الأشياء والأموال التي صودرت منهم أثناء الاعتقال!

يبدو أن أسامة بن لادن، أو ربما غيره، قد دفع ثمن إطلاق سراح المغامرين الثلاثة. وهذا ما أشار إليه الباحث اللبناني كميل الطويل في كتابه "القاعدة وأخواتها: قصة الجهاديين العرب" الصادر عن "دار الساقي" عام 2007، حين قال: "بات معروفاً اليوم أن الظواهري لم يكن متحمساً كثيراً لأفغانستان عندما ترك السودان مع ابن لادن. ففي حين استقر الأخير في بلاد الأفغان، قرر الأول الانتقال إلى الشيشان لدعم (الجهاد) ضد الروس هناك. لكن رحلته إلى هناك لم يعرف بها سوى ابن لادن وقلة قليلة من قادة (الجهاد). وكادت الرحلة أن تنتهي بكارثة، إذ اعتُقل الظواهري مع اثنين آخرين من قياديي تنظيمه هما محمود الحناوي وأحمد سلامة مبروك. ولم يعرف رجال الأمن الداغستانيون بالهوية الحقيقية للثلاثة الذين كانوا ينتقلون بجوازات سفر مزورة لدولة عربية. وبقي أمر اعتقال الظواهري سرياً حتى على قادة (جماعة الجهاد) الذين لم يعرفوا طوال ستة شهور ما حل بزعيمهم. وقد حاول موفدون من أسامة بن لادن، على ما يُزعم، رشوة رجال الأمن الداغستانيين للإفراج عنهم بما أن التهمة التي أوقفوا من أجلها هي فقط دخول الأراضي الداغستانية في صورة غير صحيحة". أما "مركز المقريزي للدراسات التاريخية" ومقره لندن، فيكتب في17 نيسان 2005: "ومن عجائب أقدار الله أن اعتقال الثلاثة في داغستان لم يعلم به أحد لا من مخابرات العالم ولا حتى مجلس شورى جماعة الجهاد وظل الأمر في غاية الكتمان طيلة ستة أشهر والجماعة يسيّرها شقيق الدكتور أيمن المهندس محمد الظواهري. وكانت المفاوضات تتم مع الخاطفين وهم لا يعلمون هوية الأشخاص حتى تم دفع فدية من المال وتم إطلاق سراح الثلاثة". لكن الباحث الأمريكي مارك ساغمان كتب أن أنصار الظواهري قد وبخوه على إهماله، وأن ابن لادن غرّم مساعده بتخفيض الدعم المقدم لـ "حركة الجهاد الإسلامي" المصرية إلى 5 آلاف دولار بسبب غيابه لمدة ستة أشهر! 

أضاف ضابط المخابرات الروسي المنشق ألكسندر ليتفينينكو، الذي تمت تصفيته في لندن بمادة البولونيوم-210 المشعة، دعامة أخرى إلى هذا الصدد، موجهاً الاتهامات ضد زملائه السابقين في المخابرات الروسية، حينما صرح أثناء مقابلة مع صحيفة Rzeczpospolita البولندية عام 2005 بأن أيمن الظواهري كان "عميلاً قديماً لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي"، وأنه خضع في داغستان لـ "تدريب خاص مدته ستة أشهر في إحدى القواعد التابعة لهذا الجهاز، حيث تم توجيهه بعد ذلك إلى أفغانستان بناء على توصية من زعماء لوبيانكا (مقر المخابرات الروسية)، وتوغل على الفور في حاشية ابن لادن، وسرعان ما أصبح نائبه في القاعدة".

رغم أن تصريح ليتفينينكو المثير للجدل له أنصاره، إلا أن ممثلي الخدمات الخاصة الروسية أكدوا أن أيمن الظواهري ورفاقه لم يكونوا معروفين بالنسبة لهم في ذلك الوقت، ولم يكن أحد منهم على قائمة المطلوبين، لذلك لم يستطيعوا تحديد هوياتهم؛ إضافة إلى استخدام الظواهري اسماً ولقباً مختلفين، وبالتالي تم طردهم ببساطة من البلاد.. هذا بالطبع يثير التساؤلات حول مدى كفاءة السلطات الأمنية الروسية وانتشار الفساد والمحسوبية والرشاوى وشراء الذمم ضمن هياكلها في تسعينات القرن الماضي، حيث كان كل شيء ممكناً... ومع ذلك تم الاستفادة من قصة اعتقال المجموعة، من خلال تقديمها كدليل على وجود صلات بين "تنظيم القاعدة" والانفصاليين الشيشان. يقول الممثل الرسمي لـ "جهاز الأمن الفيدرالي الروسي" سيرغي إغناتشينكو في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" عام 2003 إن: "مبعوثي التنظيمات الراديكالية الإسلامية حاولوا في ذلك الوقت نشر الوهابية وإعداد نقطة انطلاق لهجمات إرهابية جديدة".

في الحقيقة، لم يستجب الأمريكيون حتى لطلب الروس التحقق من هويات أولئك العرب باستخدام خزائن الملفات الخاصة بهم، لأن التعاون الوثيق بين أجهزة المخابرات في مختلف البلدان لم يبدأ إلا بعد 11 سبتمبر 2001! 

كان مصير المصريين "المناضلين من أجل الدين" مختلفاً.. تم إرسال شحاتة إلى الشيشان حيث التقى القائد الميداني خطاب (ثامر صالح عبد الله السويلم). ورافق عيدروس الظواهري والحناوي إلى باكو عاصمة أذربيجان. يقول كميل الطويل في كتابه "القاعدة وأخواتها: قصة الجهاديين العرب": "في نهاية فترة توقيفهم، عاد الظواهري إلى أفغانستان واستقر فيها، في حين انتقل سلامة مبروك إلى أذربيجان واستقر الحناوي في منطقة القوقاز". 

سارع الدكتور الظواهري المطرود من روسيا إلى الهرب إلى أفغانستان، ليكون قريباً من صديقه القديم أسامة بن لادن، الذي يعرفه منذ أيام الحرب الأفغانية ضد الجيش السوفييتي، حيث التقيا حينها في منطقة بيشاور الباكستانية. بدأ أسامة المنشق للتوّ عن رفيقه الفلسطيني الشيخ عبد الله عزام، بإنشاء مكتب الدعم اللوجستي الذي عمل على تجنيد وتجهيز المجاهدين الأجانب وإرسالهم إلى جبهات ما وراء الحدود. والظواهري عالج الجرحى في المستشفيات الميدانية، حيث أصبحت آراؤه أكثر تطرفاً يوماً بعد يوم. وفي النهاية دُمج تنظيمه الجهادي المصري مع القاعدة في أوائل عام 1998، ليصبح أقرب مساعد لابن لادن والطبيب الشخصي له. 

كانت أجهزة المخابرات الأمريكية تتعقب سلامة مبروك بعد عودته إلى أذربيجان؛ حيث استطاعت القبض عليه برفقة الجهادي أحمد النجار، ثم تسليمه سراً إلى مصر عام 1998. تم الإفراج عنه أثناء ترؤس الإخواني محمد مرسي لمصر عام 2012، قبل إنهاء مدة سجنه المقررة. سافر بعد ذلك إلى تركيا، ومنها إلى سوريا؛ لينضم إلى صفوف تنظيم "جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام)؛ ليصبح مرجعاً شرعيّاً للجماعة والرجل الثاني فيها. ومع ذلك نجحت المخابرات الأمريكية في الوصول إليه وتصفيته أثناء وجوده في محافظة إدلب بتاريخ 3 تشرين الأوَّل/أكتوبر 2016.

قرر هشام الحناوي أن يواصل المسير إلى الشيشان مع بعض الشباب الداغستاني الذين اصطحبوه معهم، فقد اختار الانتساب إلى كتيبة المجاهدين العرب، ليقتل هناك في أوائل عام 2005 وهو في سن الخمسين.

احتل أيمن الظواهري الأيديولوجي الرئيسي لتنظيم القاعدة حينها المرتبة الثانية بعد أسامة بن لادن في قائمة أخطر الإرهابيين الدوليين على الموقع الرسمي لـ "مكتب التحقيقات الفيدرالي" في الولايات المتحدة. واتُّهم بتنظيم تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا صيف عام 1998 وتُنسب إليه فكرة وتخطيط هجمات 11 سبتمبر 2001؛ لذلك وضعت مكافأة قدرها 25 مليون دولار مقابل رأسه. هنا يمكن التفكير بأن الذين اعتقلوا الظواهري في جمهورية داغستان الروسية، لديهم اليوم ما يحزنون من أجله، فقد خسروا ملايين الدولارات الأمريكية السخية، وفرصة أن يكونوا مشهورين. 

التعليقات (3)

    HOPE

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    اذا لم يكن هناك خيط خفي يربط هذه التنظيمات باجهزة المخابرات حول العالم فان افعالها تدل انهم يعطون الحجه لضرب الاسلام والمسلمين حول العالم بتهم جاهزه. هذا الفكر المتطرف كاي افكار متطرفه اخرى يمينيه(نازيه او فاشيست) اويساريه(شيوعيه) لا تجلب الا الخراب للمجتمعات.ديننا الحنيف دين الوسطيه وكل ما هم غير ذلك يكون حوله اشارة؟؟ كبيره.

    نبيل

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    مقال مهم جاء بوقته دكتور سلمت لنا

    مصطلح

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    لطالما كان هناك حبل متين بين السياسة والتيارات الدينية والموضوعي ببحثه سيراها
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات