غادة السمان تكتب عن الجرائم: حكايات يفضل المرء ألا يصدقها!

غادة السمان تكتب عن الجرائم: حكايات يفضل المرء ألا يصدقها!
لم أسمع من قبل عن رجل قتل أحد أطفاله لقهر زوجته (أمهم!).. لكن هذا النمط من الإجرام تكاثر مؤخراً.. ولا ينقضي شهر إلا وأقرأ عن جريمة من هذا النمط.. أي أن الأب يقتل أحد أطفاله ليدمي قلب الأم، زوجته كانت أم رفيقته. وهكذا قرأت مثلاً في مجلة «كلوسر» الفرنسية (22-7-21) عن رجل إسباني (توماس جيموند) هجرته رفيقة عمره بسبب عنفه نحوها، فما كان منه إلا أن قتل طفلة من طفلتيهما وهرب ومعه الطفلة الثانية، فهل يقتلها؟

العنف الزوجي (بالوكالة)!

توماس جيموند قتل الطفلة الأولى له ولشريكة عمره (أي ابنته!) ليقهرها ويدمي فؤادها، وهرب بالطفلة الثانية!.. مما لا شك فيه أنه حقق انتقامه من شريكة العمر التي هجرته، لكن ماذا عنه هو؟ ألم ينفطر قلبه وهو يقتل طفلته؟ وهل الحقد الزوجي أكبر من الحنان الأبوي؟ الشرطة تبحث عن هذا الرجل ومعه طفلته الثانية، التي ينوي قتلها (مع وقف التنفيذ حتى الآن!).

أنا كاتبة سورية شامية عتيقة، كان والدي الملجأ الأول لأبجديتي وجراحي، ولذا جريمة قتل أحد الآباء لولد من أولاده (أو بنت) جريمة مروعة حقاً، لكن ذلك يحدث!

يقتل ابنته بعد تعذيبها

وثمة حكايات يفضل المرء ألا يصدقها لأنها مؤلمة، هذا لو لم تنشر في منابر إعلامية راقية مع أسماء (أبطالها). هذا رجل سوري لعله ينتقم من زوجته السابقة بإذلال أطفالهما حتى الموت. وتسكت على ذلك زوجته الجديدة. وها هو يسجن ابنته (5 سنوات) في قفص من حديد مقيدة بالسلاسل ويحرمها من الطعام ويعذبها حتى الموت.

هذه الحكاية المروعة لا تصلح فيلماً لأنها لا تصدق، لكنها حدثت.

ألهذا الحد تخفي الطبيعة البشرية عفناً وشروراً؟ هذا النمط من القصص يؤلمني، وبالذات إذا مرت دون عقاب الأب المجرم لأنه كان محسوباً على أحد الفصائل العسكرية، ما منع الناس من الشكوى ضده أو إنقاذ الطفلة من «وحشيته» هل يعقل الصمت عن ذلك؟ وأتخيل ماذا يمكن أن يفعله هذا الوحش المتخفي في جسد رجل، ماذا يمكن أن يفعله لمعتقل لديه! أعتقد أن الصمت على حكاية كهذه جريمة بحد ذاتها!

الأطفال ضحية الشجار الزوجي!

كيف يمكن لأب أن يقتل طفلتيه ويلقي بجثتيهما في البحر، انتقاماً من أمهما، شريكته السابقة؟ لكن حدث ذلك في إسبانيا، وكم تألمت لقراءة هذا الخبر عن قتل رجل طفلتيه وحملهما في قاربه ليرمي بهما في عرض البحر.

وسرني أن اختفاء الطفلتين تسبب في خروج مظاهرات غاضبة.. فالنفس البشرية ليست كلها مفطورة على الشر. لكن المتظاهرين لم يخطر ببالهم أن اختفاء الطفلتين سببه قتل والدهما لهما!

أعتقد أن على من يريد الانتقام من شريكته السابقة الانتقام المباشر منها، فالأطفال ليسوا أدوات تعذيب للشريكة السابقة، بل هم بشر أيضاً وليسوا ملكاً له يستعملهم كما يشاء، وحتى بقتلهم نكاية بأمهم.

هل الأم بريئة من ذلك؟

مقابل هذه القصص المروعة، لا نستطيع تبرئة المرأة من استعمال الأطفال أداة انتقام كما يفعل بعض قاتلي أولادهم، لكن المرأة تكتفي غالباً بقهر الزوج السابق دون قتل الأطفال، لكن بحرمانهم من أهم ما في حياة الأطفال: الحضور الأبوي.

وكمثال، اخترت ممثلة شهيرة هي إنجلينا جولي التي اقترفت ذلك حين حرمت أولادها من والدهم، النجم براد بِت. فقد علمتهم كراهيته، وقلما يلتقون به، حتى أنه أقام الدعوى عليها لكي تكون حضانة أطفالهما مناصفة. وفي قصص كثيرة مشابهة، يقضي كل من الزوجين السابقين وقته مع الأولاد في زرع الكراهية في قلوبهم، وهذا نمط من أنماط القتل النفسي. وكل طفل بحاجة إلى أم وأب.

الطبيعة البشرية: حب وكراهية معاً!

مقابل هذه القصص المروعة عن قتل بعض الآباء لطفله نكاية بزوجته، هذا ناهيك عن انتقام المرأة من زوجها السابق بقتل حب أولادهما لوالدهم، وهو نمط من أنماط القتل والتشويه لنفسية الأطفال… نرى في هذه الحكايات أن النفس البشرية عارية من الأقنعة: حب وكراهية في آن، والأطفال يدفعون الثمن. وربما لذلك نتحمس لمشاهد الحب بين رجل وأمرأة على وشك الزواج، ونتمنى لهما ألا يقعا في فخ الكراهية الزوجية المتبادلة، وقد شهدت باريس مشهداً جميلاً للحب الذي لمّا (يتسخ) بعد.

يركع طالباً الزواج منها!

ثمة عادة غربية بأن يركع العاشق أمام الحبيبة ويطلب منها الزواج منه، وإذا قالت نعم -وهي غالـــباً ما تقولها- يتم الاتفاق على هذا المـــشهد (المسرحي) من قــــبل، ويفرح به جمهور مسرح الحـــياة.

آخر هذه المشاهد حدث في «شارع الشانزليزيه» في باريس يوم العيد الوطني الفرنسي الأخير.

العاشق ضابط في المدرسة الحربية، قال لزملائه إنه سيطلب الزواج من حبيبته في شارع الشانزليزيه الباريسي الشهير، وأوصى الحراس بتركها تمر إلى قلب الشارع، وهكذا انفصل لدقائق عن موقعه في الاستعراض العسكري وركع أمام المحبوبة أمام وسائل الإعلام العصرية، طالباً الزواج منها، وصفق الجميع حتى بعض الذين شاهدوا المشهد على شاشات التلفزيونات الفرنسية والعالمية… فالحب أجمل من الكراهية.. والرغبة في الحياة الزوجية المشتركة أبهى من الحقد المتبادل.. لكن، تبدأ قصص الحــب كلها على هذا النحو، ويأتي الزواج كخطوة إلى السعادة حيث لا يواجه المرء وحــيداً صـــعوبات الـــحياة، لكنـــها تنتهي أحياناً بالكراهية، حيث يركع الزوج للحقد ويقتل أحد أولاده نكاية بالزوجة ولإبقاء نار الحزن في قلبــــها إلى الأبد.

لكن مـــاذا عن قلبه، ألا يـــتألم الأب حــين يــقتل فلــذة كبده نكاية بزوجته وليسبب الألم؟ أم أنه قد يتألم أكثر منها ويفوت وقـــت الـــندم؟

المصدر: جريدة (القدس العربي)

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات