إدلب المحروسة.. وأسئلة الأمن وشارع الخمّارة!

إدلب المحروسة.. وأسئلة الأمن وشارع الخمّارة!
نفس الشرطي الذي كان "سجّاناً" في "سجن إدلب المركزي" قبل 28/3/2015، يعمل الآن سجّاناً في الفرع 107 أو 113، نفس الشرطي تماماً باسمه بذاته وبلحمه وشحماته!، وهذان الرقمان ليسا اختراعاً، بل حقيقة دقيقة، فواحد منها للشرطة في "إدلب"، والآخر لما يُسمّى "الأمنية"، ولا تحتاج المسألة إلى إمعان من أجل معرفة كيف تسير الأمور من هذه الناحية أي "الناحية الأمنية"، فهي جيّدة بالفعل، فلا جرائم تُذكر ولا تحدّيات أو مخاطر أمنية معتبرة أو ظاهرة، لكنّ الأسباب في المقام الأوّل -أعتقد- اجتماعية خالصة.

 شعب سوري مسالم خلوق وتعبان، وليس لوجود قدرات عالية في منع الجريمة أو كفاءة مرتفعة في قمعها، أي لا شرطة متطوّرة ولا قضاء مختصّ محترف، بل شبّان ورجال عيّنتهم "قوّة الأمر الواقع" في إدلب، كعناصر شرطة وأمن أغلبهم لم يدرسوا يوماً واحداً في مدرسة أو كلّية شرطة، أو كمحقّقين وقضاة سمعوا سماعاً بشهادات الحقوق، لكنّ الأمور تسير على هذا المنوال.. أمن مستتبّ بلا ترتيبات خاصّة!.

لا جرائم تُذكر في إدلب ولا تحدّيات أو مخاطر أمنية معتبرة أو ظاهرة، لكنّ الأسباب في المقام الأوّل -أعتقد- اجتماعية خالصة. شعب سوري مسالم خلوق وتعبان، وليس لوجود قدرات عالية في منع الجريمة أو كفاءة مرتفعة في قمعها

يمكن بسهولة إدخال متفجّرات إلى إدلب أو تهريب ممنوعات أو سرقة بيت أو سيّارة أو قتل شخص ورميه في صندوق السيارة ونقله مروراً بحاجز ما، والحواجز كثيرة، لكنّ الهدف من تكثيرها إظهار فاعلية "الوجود الأمني" والتأكيد على المتابعة المستمرّة والحراسة الدائمة، مع أنّ أكثر ما قد يعترضك عند المرور بحاجز أن يُطلب منك فتح النافذة الخلفية للسيارة إن كانت "مفيّمة"، أو أن تُسأل عن وجهتك، وقد تتعرّض بين مئة مرّة تمرّ فيها إلى طلب فتح صندوق السيّارة وبلا تفتيش، وستعجبك حتماً معاملة العناصر اللطيفة والسلام عليك بكلّ أدب وتلبية طلب أيّة مساعدة ممكنة، وستقول لنفسك وللآخرين: إدلب آمنة وعناصر الأمن محترمون وطيّبون، وهذا هو المشهد الذي تراه بأمّ عينك وقد تعتبره "حقيقة"!. 

الحقيقة أنّ إدلب ليست آمنةً ولا أهلها آمنون، وسيأتي يوم يصحو فيه الناس على أوجاع جديدة حين ينتبهون إلى هذه الحالة العجيبة التي تتناول مقاديرهم، وعندما يتذكّرون أنّ قائمة أهداف الثورة لم تتضمّن أبداً المطالبة بأمن المجتمع السوري بالصورة التي يصوّرها واقع إدلب الآن، وكي أحدّد، فعلاً وبالفعل لم يكن في إدلب ولا في غيرها من أنحاء سوريا "السابقة" معدّلات جريمة مرتفعة أو جرائم مروّعة أو فلتان أمني معتبر مقلق، وبالفعل كانت النساء يعُدن من الأعراس في ساعات متأخّرة إلى بيوتهنّ لا ترافقهنّ سيّارة نجدة أو عنصر أمن، فسيّارات النجدة لا تتحرّك بسبب الأعطال الدائمة أو الوقود المسروق، وعناصر الأمن لا يغادرون المقرّات الأمنية إلّا إلى منازلهم بعد الانتهاء من المناوبة، ووظائفها وهي الأكل والشرب وتبييض التقارير وتعذيب الموقوفين. 

يقضي "حازم" وقتاً طويلاً في "شارع الخمارة" بإدلب، وما زال يتعرّض لأسئلة المارّة السوريين الذين عبروا إلى إدلب ومكثوا فيها: وين شارع الخمّارة أخي (وليس خاي)؟، فيُشير إلى الشارع مباشرةً، هاد هوّي، بس ترى ما ضلّ خمّارة!، وحين ضحكنا مرّةً وسألناه: ما هذه الإجابة؟، أصلاً الخمّارة وكانت الوحيدة في إدلب، لم تعد موجودةً منذ زمن طويل، منذ ثمانينات القرن الماضي، فلماذا تذكرها الآن؟، فيردّ: ليش أشو ضل بإدلب ما تغير غير الناس؟، عالقليلة خلونا نتذكر شي، وبعدين شفتوا حدا سأل عن "شارع الأندلس"؟، شارع الأندلس هو الاسم الجديد الذي أطلقته "الجهات المعنية" على شارع الخمّارة، لكن وبالطبع.. لن يبالي أحد، وأيّ تغيير لأسماء الشوارع أو المدارس أو المعالم أو تحوّل في المشهد العامّ أو في حياة الناس بكلّ أساليبها ومرفقاتها لن يعني شيئاً على الإطلاق، وهذا ما حدث لإدلب وبها، ظلّت على حالها مع لطخات مُزعجة وبشعة هنا وهناك وهنالك، في كلّ مكان، تلوّث بصري سمعي وبيئي، ازدحام رهيب، ارتفاع عجيب في الأسعار، وأمن مستتبّ!. 

يقضي (حازم) وقتاً طويلاً في "شارع الخمارة" بإدلب، وما زال يتعرّض لأسئلة المارّة السوريين الذين عبروا إلى إدلب ومكثوا فيها: وين شارع الخمّارة أخي، فيُشير إلى الشارع مباشرةً: "هاد هوّي، بس ترى ما ضلّ خمّارة!"

"حازم" لمّاح ذكي بالفطرة، مطّلع وصاحب فكر وضمير، سألناه: طيّب خاي، اش عميصير؟، فقال: بزمناتو.. خوالي وعمامي وهم أبناء عمومة وأقارب نسب وحسب ومصاهرة اختلفوا بخصوص قطعة أرض "برّية" جنوب شرق إدلب بالقرب من "قميناس"، ولم يكن الخلاف بين الأخوال من جهة والأعمام من جهة، بل بين الجميع، أي بين الأخوال والأخوال، والأعمام والأخوال، والأعمام مع الأعمام، والأعمام ضدّ الأخوال، هكذا حتى انبرى الأستاذ المحامي "عبد الواحد مرتيني" ليحلّ المشكلة بالتراضي وبواسطة القضاء، فأصبح أبي "حارساً قضائياً" على الأرض المتنازع عليها، باعتباره طرفاً وسيطاً وبسيطاً. 

تابع "حازم": عمّي "حكمت" لم يعجبه الحلّ، لكنّه وعلى الفور بدأ بإرسال المؤن إلينا في البرّية، خالي "أبو نوّار" قطع علاقته معنا لكن بشرط ألّا يفقد "حقّ الارتفاق" الذي حصل عليه بقرار محكمة نظامية (هكذا كان يصف المحاكم أيّام النظام) ليتمكّن من الوصول إلى أرضه شمال برّيتنا التي ليست لنا لكنّها كذلك!، وحتّى خالتي "خلود" وهي في نفس الوقت زوجة عمّي وابنة عمّه وابنة عمّ أبي بالنتيجة، صار شغلها الشاغل إطعامنا، وليمة تأتي وأوعية تذهب كي تمتلئ بالطعام من جديد، وكنّا نظنّ ذلك تقرّباً وتحبّباً وانجذاباً، فاكتشفنا أنّ لخلود الخالة والعمّة معاً، مآرب أخرى "عفوية" تماماً!. 

المهمّ.. نحنُ وخلال سنوات تأقلمنا مع فكرة أنّ هذه الأرض التي أُوكل لأبينا مهمّة حراستها "قضائياً" هي ملك خاصّ له، وأنّه يسيطر عليها تماماً ولا يمكن لأيّ عمّ أو خال أو عمّة أو زوجة خال أو أي فهيم أو بهيم من جوّا السقّاطة أو من خارجها فرض إملاءات أو شروط بخصوصها، ولقد مرّت سنوات وسنين ونحن على هذي الحال، واعتقد الكثير أنّ أبي هو المالك الحقيقي للبرّية!. 

اي يا حازم وبعدين؟، قال حازم: ماش، (أي لا شيء بالإدلبي)، ماش ماش، ما في شي، نفّذ أبي الاتّفاق وحرسنا معه وظهرنا وإيّاه بمظهر الملّاك الحقيقيين، ولم يصدر حتى اللحظة أي قرار يقضي بتسليم الأرض لأحد، حتّى مكثنا لا نفكّر البتّة في "التسليم"، وكلّما كنّا نسأل الأستاذ عبد الواحد: ما هو مصير هذا الاعتياد؟، كان يقول: العلم عند ربّ العالمين، بس طولوا بالكن لنشوف، فظللنا ماكثين غير مالكين، نهرول في مكاننا بلا أيّ تقدّم أو قيم مضافة، ولا نهتمّ!. 

لا شيء في إدلب جديداً يُلحَظ سوى عشرات المطاعم، عشرات محلّات البوظة والحلويات، عشرات "الكومجية"، وآلاف من السيارات والدرّاجات النارية، والأهمّ الأبشع من ذلك كلّه التفاوت العجيب الغريب العصيب بين الناس

لا شيء في إدلب جديداً يُلحَظ..

 سوى عشرات المطاعم، عشرات محلّات البوظة والحلويات، عشرات "الكومجية"، وآلاف من السيارات والدرّاجات النارية، تلوّث وفوضى، والأهمّ الأبشع من ذلك كلّه التفاوت العجيب الغريب العصيب بين الناس، الذي وفي "شارع الخمّارة" عبّرت عنه "سارة" وهي في السادسة من عمرها حين قالت لأبيها وكانت تركب خلفه على درّاجة نارية مع أمّها وأخويها أيضاً: بابا ليش هاد "الشيخ" ريكب هي السيارة الكبيري لحالو، ونحنا كلياتنا عالموتور؟. 

التعليقات (8)

    مواطن سوري

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    مقالة رأي .. ولكني لم أفهم الرأي ... بعبارة أصح لم أرى موضوع جدالي والكاتب يدلي برأيه فيه المقالة عبارة عن خاطرة مع بعض الذكريات المهشمة ووصف شخصية حازم لقصة غير مهمة حول الحراسة القضائية ولكن لا يفوتنا إشادة الكاتب الضمنية بـ(الأمن والأمان) على قولة إعلام النظام الذي كان ينعم به السوريون قبل الثورة !

    بلال

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    المقال جدا عميق و يجعلنا نعيش التفاصيل التي نفتقد نتجة للبعد . نحن بحاجة بكثيرة لمثل هذه المقالات التي تنقل الواقع من كل مناطقنا.

    ام سليمان

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    نسبة الجريمة في اي دولة من العالم مرتفعة بالمقارنة مع ادلب واي دولة لاتخلو من الجرائم . ولاتقول ايام النظام ما كانت جرائم ، قل الناس اخلاقها تختلف حسب الزمن. حتى في عهد الصحابة رضي الله عنهم كانت السرقة . فالكاتب للمقالة بالغ .

    محمد

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    بكل بساطة ياعمو لأن الشيخ حرامي وابوكي ما صرلو يكون متل الشيخ الشعب على الغالب زبالة وما حدا بيصرلو وبيقصر

    عبد الله

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    اهالي ادلب والمحرر تحت تأثير ابرة بنج ومخدر والكارثة العظمى عندما سوف ينتهي مفعول هذا البنج

    عبدالله

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    لايصلح العطار ما افسده الدهر

    محمد اسلاف

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    اورينت والنظام وجهان لعملة واحدة أخزاكم الله أعطوني فائدة واحدة لهذا المنشور

    مهجرة

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    أهالي ادلب مو فارقه معن قاعدين ببيوتن وارزاقن بس الله يكون بعون المهجر
8

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات