حزب الله: تشوهات عميقة لا تخفيها عمليات التجميل!

حزب الله: تشوهات عميقة لا تخفيها عمليات التجميل!
 في جمهورية ناشئة على لعنات الجغرافيا - كالجمهورية اللبنانية - وتوازن ديمغرافي متضارب متناقض المكونات، لا يشكل ظهور جماعات سياسية معينة وتفردها بزمام السلطة، حلاً نهائيا لمشكلات الكيان، بل يعد ظهور الجماعات والتيارات الميليشاوية في هذه البيئة، دليلا إضافيا على إمكانية صعود قوى على حساب أخرى... وذوبان طرف أو مكون، وظهور آخر بشكل فجائي، وهو ما لا يقيم اعتباراً لأي معطى واقعي، لأن الميليشيات في هذه البيئات لا تسعى إلى الاستبداد بالسلطة وتحصين الدولة لصالحها، بل تقوم على معاداة الدولة واستيراد نموذجها المفضل، وتسعى لتدويله بالقسر والإكراه، وهو ما يصير في النهاية إلى ذوبان النموذج وظهور مضاده.

 إن ظهور حزب الله مشروط بالانتماء الأبدي المطلق لمشروع ولاية الفقيه، وهو أمر لم يتردد حسن نصر الله بتأكيده في أكثر من فيديو شهير يعيدنا إلى صورته شابا متقدا بالحماس والإيمان، وهو يقول ملء فمه: إن مشروعنا الذي لا خيار لنا بتبني غيره كوننا مؤمنين عقائديين هو مشروع الدولة الإسلامية وحكم ولاية الفقيه. 

فلا يمكنه التحرر من قبضة الولاية المستقرة في قم وأصفهان، هذا الظهور الذي لبس لبوس المقاومة ضد إسرائيل، وتحرير الشيعة اللبنانيين من قبضة الإقطاع وسطوة الطوائف الأخرى في الدولة اللبنانية آنذاك، وهذه عملية توأمة مركبة بين حزب الله وجمهوره الشيعي، وإن زالت شيئا فشيئا، إلا أنها جعلت من سلطة ولاية الفقيه على الشيعة أعمق وأدق مع مرور الوقت. 

  ثم إن وجود النظام السوري في لبنان بعد اتفاق الطائف، كان محاولة جريئة ليس للفصل بين اللبنانيين، بقدر ما هو حلقة وصل بين مشروع الخميني والأقليات بصورة عامة، وبين الشيعة بصورة خاصة لكثافة وجودهم في الجنوب اللبناني المتاخم لحدود إسرائيل، فمما لا شك به أن النظام الإيراني الجديد كان وما زال بحاجة إلى مكسر عصا في إدارة سياساته الخارجية مع الولايات المتحدة، وليس أفضل من إسرائيل للدفاع عن سياسات طهران وغض النظر عنها! 

 وهنا تلاقت إيران مع شيعة لبنان عقائديا وجيوستراتيجيا وأقلياتيا، لاعتبارات ديمغرافية تتعلق بقاعدة أصيلة (الأقليات جسر عبور المحتل إلى أي بلد)، هذه التركيبة استمرت وأنعشت وجود حزب الله كمنظمة شيعية واحدة تتفرد بصياغة سياسات أقلية بأكملها، وأي خلل بأركان المنظومة المتكاملة هرميا سيؤدي إلى انهيارها وذوبانها سريعا، وهو ما تجلى "باتفاق دمشق" بين حركة أمل وحزب الله الشيعيتين برعاية إيرانية لإنهاء الاقتتال عام 1989 والانخراط في مشروع الجمهورية الثانية، لتكييف سائر الطوائف بالعصا والجزرة مع الواقعية الجديدة التي تفرضها إيران من تحت الطاولة!

  وهنا كان لا بد من تنظيف الجنوب اللبناني من أي وجود لفصائل المقاومة الفلسطينية السنية، والفصائل اللبنانية السنية، والتيارات اليسارية الشيعية المقاتلة ضد إسرائيل، ومن ثم العفو الضمني عن مئات الأفراد المتورطين بشبكات التجسس لإسرائيل والتي يمثل الشيعة فيها النسبة الكبرى، بحكم أن مناطق التماس ذات غالبية شيعية، لتقوم على ذلك عملية حفظ أمن استراتيجية متبادلة بين حزب الله والكيان الصهيوني!

ما يجعل حزب الله في حلقة فساد منظم ومدبر، على مستوى الطائفة وهو ما يعمل  اليوم على قوننة وشرعنة زراعة وبيع المخدرات وحماية عصابة السرقة والنهب التي تمثل دخلا سياديا لأبناء المناطق الشيعية المهمشة التي ترفد الحزب بالعنصر البشري والموارد المالية اللازمة، وعلى مستوى الدولة وهو ما يعرف اليوم بالدويلة، التي تمثل ضرورة متبادلة لزعماء الطوائف والساسة، وحاجة ماسة لتغطية سياسات الطائفة ووجوهها المتصلين بمشروع ولاية الفقيه.

هذه السياسات لن تطول كثيرا في بيئة شرق أوسطية مشتعلة، ليكون الربيع العربي طلقة النهاية التي تطلق إلى صدر ولاية الفقيه التي كانت تعمل بجد وخفية وتقية من أجل تفتيت الوجود العربي وإنهاكه واقتلاع قوى الأكثرية فيه. 

ولعل تفشي موجات التحرر في المنطقة العربية يضاعف الخطر على مشروع الولاية لسببين اثنين: 

الأول: اهتزاز ثقة الشعوب العربية بالمؤسسات الدينية بشكل عام، وولاية الفقيه كمشروع عقائدي بشكل خاص.

 والثاني: يتجلى بحقيقة مطلقة لدى المسلمين بأن إيران مشروع خبيث قومياً وعقائدياً ويستهدف الإسلام في جوهره؛ وهو ما أيقظ العرب السنة من غفلتهم وتعففهم عن السياسة، فكانت الثورة السورية نقطة العد العكسي في عمر الولاية التي طال عليها الأمد واستعدت البعيد والقريب وعزلت نفسها بسياسات من العصور الوسطى، فكانت مشاركة حزب الله إلى جانب نظام أسد، ورقة التوت التي ستعري المشروع الإيراني تماما، وخاصة مع طول عهد الثورة وبسالتها، ما يدفع إيران إلى مزيد من الإجرام والإجرام، واستغلال نفوذها المتمدد خلال 30 عاما في بنية الأقليات وعلاقاتها الاستراتيجية مع المجتمع الغربي، لضرب الديمغرافية العربية السنية وتعطيل حضورها في الشأن السياسي لدول المنطقة، ما يعني ظهور الدويلات الإثنية والقومية المختلفة والتي ستتولى جميعها حفظ أمن إسرائيل بطريقة ميكانيكية وعضوية.

ليدخل الحزب في سلسلة معارك في الداخل والخارج، كلها تؤدي إلى تآكل تقيته، وانكشاف عورته، وانخفاض مستوى قوته، فيضطر مرغما على اعتماد صيغة (جيش وشعب ومقاومة) للحيلولة دون تعرضه لعمليات مضادة من الطوائف الأخرى في المجتمع اللبناني الداخلي (أي تسخير الدولة وجزء من الشعب لحماية نفوذه وضرب خصومه) وهو ما تكرر في السنوات الفائتة بدءا من أحداث عرسال ومروراً بطرابلس وعبرا وخلدة وشويا، وانتهاء في مكان ما. 

الثابت الوحيد في هذه الهزات، هو طموح حزب الله لتحييد خصومه بصيغة طائفية وفوقية منمقة، يبدؤها طائفية وينهيها قانونيا عبر ذراعه المحكمة العسكرية والسجون والمحاكمات المؤجلة، فبكل بساطة كان بإمكان حزب الله تسليم المقتول "علي شبلي" للقضاء وتبرئته بعد فترة، لكن ليس بإمكانه القضاء على خصومه بمواجهات طائفية لضعفه قولا واحدا، فلا بد من تأجيج المؤجج ومن ثم الانسحاب تكتيكيا ليتولى أنصاره وشركاؤه في الدولة مهمة لملمة القضايا وتفتيت الخصوم.

وأحداث حاصبيا دليل آخر على تحالفات المنظومة السياسية اللبنانية في إعادة التعبئة وتنقيح الاصطفافات السياسية التي زلزلت بعد ثورة 17 تشرين وجريمة نسف مرفأ بيروت وانهيار الاقتصاد اللبناني المدوي! ومن جهة أخرى محاولة بائسة للحديث عن هيبة ميليشيا جبانة تلقت ضربات مهلكة في الداخل والخارج، ولا تود المواجهة مع القوات الدولية (اليونيفيل) أو جعلها طرفا في المعادلة، فمعظم قرى قضاء حاصبيا محددة خارج خرائط تطبيق القرار 1701 (خط قوات اليونيفيل)، وتبحث عن فجوة للضغط على إيران لتدرجها في أجندة مفاوضات الملف النووي الإيراني، لأن أذرع إيران إلى الآن غير مدرجة في ملف المفاوضات، وإن تأدية الأذرع التزاماتها مع إيران، يوجب على إيران الاقتناع بجدوى حزب الله في قدرته على جعل لبنان مسرح عمليات تكتيكية لصالح النفوذ الإيراني. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات