العصابات الحاكمة بأمره؟!

العصابات الحاكمة بأمره؟!
هدأت مدينة شهبا (85 كيلو مترا جنوب دمشق) بعد عيد الأضحى، تلك الشوارع التي جفلت من تطاير صوت الرصاص، وارتطامه بالمدى المتّسع حولها، عادت لتحاور الحياة بهدوء، وكأن البلاء فيها قد انقضى.

بعدما أقدم وليم الخطيب أحد أخطر المجرمين المصنّفين فيها، وشقيقه من والدته راني غرز الدين بقتل ثلاثة شباب من عائلة الطويل، إحدى أكبر عائلات المدينة. لتبدأ عملية "تطهير شهبا من العصابات" على حد وصف العائلة المكلومة، قتال شوارع جعل الناس واجمين في بيوتهم ليومين سبقا أول أيام العيد. والحصيلة تدمير بيوت عشرة من أفراد تلك العصابات بقذائف الآر بي جي والقنابل اليدوية، بما فيها منزل عمران مهنا المصنّف من بين الأخطر في مكونات عصابات المدينة، ومصادرةُ كميات غير متوقعة من المخدرات بصنوفها، ومن المواد المتفجرة. حدث كل ذلك بلا تدخل من مؤسسات النظام الأمنية، كما لو أن الاحتكام إلى السلاح صار التجلي المرئي الأكثر بهجة داخل المحافظة العقيمة سياسياً، العاجزة عن مداواة ارتهانها الطويل للنظام القائم بغير العجز؟!    

 الاحتكام إلى السلاح صار التجلي المرئي الأكثر بهجة داخل المحافظة العقيمة سياسياً، العاجزة عن مداواة ارتهانها الطويل للنظام 

ثم، وبعد عطلة العيد استهدف مسلحون مجهولو الانتماء مزرعةً غرب مدينة السويداء، تعود ملكيتها لرامي مزهر أحد أبرز أسماء الجريمة المنظمة في المدينة، على خلفية اتهام الأخير بخطف الشاب مجد العبد الله من قرية "رساس" القريبة من المدينة.

لكن هل تنامي الجريمة المنظمة في السويداء، كان مصادفةً تَدبَر نموها الفقر وانهيار الاقتصاد والأفق السياسي الموصد للبلاد؟! أم كان عملاً دبّجه النظام، وخلطه بتوابل عديدة لتمويه هدفه الحقيقي الكامن في العمق؟!

الجريمة وأسيادها الأوائل

 سجّلت سوريا 332 جريمة قتل العام الماضي، بحسب تصريح زاهر حجو مدير هيئة الطب الشرعي التابعة لحكومة النظام، نصفها وقع في حلب ودرعا والسويداء التي قضى فيها نحو اثنان وخمسون مواطناً. لكن عام 2019 كانت سوريا الدولة الأكثر خطورة على السلامة العامة والأمن الشخصي من بين كل الدول العربية، وهذا بحد ذاته أحد أهم منجزات النظام الذي لا يتذكره بها أحد، يضاف إليه بلوغ سوريا المرتبة 16 عالمياً لجهة ارتفاع معدل الجريمة وفق مؤشر الجرائم في العالم خلال العام المذكور.

وفي السويداء تدثر واقع الجريمة المنظمة باكراً منذ عام 2011 بأغطية عديدة، تناوبت على تضخيمه جهاتٌ متنوعة بهدف تصديره كمعطىً اجتماعي بريء الهيئة من شبهة دخوله آلة إنتاج النظام الأمنية، ولعل فكرة تأسيس أجنحة عسكرية مسلحة لبعض الأحزاب السياسية كان مصدر الإلهام الأول لتوفير منتجات متنوعة من العصابات المسلحة في أسواق السويداء في وقت لاحق، وباكراً حرص الحزب القومي السوري الاجتماعي على تطويع الكثيرين في جناحه العسكري، وكان يدفع لهم عام 2011 رواتب تصل إلى 15 ألف ليرة حينها (تعادل 300 دولار قبل انهيار الليرة)، وكان لهم حواجز للتفتيش والتدقيق بالبطاقات الشخصية، غير أن الهدف المستتر من وراء ذلك التسليح الحزبي هو قمع التظاهرات إن اتسعت فكرتها ومداها الشعبي، وجعل المؤسسات الأمنية بمنأى عن فعل ذلك قدر المستطاع، باعتبار أن النظام بدأ حينها يخوض حربه الكونية ضد الراديكالية السنيّة بمفهومها العام، وحينها زجَّ النظام نفسه كحامٍ للأقليات السورية من أخطار التطرف الإسلامي على حدّ وصفه. إضافةً إلى تشكيل كتائب البعث المسلحة في الفترة نفسها، وللأغراض نفسها، علاوةً على فتح الطريق أمام النائب اللبناني الدرزي وئام وهّاب ليفتح مكتباً لحزبه، حزب التوحيد، في السويداء، ويوزّع السلاح على مناصريه، وبسبب احتمال اتساع نفوذه، قرر النظام إقفال ذلك الباب بوجهه عام 2014، ليغلق وهّاب مكاتبه، ويجمّد نشاط عمل مناصريه. 

هل تنامي الجريمة المنظمة في السويداء، كان مصادفةً تَدبَر نموها الفقر وانهيار الاقتصاد والأفق السياسي الموصد للبلاد؟! أم كان عملاً دبّجه النظام، وخلطه بتوابل عديدة لتمويه هدفه الحقيقي?!

وحتى لا يقع النظام بهذا النوع من الأخطاء التكتيكية مجدداً، قرر تجنيد الزعران وأصحاب السوابق والمجرمين في تشكيلات مسلحة لا تحمل صفةً حزبية أو سياسية، فانطلقت العصابات بشتى صنوفها، وازدهر عملها مع مرور السنوات، واتسع نشاطها ليشمل إضافةً إلى الخطف لأجل الفدية، وسرقة السيارات، إدارةَ الأسواق السوداء لبيع المشتقات النفطية، وأسواق بيع المسروقات القادمة من مناطق "التعفيش" ثم انتقالها لتقديم خدمات تهريب وتوزيع المخدرات، ولا سيما بعد دخول حزب الله وإيران إلى المحافظة النائمة. لكن جوهر هدف تعويمها على تلك الصورة هو القبضُ على المجتمع من داخله، وإنتاج خلل في التوازن الاجتماعي لا يكون النظام ظاهرياً طرفاً فيه، وهذا ما حدث وتنامى بالفعل، وصارت العصابات ومكوناتها بنيةً فوق البنية السائدة لقوى المجتمع، على حساب تراجع الدور التقليدي لزعماء العائلات والواجهات الاجتماعية المعروفة، لأنها لم تعد تؤدي أدواراً ذات أهمية بالنسبة للنظام القائم في مأزقيّة وجوده.       

 

العصابات في أدوارها المتقدمة

لعل إنشاء مقارنة بين بطش الدولة الأمنية، وبطش العصابات المحلية هو ما يريد النظام التوغل به، ويريد من خلاله أن يثبَ إلى مكان مفضوح، راغباً في أن يترحّم الناس على أيام الدولة البوليسية، ويلوموا من خرج ضد النظام يوماً. لكن الوقائع تجيء لتفضح تلك المقاصد، إذ يتفاخر أحد أهم زعماء العصابات في المحافظة، راجي فلحوط ، زعيم ما يسمى بعصابة عتيل بعلاقته وجماعته مع فرع الأمن العسكري، وينشر هذا على صفحته على فيسبوك. كما أن التسوية التي قام بها وليم الخطيب قبل موته في اشتباكات شهبا الأخيرة مع فرع الأمن العسكري أثمرت عليه ببطاقة أمنية جعلته فوق القانون، وخوّلته لأن يتجول طليقاً في أرجاء البلاد، حتى إنه زار قبر حافظ الأسد في القرداحة، والتقط لنفسه من هناك صوراً تذكارية نشرها على حسابه الخاص عبر فيسبوك.

صارت العصابات ومكوناتها بنيةً فوق البنية السائدة لقوى المجتمع، على حساب تراجع الدور التقليدي لزعماء العائلات والواجهات الاجتماعية المعروفة، لأنها لم تعد تؤدي أدواراً ذات أهمية بالنسبة للنظام القائم 

ومع التفات عصابات السويداء إلى الداخل الدرزي في عمليات الخطف لأجل الفدية، والتي قد تنتهي بمقتل الضحية، وهذا بالطبع أحد الأدوار المتقدمة المرسومة لعمل تلك العصابات من قبل الجهات الأمنية التي صنّعتها، ورعت نموها، يجيء الفعل المجتمعي متواري الأثر، إلا فيما ندر مثل حملة التنديد المتواضعة التي انطلق بها عدد من المواطنين الذين لحقهم ضرر عصابات الخطف، وحملت اسم #لأجل-الهيب، حيث يظهر وسم الاحتجاج مخطوطاً على عجالة فوق العديد من جدران الأبنية المحاذية لشوارع السوق التجاري، لكن احتجاجهم ذاك في شهر أيار/ مايو من العام الحالي لم يثمر بشيء، علماً أن بيانهم الأول الذي أصدروه منتصف شهر نيسان/ أبريل كان غير صدامي مع أجهزة النظام الأمنية، مكتفين بالمطالبة بمحاسبة العصابات، وتسليم أفرادها  إلى الجهات المختصة، وملاحقتهم قضائياً، وجاء في بيانهم ذاك: "نحن آل الهيب كنا ضحايا الفلتان الأمني وغياب القانون والمحاسبة، وبسبب ذلك خسرنا من أرواح أبنائنا وشبابنا ما طاف معه كل صاع، وفاض به كل إناء".

معظم ضحايا عصابات السويداء من أبناء الطائفة هم من الشباب الجامعيين مثل سارا أبو حلا التي تعرضت للاغتصاب قبل القتل في منطقة نائية تعرف باسم ظهر الجبل، والشاب ليث جمول من مدينة صلخد الذي اختطف مدة شهر ونصف، وأطلق سراحه بتدخل مباشر من الشيخ يوسف جربوع، شيخ العقل الثاني لدى دروز السويداء، واختطاف الشاب دانيال الفرعوني وقتله، واختطاف الأخوين فراس ويزن شوي قبل أشهر، وأواخر شهر نيسان/ أبريل قام أحد المنتمين إلى عصابة معتز مزهر بملاحقة السيدة نغم زين الدين ودهسها بدراجته النارية، وأيضاً حادثة خطف الطالب الجامعي كرم الحناوي، وقتله في شهر نيسان/ أبريل من العام الحالي، كما صفّت عصابة عريقة الطالب الجامعي وسيم طرودي، وقتلت عصابة عتيل الطالب الجامعي مجد سريوي بعد تعذيبه، بالإضافة إلى مقتل الطالب عاطف الحلح إثر عملية خطف لأجل الفدية، نفذها فراس زريفة، بالتعاون مع غدير زريفة، ووسام الجرماني المنتمين إلى عصابة قنوات عام 2019.

مع التفات عصابات السويداء إلى الداخل الدرزي في عمليات الخطف لأجل الفدية، والتي قد تنتهي بمقتل الضحية، وهذا بالطبع أحد الأدوار المتقدمة المرسومة لعمل تلك العصابات من قبل الجهات الأمنية التي صنّعتها، ورعت نموها، يجيء الفعل المجتمعي متواري الأثر، إلا فيما ندر 

وفي مرحلة الانهيار الاقتصادي والسياسي الكلّي القادم قريباً إلى البلاد، سيكون دور هذه العصابات كارثياً على الحياة العامة، إذ ستؤدي أدوراً تنقل فيها الأزمة الوجودية المستعصية للنظام إلى هرم العلاقات الاجتماعية، وتحرف وعي الناس عن السبب الرئيسي لكارثة السوريين، وهو احتكار السلطة في سوريا، وستبدو مداخلة عضو مجلس الشعب التابع للنظام السوري، حكمت سلام حين انتقد مؤخراً سطوة تلك العصابات، وتقرّبها الكبير من بعض الفاسدين في المؤسسات الأمنية والعسكرية، مجرّد نكتة سمجة لا تضحك أحداً. 

التعليقات (3)

    علوي علماني

    ·منذ 3 سنوات 4 أشهر
    خلصونا بقى. من يوم يومهين الدروز انفصاليين وميتمنوا ينضمون لإسرائيل. واليوم لقوها فرصه بشغل العصابات والخطف منشان يقولو الحل انو ننفصل ابقى كل شغلة تحدوها بضهر النظام والامن العسكرى. انا معارض وبكره الكر بشار. بس ما حلو الكذب والزعبرة يا سيد شوفي

    فضل

    ·منذ 3 سنوات 4 أشهر
    كل الاقليات انفصاليه عبر التاريخ الاقليه يجب ان تتضمن المواطنه وتكون حرة بدينها انا معاداة الاكثرية فهي خيانة وعداء موروث

    HOPE

    ·منذ 3 سنوات 4 أشهر
    من حق المدنيين في حال غياب القانون والدوله البحث عن فرص لانقاذ انفسهم من خلال تنظيم صفوفهم الا ان الارتهان للخارج سينعكس اولا على الاخوه الدروز.دعم العصابات الاجراميه كانت خطة السفاح منذ بداية لثوره لذلك نجد العفو يشمل المحكومين جنائيا فقط ولكم الحق بحماية انفسكم دون الانجرار لمشاريع تستهدف الاقتتال السوري الداخلي. لازال هناك من الحكماء (من كل الطوائف) من يجد الرؤيا الغنيه للنسيج لاجتماعي السوري بتعدد الطوائف تحت سقف الدوله السوريه ووحدة سوريا بحق وليس كشعار اجوف.
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات