حادثة الطبيب عثمان حجاوي.. سوريا ليست للسوريين!

حادثة الطبيب عثمان حجاوي.. سوريا ليست للسوريين!
فصلت إدارة مشفى مارع بريف حلب الشمالي المحرر والتي تتبع لتركيا إداريّاً الطبيب السوري "عثمان حجاوي" بسبب ممرّض تركي يعمل في المشفى، وقد صدر القرار من رئيس الأطباء التركي، وأيضاً صدر القرار باللغة التركيّة، في حادثة معروفة على نطاق واسع، أثارت ردود أفعال واسعة مستنكرة للقرار! 

عبّر السوريون عن غضبهم من سيطرة القوات التركيّة على كافة مراكز الخدمات في الشمال السوري المحرر، والذي يسيطر عليه ما يسمّى بـ"الجيش الوطني" وهو تابع لتركيا إداريّاً وعقائديّاً، وقد ازداد هذا التدخّل لدرجة كبيرة آخرها ماكان من أمر "الطبيب عثمان حجاوي".

إن الناظر للحدث بشكل منعزل عمّا سبقه من أحداث طويلة وما سيتبعه من أحداث أيضاً، سيراه أمراً شديد الحساسية وهو ما فجّر التظاهرات وردود الفعل التي تبعت الحدث، لأنه يمسّ الشخصيّة السوريّة في محطيها الجغرافي، وغالبية هذه الردود وحالات الاستياء صدرت من جهات مدنيّة وشعبيّة، بينما لم تظهر على صعيد القوّة أي ردّة فعل "من الجيش الوطني، أو حتى  "الائتلاف المعارض".

 غالبية  الردود وحالات الاستياء صدرت من جهات مدنيّة وشعبيّة، بينما لم تظهر على صعيد القوّة أي ردّة فعل "من الجيش الوطني، أو حتى  "الائتلاف المعارض".

إذا ربطنا هذا الحدث ووضعناه ضمن صيرورة الأحداث السوريّة الطويلة فسنجده أمراً عاديّاً وربّما هو أقلها حساسية، فمع نهاية  2015 بدأت تركيا بتطويع فصائل الثورة وإدخالها تحت عباءتها، وإقصاء قسم منها ووضع الكثير من الشخصيّات في مراكز القيادة، ودعمهم بشكل خاص، وقد أدّى هذا الأمر إلى نتائج كثيرة على الصعيدين المدني والعسكري في الشمال السوري.

أمّا إذا نظرنا إلى مناطق سيطرة "نظام الأسد" فسنجد أنّ روسيا تقوم بالفعل ذاته أو ماشابهه مع بقايا الجيش السوري، فقد أقدمت روسيا في بداية 2015 وبعد فشلها في هيكلة الفيلق الرابع والميليشيات التابعة للنظام، بإنشاء مايعرف بـ "قوات النمر" وتجهيزها وتدريبها ولا تزال إلى الآن، وقد أصبحت أوّل قوّة تابعة لروسيا بشكل رسمي، إضافة إلى قيامها بالعديد من الإقالات الّتي مسّت ضبّاطاً سوريين في الجيش، وكذلك أصبحوا يتحكّمون في أبسط قراراته، وهو ماكان جليّاً في إهانة الضابط الروسي لرأس نظام أسد في حميميم.

وبالتوازي مع ذلك أيضاً، نجد أن القوات الإيرانيّة تعتمد السياسة ذاتها، في تاريخ 5/2019 قامت ميليشيا "الحرس الثوري" التي تسيطر على مطار دير الزور العسكري، بالإطاحة بالضباط الذين يخدمون في المطار والبالغ عددهم 15 ضابطاً تتراوح رتبهم بين مقدم وعميد ركن ومعظمهم مسؤولون عن كتائب الدفاع الجوي المحيطة بالمطار.

ووقعت الإقالات من جانب "الحرس الثوري" خلال فترة قصيرة، فيما لم يصدر أي تعليق من نظام الأسد على ما حدث وقتها، والتي  كانت تأتي ضمن تنامي سطوة الاحتلالين الروسي - الإيراني في سوريا.

أمّا في شرق سوريا، فالحال ليس بأفضل من سابقيه، فقد سيطرت شخصيّات من حزب العمال الكردستاني على مراكز القرار والحل والعقد في القوّات الّتي تسيطر على شرق سوريا إضافة إلى تنامي سيطرتها على المجال المدني من أجهزة سياسية وخدميّة، وهذا ما أكّده الضابط "طلال سلو" أنّه على الرغم من الوجود العربي والسرياني في تلك المنطقة، إلا أنّ الكلمة الفصل كانت لقياديين في حزب العمال الكردستاني، القادمين من جبال قنديل، وأيضاً تمّ فرض اسم "مظلوم عبدي" من قبل تلك القيادات، كذلك أسماء أخرى "ليلى مصطفى، بولات جان" عام 2014، وقد شهدت المنطقة الكثير من الأحداث الّتي أنجبت ردود أفعال مؤقتة.

 

كل هذه الأحداث ليست منقطعة عن حادثة إقالة الطبيب "عثمان حجاوي" بسبب ممرّض تركي، بل هي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً به وما هذه الحادثة سوى استمرار لتلك السياسة الّتي تنتهجها الدول المسيطرة على سوريا بكافّة أشكالها، فسياسة الدول لا تُبنى على العاطفة بقدر ما تحملها المصلحة والمنفعة، وحتّى إن اختلفت توجّهات الدول وتعاطيها مع الحالة السوريّة، فإنّها تكاد تتشابه في السلوكيّات.

فعلى مرّ التاريخ نرى أنّ الدول لا تستطيع التدخّل في شؤون أي مجتمع حتّى تقصيه شيئاً فشيئاً من صناعة القرار أو أبسط القرارات، وما يساعدها على ذلك هو القوّة الّتي تجمعها من ذلك الشعب ثمّ تفرّغها من محتواها الحقيقي والإيديولوجي وتُعيد أدلجتها بما يتلاءم مع سياستها.

 على مرّ التاريخ نرى أنّ الدول لا تستطيع التدخّل في شؤون أي مجتمع حتّى تقصيه شيئاً فشيئاً من صناعة القرار أو أبسط القرارات، وما يساعدها على ذلك هو القوّة الّتي تجمعها من ذلك الشعب ثمّ تفرّغها من محتواها الحقيقي والإيديولوجي وتُعيد أدلجتها 

رغم أن مجريات الحرب التي اختلقتها الدول المتنازِعة على سوريا -ومنهم حلفاء النظام-، الدائرة منذ سنوات في سوريا قد أفرزت واقعاً جديداً يعكس وجود قوى عسكرية مختلفة، فإن هذه القوى لا تمثل أي جماعة بعينها في سوريا قومية كانت أو دينية، بل تمثل قوى مغتصبة للأرض، وتسعى إلى سلب إرادة السوريين من السوريين أنفسهم، بعد تفريقهم إلى جماعات منفصلة ومكونات متنافرة، وهذا حالهم في كل المناطق.

إذ نرى أن لا مكان للسوريين في سوريا، وقد حوّلتها القوى المتصارعة وعلى رأسها النظام بعد سنوات قليلة من الثورة إلى مسرحٍ للصراعات الإقليمية والدولية، وفقد فيها السوريون أي موقعٍ يسمح لهم بالمشاركة في تقرير مصيرهم، بل أكثر من ذلك، فقد السوريون أنفسهم البوصلة الوطنية، فصار كل فريقٍ يسعى لكي يحظى برضا جهة يكون ذراعها الّتي تنفّذ ماترغب به بصفة شرعيّة نوعا ما.

أدى ذلك طرداً إلى أن يعيش السوريون اليوم حالةً من الضياع الفكري والسياسي والاجتماعي معاً، فبعد أن فقدوا المبادرة، وأصبحت الدول المحتلّة هي المتحكمة بسير العمليات العسكرية والدبلوماسية، لم يبقَ لهم سوى رد الفعل المؤقّت على كل حادثة وما تلبث أن تُنسى وتتبعها حادثة بذات السياق، ولم يعد أكثرهم يرى مخرجاً قريباً دون التعلق بأذيال هذه الدولة الأجنبية أو تلك. ولم يعد بمقدرة قادتهم أو من هم في حكمهم، معرفة أين يتوجهون، سواء في الشمال أو الجنوب أو الشرق والغرب.

 

 يجد السوريون أنفسهم اليوم، معارضين وموالين، معلقين في الفراغ، أو بالأحرى في حالة انعدام الوزن، مجرّدين من أي إرادة وقرار، لا يملكون من أمرهم شيئاً. فقد انتهى النظام القديم، ولم يعد بالإمكان إعادة تأهيله، وانهارت معه قواعد عمله وقيمه وتقاليده، ولم يبق لدولة الأسد إلا هويتها الجديدة اليابسة وقد تحولت سوريا بعد سنوات قليلة من الثورة إلى مسرحٍ للصراعات الإقليمية والدولية، وفقد فيها السوريون أي موقعٍ يسمح لهم بالمشاركة في تقرير مصيرهم، بل أكثر من ذلك، فقد بدأ الجميع يبحث لنفسه عن مخرج وموطن بديل وموقع يضمن له المحافظة على البقاء والعيش في أي شروط ممكنة.

 لا مكان للسوريين في سوريا، وقد حوّلتها القوى المتصارعة وعلى رأسها النظام بعد سنوات من الثورة إلى مسرحٍ للصراعات الإقليمية والدولية، وفقد فيها السوريون أي موقعٍ يسمح لهم بالمشاركة في تقرير مصيرهم، بل أكثر من ذلك، فقد السوريون أنفسهم البوصلة الوطنية، فصار كل فريقٍ يسعى لكي يحظى برضا جهة يكون ذراعها 

وعلى الرغم من انتهاء الحصار الذي كان يفرضه النظام على الشعب بأكمله، ليمنع عنه النور والرؤية والتفكير المشترك والتواصل، وعلى الهوامش وفي المغتربات وداخل مخيمات اللاجئين وصفوف المشردين والمنكوبين، وفي مئات الجامعات العالمية التي يدرس فيها آلاف الطلبة السوريين في كل الاختصاصات، يتكون مجتمع سوري جديد، خارج عن سلطة النظام ونقيض لها، إضافةً إلى ثورة الحريّة الّتي خاضها السوريّون وعرفوا فيها معنى الحريّة والانعتاق من حكم الدكتاتور ورغم ذلك:

"مازال بقدرة أصغر مواطن تركي، روسي، إيراني، قنديلي، أن يتحكّم بمصائر الكثيرين من هذا الشعب و بمصائر الكفاءات والأكاديميين منهم أيضاً، وما هي إلّا رسالة متكرّرة بالكثير من اللغات تقول: "سوريا ليست للسوريين"!

التعليقات (2)

    HOPE

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    قد تكون الازمه التي وصلت اليها الاوضاع في سوريا غير مسبوقه من حيث الفتره الزمنيه للصراع وشدة القتل الذي حدث والتهجير وغيره. مع الوقت قد تظهر ماسي كتيره ولكن ... ولكن يبقى الامل. لو كل شعب حكمه ديكتاتور باع كل شيء في سبيل مصلحته كنت رايت التاريخ مكتوب بشكل مغاير كليا. رغبة الشعوب بالتحرر منذ الازل كانت لها الغلبه طال الزمان او قصر. والتاريخ يشهد!

    HOPE1

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    ما تعرض له الفلسطينيين من قتل وتهجير لا يقل عما يحصل الان في سوريا. قد يكون هناك من خان القضيه الفلسطينيه ولن فلسطين الان وبعد اكتر من 100 سنه من بداية المؤامره وحوالي 75سنه من تاسيس الكيان الصهيوني لازالت في وجدان اهلها للجيل الرابع من تهجر وقي قلب كل فلسطيني في الضفه واراضي 48. كسوريين لسنا اقل وطنيه وحبا لارضنا من الفلسطينيين.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات