سوريا السلطة المسعورة.. والتأقلم خبز الجائعين!

سوريا السلطة المسعورة.. والتأقلم خبز الجائعين!
لا جديدَ يشجُّ ارتهان سوريا إلى العماء، حيث رئيس النظام يعيد استنساخ السلطة القائمة بلا مساس بمكوناتها، حتى من الناحية الشكلية على الأقل. بعدما أعاد تكليف رئيس وزرائه الحالي حسين عرنوس بترؤس حكومة جديدة، أي إن السلطة لا تأبه بمشهد الخراب الذي عممته بنفسها على مستوى تفاصيل البلاد، بل تريد استدامة ما هو قائم من حشود البشاعة بالفعل، وتسمين نتائج الانهيار الاقتصادي الوشيك ما أمكنها ذلك.

 

عرنوس الذي لا يعوّل الناس عليه بشيء، إذ جربوه منذ كلفه بشار الأسد بتأليف حكومته الأولى في حزيران/ يونيو من العام الماضي خلفاً لعماد خميس، ورؤوا أيضاً كيف كان مديراً تنفيذيّاً جيداً لأعمال منظومة السلطة الفاسدة المتربعة على رأس الهرم، يُحكى عن علاقته الوثيقة بإيران، وما نهبته من استثمارات في الفوسفات والعقارات وسواهما، فيوصف بأنه رجلها الأول في السلطة التنفيذية التابعة للنظام السوري، والذي يطلق عليها تجاوزاً اسم "مجلس الوزراء" فهو الداعم لمشروع مشغل الخليوي الثالث الإيراني، مشروع اختراق إيران لمنظومة الاتصالات في المرحلة القادمة، والذي لم يكن حارس مغارة كنوز الاتصالات في سوريا، رامي مخلوف متحمساً له كفايةً في السابق. 

لكن، حتى ولو كان "العرنوس" خيار إيران الذي طلبته من النظام السوري، ولم تمانع به روسيا بالطبع، يظل احتكار السلطة على هذا النحو الصنمي، نذيراً بحتمية الغرق.

كان عرنوس مديراً تنفيذيّاً جيداً لأعمال منظومة السلطة الفاسدة المتربعة على رأس الهرم، يُحكى عن علاقته الوثيقة بإيران، وما نهبته من استثمارات في الفوسفات والعقارات وسواهما، فيوصف بأنه رجلها الأول في السلطة التنفيذية التابعة للنظام

سوريا أرض مشرذمة

فتح النظام النار على جيوب الناس في المناطق التي يسيطر عليها فأسقطهم قتلى الغلاء الفاحش وغياب الخدمات الأساسية، وفتح عليهم النار بحق في مناطقَ أخرى غير مستقرة لجهة تاريخ صراعها مع السلطة منذ العام 2011 ، ودرعا مثالٌ عليها، حيث نجدها نازفةً وحيدة في الاشتباكات الأخيرة التي أدارها جيش النظام ضد المعارضة المسلحة في ريف المحافظة منذ يوم الخميس الماضي. 

ثم يصف مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، تصريحات بشار الأسد الأخيرة بأنها "عدائية" تجاههم ولا تصبّ في مصلحة "وحدة سوريا" على حدّ وصفه، وفي السويداء صار ظهور عناصر مسلحين من حزب اللواء التابع لمالك أبو خير في حواجز تنصب بشكل خاطف وسرعان ما تغادر أمراً مألوفاً، فالساحة السورية باتت ملعباً بلا جمهور، لكنه يتسع للجميع، بل ويفيض بهم. 

سوريا المجزأة المشظّاة، المتعثرة بسلطة مستبدة، مغلقة على مكوناتها، تفعل الممكن وغيره للبقاء جاثمةً فوق مصائر الناس، وما عودة "عرنوس" بحكومة جديدة سوى تفصيل بائس يسرد بإسهاب مأزقيّة الحالة السورية، وتعدد الوصايات فيها على القرار السياسي والمصير.

سوريا المجزأة المشظّاة، المتعثرة بسلطة مستبدة، مغلقة على مكوناتها، تفعل الممكن وغيره للبقاء جاثمةً فوق مصائر الناس

التأقلم خبز الجائعين الجديد

استغنى السوريون عن أساسيات الحياة تباعاً، عدوها كماليات، وفرّوا إلى صمتهم المعتاد، هناك حيث يداويهم النظام القائم بجرعات إضافية من عقار الخوف، لكن الخوف من ماذا؟! فهل هناك مصيرٌ أسوأ من هذا الذي يلفحهم بسمومه؟!

في السويداء تحوّل الكثير من الناس إلى رعيان، مهندسين برواتب تافهة، وخريجي جامعات تائهين في أماكنهم، عاطلين عن العمل بأحلام لا يرتقها الواقع المريض، تأقلموا مع صلافة الظرف بدلاً من الثورة عليه، فاشتروا رؤوساً قليلة من الأغنام أو الماعز، وصاروا رعياناً من الشروق وحتى الغروب، أو حالفهم الحظ فطالتهم مساعدات دروز فلسطين، والتي تضمنت في بعضها بيوتاً بلاستيكية صغيرة، فصاروا يزرعون بداخلها بذور الطماطم والخيار، وينتظرون انكشاف لونها الأخضر من تحت التراب، قبل أن يعيدوا زراعتها في أراضٍ أوسع، يرتجلون مواسم لا تسد حاجتهم، فيربون دجاجاً فرنسياً لا يبيض، ثم يذبحونه في نوبات مرضه التي تأتي كثيراً، ليأكلوه في مساءات شاحبة. 

يتأقلمون كما لم يفعل شعبٌ من قبل، فالتأقلم عندهم أهون كلفةً من الثورة على الظرف الماثل أمامهم، أو ربما تدبروا "فيزا" نقلتهم إلى بغداد أو أربيل قبل أن يقرر العراق إقفال أبوابه بوجه السوريين، أو صاروا مرتزقة يتبعون الروس في محاربة طواحين الهواء في ليبيا وفنزويلا. لا يخيفهم عودة انتشار كوفيد19، ولا يأبهون بشأنه، حيث ارتفعت حصيلة ضحاياه في مناطق سيطرة الحكومة والمعارضة والأكراد على حد سواء، وبحسب أرقام وزارة صحة النظام هناك حالة وفاة وتسع إصابات جديدة في مناطقها، كما وبحسب وزارة الصحة في الحكومة المؤقتة، فهناك قرابة خمس عشرة إصابة جديدة في مناطق سيطرة المعارضة في الشمال، ونحو اثنتي عشرة إصابة جديدة، وحالة وفاة واحدة في مناطق "الإدارة الذاتية" للأكراد.

في السويداء تحوّل خريجو جامعات تائهون في أماكنهم، عاطلون عن العمل بأحلام لا يرتقها الواقع المريض، تأقلموا مع صلافة الظرف بدلاً من الثورة عليه، فاشتروا رؤوساً قليلة من الأغنام أو الماعز، وصاروا رعياناً من الشروق وحتى الغروب، أو حالفهم الحظ فطالتهم مساعدات دروز فلسطين

فسوريا التي رثاها باكراً الشاعر رياض الصالح الحسين، فعل ذلك عام 1982 في قصيدة من مجموعته" بسيط كالماء، واضح كطلقة مسدس":

يا سورية الجميلة السعيدة

كمدفأة في كانون

يا سورية التعيسة

كعظمة بين أسنان كلب

يا سورية القاسية

كمشرط في يد جراح

نحن أبناؤك الطيبون

الذين أكلنا خبزك وزيتونك وسياطك

أبداً سنقودك إلى الينابيع

أبداً سنجفف دمك بأصابعنا الخضراء

ودموعك بشفاهنا اليابسة

أبداً سنشق أمامك الدروب

ولن نتركك تضيعين يا سورية

كأغنية في صحراء…

لكن سوريا ضاعت، تمزقت، صارت إدارات وقبائل، وسلطةً مسعورة، ودروباً لا تقود إلا للتهلكة، يجوع السوريون ويفترشون العتمة، ورئيس نظامهم يطلّ مع أسرته من حي الميدان الدمشقي، يلوّح لهم "بسندويشات الشاورما" ويضع لهم "العرنوس" مجدداً في رئاسة مجلس وزرائه. 

التعليقات (2)

    أحمد المهاجر

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    لم يكن في نيتي التعليق منذ الصباح، لكن لفتتني هذه العبارة في المقال:" ويضع لهم "العرنوس" مجدداً في ....." روح يا شيخ ربنا يعطيك على قد نيتك ويبعد عنك كل العرانيس.

    HOPE

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    للاسف سوريا التي تتحدث عنها في سوريا المستسلمه لقدرها والتي لاتبالي بالموت من اين ياتي. انها سوريا الداخل الذي يقتل ببطء وبصمت. هناك سوريا الامل سوريا التي لازالت حية في قلوب وعقول ابنائها ممن تهجروا و بداوا ببناء حياتهم بعيدا عن النار المستعره على ارضهم. السفاح هذه طبيعته ولا يكبر الا في ظل الخراب الذي اوجده ولكن ابناء سوريا الاوفياء لن يتركوها طال الزمان اوقصر والنار لما تاكل بعضها ستنطفئ لتعود الارض لاصحابها. كل ما نراه الان في سوريا كزبد البحر؟؟!
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات