وفي غرفتي بالمكتب كان يجلس معي ( جورج عين ملك) مدير تحرير الجريدة، حين اتصل بشار على هاتفي الأرضي وقال لي: وين كنت امبارح؟ قلت له: "كنت بجونيه بلبنان.". قال لي: "ما اتعرفت على بنات؟" قلت: "مبلا.. اتعرفت على بنت مارونية واسمها باسكال". .قال: "مارونية؟" وأحسست أنه انزعج وقال لي: "هدول أعداءنا". قلت له: "مظبوط بس العواطف ما بتفهم بالسياسة"!
أحسست أنه لم يكن مسروراً من الجواب. سعل سعلة خفيفة وأكمل حديثه. وبدون مقدمات هيك خبط لزق: "برأيك إذا أنا اترشحت للرئاسة وخليت حدا يترشح معي بشكل ديمقراطي يا ترى بنجح؟!"
أقول لكم الحقيقة ذهلت من الطرح.. قلت لنفسي: كيف هي بتظبط "تخلّي حدا يترشح؟؟؟". يعني أنت من تسمح وأنت من لا تسمح؟ يعني أن من يريد أن يترشح يجب أن يأخذ موافقتك؟! هذا هو مفهوم الديمقراطية بالترشح؟! وفعلا فعل بشار ذلك فيما بعد، مع كومبارس المسرحية الهزلية من المرشحين بعد ما صار رئيس.
عادة عندما يتصل ويمطرني بالأسئلة بيكون دائما جوابي على رأس لساني، لكن في تلك اللحظة تبخرت كل الكلمات من رأسي، وتلخبطت أفكاري ولم أعد أعرف ماذا أقول له. ما عدت عرفت إن كان يمزح ولا يحكي جد؟ وأنا ما عدت أعرف إذا بدي جاوبه هل بطريقة المزح أو الجد؟!
صفنت لبضع ثوانٍ وبدا لي واقفا ينتظر الجواب، وكأنه طالب ينتظر نتيجة الامتحان. خطر ببالي أن أقول له: "برافو عليك.." لكن تراجعت ربما سيقول لي شو أنا تلميذ بالمدرسة.. تبادر إلى ذهني أن أقول له حاول أن تكون شجاعاً وتخوض التجربة ولكني غيرت رأيي. خفت يقول لي: شو شايفني طرطور؟ قلت لنفسي يجب أن أجد جواباً يكون مناسبا لأنه جاءت اللحظة المناسبة التي قد لا تتكرر، وخاصة أننا كنا مجموعة من الفنانين والمثقفين نحاول جرّه من القصر إلى الشارع أملا بعزله عن أجهزة المخابرات التي كانت مسيطرة عليه آنذاك. طبعا كنا نعرف بأنه (أمل إبليس بالجنة ) لكن حاولنا كسب شرف المحاولة.
تحمست وقلت له بدون تردد: أنت سألتني مرة كيف بتقيس نبض الشارع؟ قلت لك بأن تنزل للشارع وستتعرف بنفسك على الناس بدون حواجز وزجاج "مفيّم"... صدقني إذا بتعملها بشكل حقيقي وبكل شفافية رح تكون سابقة عظيمة منك لأنه بصراحة منذ سنة الـ 1963 ولحد الآن الناس بتطلع بالمسيرات بأوامر، وبتهتف للسلطة بدون مشاعر ، وبتجاملكم بسبب لقمة العيش، ولتجنب أذى تقارير المخابرات.. لذلك رح كون صادق معك ومع نفسي لأنك أنت قلت لي مرة: "انت إنسان ما بحاجة إلي...." صحيح هالشي؟!
كان صامتا على طرف الهاتف. ظننت صمته بأن ثمة توعدا قد ينتظرني، أخذت احتياطاتي للأمر وخلطت المزح بالجد ورميت الكرة في مرماه، وقلت له: إنت كيف بتشوف ثقتك بالنجاح إذا رشحت نفسك مع مجموعة أشخاص؟! جاوبني بصوت بدا خافتا متلعثماً ثم أدرك نفسه، وقال باعتداد وبطريقة عسكرية: "طبعا عندي ثقة وعالية كمان". وتابع يقول:
"تصور من يومين كنت في (عين الفيجة) بمطعم أبو وحيد ع الغدا وما كنت قايل لحدا إنو أنا جايي.. لكن بعد ساعة ما بقي حدا بعين الفيجة وما أجا ليتصور معي. هي شو بتسميها؟ شعبية ولا مو شعبية؟! وكمان صرفت كل المرافقة اللي كانت معي والسيارة كنت أنا عما سوقها. سيارة صغيرة وحتى غيار عادي كمان!
قلت له ممازحا: وكمان ملك السويد بيركب بسكليت لما بيروح على وظيفته. قال لي: "إي بعرف.. بعرف" وضحك ضحكة بلون علم حزب الله، وابتعد كل البعد عن السؤال الذي طرحه في البداية، عن الانتخاب الديمقراطي، وانتقل إلى قصة رواها لي لا تمت للحديث الأول بأي صلة. قال لي: "أمس بعتوا لي صورة كاريكاتورية أنت راسمها عن المعلوماتية اللي أنا أسستها، وقال لي بهجت سليمان علي فرزات عما يتمسخر ع المعلوماتية وراسمك يا دكتور بشار قاعد فوق البغل وقدامك الكمبيوتر! ثم قال معقباً: أنا جاوبتهم مستحيل.
لكن فنان الكاريكاتير داخلي همس بيني وبين نفسي: ليش مستحيل؟ مظبوط كلامهم. أنا بقصد البغل اللي فوق. مو البغل اللي تحت!
------------------------------------------------------
- في الحلقة القادمة: عن الهشتك بشتك خلف كواليس القصر وبورنو الحيوانات برفقة الأيد (خود وهات)
- لقراءة الحلقات السابقة من هذه السلسلة يرجى الضغط على الرابط التالي:
التعليقات (7)