حرب المصطلحات الهلامية ضد الثورة السورية

حرب المصطلحات الهلامية ضد الثورة السورية
بما أنّ لكل لفظٍ معاني مختلفة منها ما هو مأخوذ من ظاهر اللفظ، ومنها ما يؤخذ من الدلالة والتأويل، فقد ظهرت مصطلحات في ظل الثورة السوريّة الّتي كان لها أثر في تجييش الرأي العام. منها ما كان موجّهاً لفئة محدّدة لهدف محدد، ومنها ما كان عاما.

انقسمت هذه المصطلحات إلى قسمين:  الأوّل: ما كان الإعلام يدسّه كرسائل مبطّنة وفي سياقات مختلفة، وقد اختلفت باختلاف الظروف والمراحل الزمانيّة والفئة المستهدفة، وغالباً ما كانت هذه الفئة عامّة وتضم شعباً كاملاً، حرب إعلامية تسير بشكل ممنهج ودقيق، هذه الحرب هي حرب التلاعب بالمصطلحات الّتي لها تأثير كبير على الرأي الجمعي، والتي من خلالها يتم تبرير كل ما يحصل من انتهاكات بحق الإنسانية، وتُشرعن كل الجرائم التي ترتكب، وتعفي الدول والحكومات من أي التزامات أخلاقية تجاه ذلك، إضافة إلى تأجيج الرأي العام وتغيير النظرة تجاه شيء ما ومنح رأي انطباعي مخالف للحقيقة.

حرب إعلامية تسير بشكل ممنهج ودقيق، هي حرب التلاعب بالمصطلحات الّتي لها تأثير كبير على الرأي الجمعي، والتي من خلالها يتم تبرير كل ما يحصل من انتهاكات بحق الإنسانية، وتُشرعن كل الجرائم التي ترتكب

 وقد أثرت هذه المصطلحات وفعلت فعلها سواء في المجتمع السوري أو المجتمعات المراقبة، ومن هذه المصطلحات الّتي عوّمها الإعلام بشتّى توجّهاته ومرجعيّاته.

 

مصطلح معارض ومؤيد

 مصطلح (المعارض) وقد ظهر هذا المصطلح في بدايات الثورة وكان الهدف منه تقسيم المجتمع السوري تقسيماً أيديولوجيا، وفي المقابل منه ظهر مصطلح يلازمه وهو "المؤيّد" وقد شاعت هذه المصطلحات إعلاميّاً وشعبيّاً، وسرعان ما وجد السوريون أنفسهم وهم يحتكمون لهذين المصطلحين، وكان الهدف من ذلك، التغطية على حقيقة ثورة شعب ضد حكم ديكتاتوري مجرم ظالم، فالمعارضة حسب العرف العالمي أقصى ما تصل إليه أن تتقاسم مع الحكومة الموجودة عدة وزارات، بينما الثورة يعني اقتلاع النظام القائم من أعمق جذوره بكل راديكالي، أضف إلى أن المعارضة لا يحق لها أن تطالب بحقوقها بقوة السلاح، فالمعارضة المسلحة مرفوضة ولا تشبه في العرف العالمي والدولي وحتى القانوني سوى التمرّد المسلّح، وهو ما يجعل الرماديّة بالنسبة لكل طرف مؤيد أو معارض هي الطرف المحسوب على الآخر.

 

مصطلح الإرهاب 

 كان الهدف منه إعلاميّاً هو إرسال رسائل إلى البشريّة هدفها تغيير نظرتها تجاه الثورة السوريّة وتهييج التخوّف في العقل الجمعي، لاسيما أنّه مرتبط بالإسلاموفوبيا، أمّا شعبيّاً فقد روج له النظام السوري لتبرير حربه على الشعب السوري الثائر، وخلق قضيَة يوهم جنوده من خلالها لكي يقاتلوا دون أدنى تفكير، إضافة إلى ترهيب القاعدة الشعبيّة المتبقية الّتي يملكها عن طريق هذا المصطلح.

 

الحرب الأهليّة 

هذا المصطلح هو إعلاميّ بحت، والغاية منه هي المساواة بين الجلاد والضحيّة، دون الحاجة إلى الالتزام تجاه أي طرف، ففي الحروب الأهليّة على مر التاريخ لا يوجد طرف قاتل وطرف بريء، بل الجميع مدان، ولا حل لهذه الحرب سوى وقف الاقتتال دون حقوق أبداً. 

  مصطلح الحرب الأهلية إعلاميّ بحت، والغاية منه هي المساواة بين الجلاد والضحيّة، دون الحاجة إلى الالتزام تجاه أي طرف

شهداء أم قتلى؟

ومن التي تخص الإعلام أيضاً تسمية شهداء الثورة السورية بالقتلى وآخرون يسمونهم شهداء، فتسمية الشهيد هو مصطلح إنساني قبل أن يكون دينيا، فكل الأمم على اختلاف معتقداتها تسمي الذين يضحون في سبيل الوطن أو القضيّة بالشهداء، لكن إطلاق تسمية قتلى على شهداء الثورة السورية هو تجريدهم من أنهم قتلوا ظلماً في الدفاع عن حق مشروع لشعبهم، أضف إلى أن تسميتهم شهداء هو اعتراف صريح بأنهم قتلوا على يد عدو، وهذا هو الغاية من خلق مصطلح "قتلى" ووصف الذين قضوا في الثورة السوريّة به، أيضاً لتكريس مصطلح "الحرب الأهليّة".

 

أزمة أم ثورة؟

وإذا ما استعرضنا أبرز المصطلحات التي ساقها النظام في مقابل مصطلحات الثورة لتحوير الحقائق:

الأزمة السورية… مقابل “الثورة السورية” حتى بات الكثير من المحسوبين في صف الثورة يستخدمون مصطلح الأزمة بدلاً من الثورة، وما يعنيه هذا من تزييف التاريخ بأكمله، ونزع صفة الثورة ضد الظلم والديكتاتورية وإلصاق صفة أزمة بين طرفين لا أكثر.

وتبعه الترويج لمصطلح "معارضة" بدلاً من "ثوار" استكمالاً ودعماً لمصطلح أزمة وإظهار الأمر على أنها أزمة سياسية بين حزب حاكم ومعارضة.

 

عصابات أم فصائل؟

لعل أعتى ساحة نشبت فيها حرب للمصطلحات مؤخراً كانت الثورة السورية، فمنذ اللحظات الأولى لاندلاعها ومع خبرة النظام الطويلة في استخدام المصطلحات وتزييف الحقائق، برز بشكل واضح تلاعب النظام بترويج مصطلحات تعبر عن وجهة نظره، وكذلك قريب منها تبديل النظام لمصطلح “فصائل الثورة” بمصطلح “عصابات مسلحة“.

ما جعل استخدامها بشكل اعتيادي، يتماشى مع سياق إعادة إنتاج النظام، فتكريس هذه المصطلحات تعتبر إضفاء نوع من الشرعية لصالح طرف، وإعادة رسم وجه الثورة، وإبرازها كصراع بين أطراف سياسية، ودس كلمة إرهابي بكثرة في سطور تاريخ هذا الصراع، لخلط الأوراق وتزييف الحقائق، واستخدام الأسلوب غير المباشر والتدريجي في إعادة إنتاج النظام وطرحهِ كشريك فعلي في الحل، كما حدث في الكثير من الثورات على مرّ التاريخ، انتهت وراحت تُدرّس بعد فترة زمنيّة على أنّها تمرّد وإرهاب وغوغاء لا أكثر.

 بات الكثير من المحسوبين في صف الثورة يستخدمون مصطلح الأزمة بدلاً من الثورة، وما يعنيه هذا من تزييف التاريخ بأكمله، ونزع صفة الثورة ضد الظلم والديكتاتورية وإلصاق صفة أزمة بين طرفين لا أكثر

مسلم أم إرهابي ورجعي ومتطرف؟

أمّا المصطلحات الأخرى هي المصطلحات الّتي بدأت الفئة المثقّفة الترويج لها "الديمقراطيّة، الحريّة، العلمانيّة، الليبراليّة، الاشتراكيّة، الرجعيّة، الاعتدال، اليسار، اليمين، الرأسماليّة، الدولة المدنيّة، الدولة الدينيّة، الأيديولوجية، البيروقراطية، حكومة منفى، حكومة مؤقتة، حكومة تكنوقراط، كتابة الدستور، المفاوضات، الحكومة التشاركيّة،…." إلى الكثير من هذه المصطلحات الّتي انتشرت وسط الشعب السوري لاسيما الطبقة الكادحة، وبدأت الأحكام تُطلق على أساس هذه المصطلحات وربطها بالقبول الديني والعرفي المجتمعي أو العكس، كانت هذه الحالة عبارة عن قولبة المفردات بما يتناسب مع الثقافة السائدة، دون البحث في حقيقة هذه المفردات والتطرّق إلى ما تحمله من معانٍ كثيرة وواسعة،  وراح كل من يؤمن بسيادة الدين يتّهم المؤمن بالعلمانيّة على أنّه كافر، وكذلك اتّهام المؤمن بوجود الدين كسلطة في مجتمع مسلم، بأنه إرهابي أو رجعي ومتطرّف، وكل طرف لا يعلم أساس هذه المصطلحات الّتي بنى عليها حكمه، وفي كثير من الحالات تحوّل هذا الحكم المعتقدي واللفظي إلى فعل وسلوك أدى إلى ما أداه من نتائج.

ولعل من المخاطر الثقافية الكبيرة الانحراف بالمصطلحات، والمفاهيم، الشعارات، عن مدلولاتها الصحيحة، والخروج بها عمّا وضعت له، ليصبح دورها تبرير وتسويغ حالات الركود، والانسحاب والإرجاء والبطالة وانتفاء الفاعلية. 

 

من يضبط المصطلحات؟

ومن هنا قلنا: إن المنظّرين لكل حالة مجتمعيّة هم الذين  يشكلون مرجعية الفهم، والتحديد لمدلولات الشعارات والمفاهيم والمصطلحات، وترجمتها إلى أفعال، وتجسيدها في واقع الناس، وأي تفسير يتجاوز ذلك أو ينقصه، أو يخرج عليه، هو نوع من البدع الفكرية والمفاهيمية، التي لابد من مراجعتها وتقويمها وتصويبها في ضوء تلك المرجعيّة، فكل إنسان شاء أم أبى يستخدم نماذج معرفية تحوي مسلمات كافية ونهائية، وذلك في أبسط عمليات الإدراك بوعي أو دون وعي منه، ولذا فإن أكثر ما نحتاجه هو وقفة نقدية تحليلية أمام المادّة الأساسية للفكر وهي المفاهيم والألفاظ والمصطلحات وضبطها وجلبها ووضع  قواعد التعامل معها وبها حتى نضمن لفكرنا وضوح رؤية يستقيم معها ويصح، فتجيء خطوات العمل في الاتجاه الصحيح. 

إن معظم المصطلحات الهامة والخطيرة فضفاضة تتصف بالهلامية، وقد تستخدم للدلالة على مفاهيم شتى، متداخلة أو متقاربة أو متباعدة أو حتى متضاربة... وهو ما كان سائدا في الحالة السوريّة ولكن الاختلاف عن الحالات الأخرى هو غياب المنظّر الواعي والمؤمن بالقضيّة، فهو الوحيد القادر على إيضاح هذه المصطلحات وتثقيف الفئة الثائرة بقدر من المعرفة حول صراع الخطابات.

أكثر ما نحتاجه هو وقفة نقدية تحليلية أمام المادّة الأساسية للفكر وهي المفاهيم والألفاظ والمصطلحات وضبطها وجلبها ووضع  قواعد التعامل معها وبها حتى نضمن لفكرنا وضوح رؤية يستقيم معها ويصح

 إذا نظرنا إلى التيّارات المثقّفة والّتي تصدّرت المشهد الثوري "كالمجلس الوطني والائتلاف السوري" فنجد أن الائتلاف السوري يحتوي الكثير من التيّارات والتكتّلات السياسيّة "تيار مواطنة، وهيئة أمناء الثورة، وتحالف معاً، والكتلة الوطنية الديمقراطية السورية، والتيّار اللبرالي، والقومي، واليساري…." إلى الكثير منها وكل تيّار يطرح قضايا مستخدماً مصطلحات نابعة من صلب كل تيّار ويحاول تقديمها للمجتمع السوري دون أن يشرحها ويوضحها ولا حتّى يقدّم تعريفاً جانبيّاً بها، وهذا ما أحدث شرخاً لم يُردم بين القاعدة الشعبيّة والفئة الناطقة باسمها، دون أن تتنازل بأي مرحلة، فضلاً عن غياب المنظّرين والخطابيين الّذين من المفترض أن يلازموا كل فئة ثائرة لكي تنجح. وهي أوّل خطأ وأكبر خطأ حصل على الصعيد الخطابي، وقد أدّى لنتائج كارثيّة ما يزال المجتمع السوري يعانيها حتّى اللحظة ومستمر.

التعليقات (7)

    ابو يوسف

    ·منذ 3 سنوات 4 أشهر
    والله يا استاذ نبيل دائما ماكنت تبهرنا بتحليلاتك ومازلت

    Sabeh

    ·منذ 3 سنوات 4 أشهر
    أنها خيانة . وليست ثورة . فالشعب كله يعيش بتعاسة واضحة نتيجة الخيانة

    Yahya

    ·منذ 3 سنوات 4 أشهر
    كنا عايشين بخير . كلمة لن ينساها الشعب السوري ابدا . قبل بدأ عصابات بانتهاك الامة

    راشد

    ·منذ 3 سنوات 4 أشهر
    الثورة اعظم حدث صار بسوريا ورغم كل يلي صار هذا مايعتي الا شي واحد انها ثورة عظيمة

    Yamin

    ·منذ 3 سنوات 4 أشهر
    عندما يدمرون محطة كهرباء حلب . ويسرقون ٢٠٠٠ محطة تحويل كهرباء .من حلب هؤلاء مغول و ليسو ثوار هؤلاء منحطين اخلاقيا

    مواطن سوري

    ·منذ 3 سنوات 4 أشهر
    يعطيك العافية

    1HOPE

    ·منذ 3 سنوات 4 أشهر
    سوريا بحياتها ما كانت معافاه! السوريين شعب حيوي ومجتهد بشهادة العالم ولكن الانقلابات انهكت سوريا وجاء حكم السفاح وابنه ليدمروها. المصطلحات ليست هلاميه ولكن تعمد افشال المجتمع السوري الناجح كان له الاثر الاكبر في تراجع الثقافه والمعرفه بين الناس لذلك تجد الاضاد في المفاهيم. ما ينقصنا كسوريين ثقافة الحوار باحترام وبدون تخوين .ما ينقصنا ثقافة قبول الاخر المختلف عنا فكريا بدون تخوين.
7

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات