ماذا لو أراد الرئيس الأسد أن يلحق الهزيمة بـ "بوتين"، وأن يسحب البساط من تحت قدميه، حتى في أروقة "الكرملين"؟
ماذا لو أراد أن يجرجه سياسياً في داخل "روسيا"؟
ماذا لو أراد أن يشطب مجده وإنجازاته؟
ماذا لو أنّه شعر أنّ "بوتين" يريد أن يفرض عليه خارطة طريق لا تتناسب مع مصالحه؟
ماذا لو أنّ خلافاً دبّ بين الرئيس الأسد و"بوتين" في سوريّة، وتناقضت مصالح الطرفين؟
ماذا لو أنّ الرئيس الأسد اليوم شعر بأنّ "بوتين" يعمل عكس مصالحه في سورية؟
ماذا لو حصل ذلك، وماذا يمكن أن يحصل لـ "بوتين" في سوريّة؟
ثمّ ماذا يمكن أن يبقى لـ "بوتين" في "روسيا" أصلاً؟
ماذا لو أنّ الرئيس الأسد أغرق "بوتين" في حريق طويل في "جبال اللاذقية"؟
ماذا لو أنّه جرّه إلى حربٍ سرّية لم تخطر في باله؟
استدعت تلك الرسالة فضائح لنظام أسد، نشرتها مواقع روسية عبر مقالات لكتاب أصحاب مكانة موزونة بالقرار الروسي ومنهم د. رامي الشاعر الذي نشر نص رسالة أرسلها بشار الأسد تستجدي التدخل الروسي، وتحدث د. الشاعر بمقال آخر عن مماطلة نظام الأسد بالاستحقاقات التفاوضية ورفضه المشورات الروسية، رد على تلك الرسائل سفير نظام الأسد في موسكو "رياض حداد" الذي هاجم المواقع الروسية واعتبر ما نُشر فيها اختراقاً للإعلام الروسي عبر كتّاب مأجورين وعملاء واعتبر د. الشاعر واحداً منهم.
في حوار دار مع مسؤولين روس في حينها قلنا: تخطئون إن كنتم تظنون لساعة واحدة أن بشار الأسد يتموضع بالحضن الروسي وأنكم قادرون (وبعد كل ما قدمتموه من جرائم بحق السوريين كرمى لعيون الأسد) على تمرير أي صفقة مع الغرب لا ترضى عنها دمشق وطهران، لأن الأسد يستثمر بكم وليس حليفكم، وأنه تجذر بالحضن الإيراني وليس في موسكو، وقلنا: تخطئون أكثر إن اعتبرتم أن تلك التهديدات الواردة في رسالة خالد العبود هي محض ترهات سقطت سهواً عن أعين مخابرات أسد وطهران، وقلنا إن "العبود" براء من تلك الرسالة براءة الذئب من دم يوسف "عليه السلام"، وإن الرسالة كُتبت في طهران ومُهرت في قاسيون وذُيلت بتوقيع خالد العبود، لتصل لموسكو بعيداً عن أي مسؤولية أسدية على اعتبارها جزءاً من (ديموقراطية) نظام أسد الخاضعة لقوانينه.
زيارة وزير الخارجية الصيني لدمشق كانت معدّة منذ فترة طويلة وتسبق مسرحية الانتخابات وتسبق ما سمي بـ"خطاب القسم"، لكن خباثة النظام وقدراته على اللعب على الأوتار الدبلوماسية، استطاعت -وبمهارة- تأجيلها وترتيبها لتحصل بعد القسم وليقدمها كاستثمار سياسي على أنها اعتراف ودعم صيني لمسرحية الانتخابات، وكانت بكين قد دغدغت مصالح النظام عبر تصريح لمسؤول صيني منذ أسابيع، حيث عرضت بكين إرسال أجهزة تسديد ليلية ومعدات رصد وكشف مع أسلحة فردية حديثة وقناصات ستقدم لنظام الأسد مقابل التخلص من جماعات "الإيغور" وقتالهم، على اعتبار أن أصولهم صينية وبكين تتخوف من عودتهم لأراضيها إذا ما كانت هناك صفقة دولية أو حل سوري يطالب بإخراج الغرباء من سوريا وإعادتهم لموطنهم الأصلي.
لكن مع ضغوط روسية حصلت مؤخراً على نظام الأسد، ومع رسائل كتبها مستشار وزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين د. رامي الشاعر، وفيها فضح النظام وبيّن عورته ومماطلته بالحل السياسي, فإن مقالات موسكو أغضبت طاغية دمشق ودفعت بنظام الأسد لأبعد من فبركة ترتيب موعد الزيارة، عندما قامت أجهزة المخابرات الموجهة من قصر قاسيون ومخابرات الحرس الثوري الإيراني بتوجيه طعنة للجانب الروسي ومصداقيته عبر افتعال تصعيد بالجنوب السوري، وفي درعا البلد بالتحديد، والتي تخضع لتفاهمات وتعهدات جرت في منتصف عام 2018، وفيها أعطت موسكو ضمانات لأكثر من 11 ألف عائلة سورية.
التحرشات الأسدية بموسكو والاستقواء بزيارة وزير الخارجية الصينية لم تقف عند هذا الحد، بل تجاوزتها لعملية نزع اللافتات الطرقية التي كانت تملأ شوارع دمشق عبر صور تجمع بشار الأسد مع بوتين، أو عبر لافتات تعبّر عن الصداقة بين موسكو ودمشق وأخرى تمجّد الوجود الروسي في سوريا، ليتم استبدالها بأخرى تلغي بوتين والصداقة مع موسكو وتضع مكانهما صور تمجّد الرئيس الصيني " شي جين بينغ" والصداقة السورية_ الصينية.
بالتأكيد تلك العبثيات من نظام الأسد لم تمرّ مرور الكرامة على ساسة موسكو التي صدّرت موقفها عبر مقالة كتبها د.رامي الشاعر وفيها أعاد الأمور لنصابها، بعد أن أسهب بشرح مغامرات السياسة السورية وتخبطاتها وتجاوزاتها، وعدم مشاركتها الحقيقية بالمفاوضات وعرقلتها، بل أكد أن معظم قرارات بشار الأسد المتخذة للداخل السوري لا تخدم عملية السلام ولا مصالح الشعب السوري, وأن محاولات بشار الأسد تجاهل القرار 2254 هو محض جنون سياسي لا ينم عن وعي لمصالح الشعب السوري, وانتقد أيضاً خطاب القسم ومفرداته المحبطة التي لا تنسجم مع خطوات الحل الدولي ولا مع الأجندة الروسية التي قدمت للنظام كل ما تملك من جهود سياسية وعسكرية ومادية واقتصادية ولوجيستية و"فيتوهات" في مجلس الأمن، وحفظت بقاء النظام على مدار أكثر من خمس سنوات، وأبرز نكران نظام الأسد لكل جهود موسكو بإنقاذ نظام الأسد الآيل للسقوط وترميم هيكلية السلطة المنهارة في سوريا.
بعيداً عن مصالح روسيا مع الشعب السوري, روسيا اليوم وقبل أي إجراء ومن منطلق صدقية سياساتها ودبلوماسيتها أمام الدول وأمام شعبها، مطالبة بوضع النقاط على الحروف وإبراز السردية الحقيقية لما يحصل في سوريا والتي باتت واضحة للجميع، بأن نظام الأسد يلعب على التناقضات العربية والإقليمية والدولية بمحاولة لإطالة عمره، وأن هذا النظام يتقن فن التنقل والتموضع من الحضن الإيراني إلى الحضن الروسي إلى الحضن الصيني بمحاولة استثمار سياسي وعسكري بمصالح تلك الدول، لكنه مستعد للإطاحة بدور أي دولة وبمصالح ونفوذ أي دولة بمجرد انتهاء الفائدة المرجوّة منها، وتوظيف تلك الاستثمارات لبقائه وإطالة عمره حتى على جماجم السوريين.
روسيا اليوم لديها التزامات وتفاهمات إقليمية ودولية ومهام بما يخص المشاركة بإنتاج حل سياسي دائم للشعب السوري، وتحجيم الدور الإيراني في سوريا، وهي أخفقت بالقيام بتلك المهام أو لم تتعرض لها نهائياً، وروسيا تعلم وتدرك أن غرقها بالمستنقع السوري كان مطلباً وبات واقعاً ينذر بالإطاحة بكل ما قامت به روسيا في سوريا، وأن أرباح ومكاسب كل ما قامت به موسكو في سوريا قد تم وضعها بالسلة الإيرانية، واليوم يتم نقل أجزاء من تلك المنافع والمكاسب مع سحب البساط من تحت أقدام الروس في سوريا ليتم تقديمها لصالح الحليف الصيني الجديد.
روسيا كثاني قوة عسكرية وسياسية بالعالم ليس مهمتها العمل كمنفذ للمهام القذرة لصالح نظام دموي، وليس مهمتها العمل كمافيات ومرتزقة لصالح مجرم في دمشق، وليس مهمتها معاداة 24 مليون سوري وارتكاب الفظائع بحقهم خدمة لعصابات ستبيعها بأقرب سوق نخاسة دولية خدمة لبقائها في سدة السلطة.
على موسكو أن تعلم أن العلاقات الحقيقية تٌبنى مع الشعب السوري، وأن الروابط الحقيقية توظف لخدمة الشعبين الروسي والسوري وليس ببناء علاقة هلامية مع سلطة زائلة لن تتردد بنسف كل تلك العلاقات والروابط عندما تنتفي الحاجة لها كما يفعل اليوم نظام الأسد الذي يعمل سراً وعلانية على الإطاحة بعلاقاته مع موسكو لصالح الحليف الصيني الوافد الجديد.
وعلى موسكو أن تعلم أن العلاقات التاريخية التي تربط بين الشعبين السوري والروسي وكل المصالح الروسية في سوريا وقواعدها الجوية والبحرية ستبقى محفوظة ومضمونة من قبل الشعب السوري ومن قبل القيادة السورية الجديدة بعد تغيير موسكو لمواقفها ضمن تفاهمات تخدم البلدين.
وعلى موسكو أن تعلم أن بقاء الحال كما هو اليوم عليه، والاستمرار بالتموضع في خندق الدفاع عن الأسد عبر ارتكاب المجازر بحق أهلنا السوريين في جبل الزاوية وأرياف إدلب والساحل وحلب ودرعا البلد وحوران، يهدد كامل وجودها في سوريا ويهدد علاقاتها المستقبلية مع الشعب السوري المستعد لنقل كل أسلحة وعتاد روسيا في سوريا إلى معمل صهر الحديد وتحويلها لمسامير في أحذية السوريين.
فهل يطول انتظارنا للروس بإعادة قراءة المشهد السوري من جديد والبحث عن علاقات طيبة مع الشعب السوري وإعلان الحقيقة الغائبة الحاضرة في مخيلة ساستهم وقادتهم العسكريين؟؟
أم إن الدب الروسي اعتاد السير للأمام فقط دون أية مراجعات حتى مع اقترابه من الهاوية؟؟
التعليقات (5)