دولة السلطة.. والتمرد على الدولة

دولة السلطة.. والتمرد على الدولة
أرسل لي صديق فيديو نشره مواطن سوري يعيش في سوريا، فكرة الفيديو ساخرة جداً ومحزنة. يقول الشخص بألم ساخر: أنا أعيش في الدولة المنتصرة، رجاءً أريد لأحد أن يأخذني للعيش في الدول المهزومة، الدول التي هزمناها، لقد مللت من العيش في دولتنا المنتصرة، أريد أن أختبر تجربة العيش في الدول المنهزمة.

لقد ذكرني هذا الفيديو المؤلم بمقال كتبته قبل سنوات أربع، في الرد على سفهاء القول. وإليكموه كما هو. 

يتشاطر سفهاء الجماعة الحاكمة في سوريا، المدافعون عن أحطّ أشكال الاستبداد في هذا العصر، بقولهم إن ما جرى في سوريا هو تمرد على الدولة، ناسين أنه لو كانت سوريا دولة، لما كان لهم مكان في ساحة القول، ولا مكانة لأي جماعة من جماعات الاستماع إلى هذا القول ومؤيديه.

يتشاطر سفهاء الجماعة الحاكمة في سوريا، المدافعون عن أحطّ أشكال الاستبداد في هذا العصر، بقولهم إن ما جرى في سوريا هو تمرد على الدولة، ناسين أنه لو كانت سوريا دولة، لما كان لهم مكان في ساحة القول

يقول الواقع: انفجرت الثورة في سوريا ضد سلطة غاشمة، وليس تمرداً على دولة، فالتمرد جرى على سلطة دمرت الدولة. أجل علينا أن نكرر: قامت الثورة ضد سلطة دمّرت الدولة وألغت منطق الدولة، حتى صارت المؤسسات التي من شأنها رعاية حق المواطن وحمايته من الاعتداء مؤسساتِ سلطة غاشمة تعتدي على المواطن والدولة، لا مؤسسات دولة.

لو كانت هناك دولة، بالمعنى المعاصر للكلمة، مؤسسة على مبادئ الحق والواجب والحرية والمواطنة؛ لما كانت هناك ثورة.

هدف الثورة كان ولم يزل قيام الدولة بمفهومها المعاصر، حيث المواطنة والحق والحرية، وما يترتب على هذه المفاهيم من قيام مؤسسات فاعلة في تحقيقها.

كل العنف الذي استخدمته الجماعة الحاكمة والدمار الذي أحدثته كان للحيلولة دون قيام الدولة، والبقاء في حال السلطة بلا دولة.

جميع الحركات الأصولية العنفية وغير العنفية ذات منطق متطابق مع منطق سلطة بلا دولة، ولهذا كان صراعها صراع سلطة ضد سلطة مشابهة لها. وعقليتها عقيلة الجماعة الحاكمة نفسها، ومنطق الحرب والغلبة والغنيمة واحد، لدى الطرفين.

انفجرت الثورة في سوريا ضد سلطة غاشمة، وليس تمرداً على دولة، فالتمرد جرى على سلطة دمرت الدولة. أجل علينا أن نكرر: قامت الثورة ضد سلطة دمّرت الدولة وألغت منطق الدولة

ولأن الأمر على هذا النحو، فإن الكفاح الشعبي السوري، بكل مكوناته التاريخية، ذو مصلحة، من حيث المبدأ، بقيام الدولة السورية، وما يترتب عليها من انتصار الذات الحرة، حتى أولئك الذين جرهم النظام إلى معركته للحفاظ على السلطة سيجدون أنفسهم بحاجة إلى الدولة ومنطق الدولة، وآية ذلك أن السلطة لا تستطيع، عبر منطق الغنيمة، أن تلبي كل حاجات مؤيديها، فمنطق الغنيمة سيخلق عاجلًا أم آجلًا التفاوت الطبقي، وما سيتولد عنه من تناقضات وصراعات.

إن من لديه عقل الدولة المعاصرة وحده اليومَ القادر على التفكير  في أحوال سكان الدولة بوصفهم مواطنين أحراراً، وخارج عقل الدولة لا يكون إلا عقل الجماعات العنفية، وما يترتب عليه من موت الأمن، وعقل الجماعات الطائفية بوصفه عقلًا زائفًا، وما يتولد عنه من نفي الآخر وتدمير الحقوق، وعقل سلطة ما قبل الدولة وما يتولد عنه من خراب القيم، وعقل المافيات المحتكرة للثروة وما يتولد عنه من فقر.

 الكفاح الشعبي السوري، بكل مكوناته التاريخية، ذو مصلحة، من حيث المبدأ، بقيام الدولة السورية، وما يترتب عليها من انتصار الذات الحرة، حتى أولئك الذين جرهم النظام إلى معركته للحفاظ على السلطة سيجدون أنفسهم بحاجة إلى الدولة ومنطق الدولة

ففي الدولة جيش، ولكن ليس جيشاً يقهر السكان، وفي الدولة شرطة وأمن، ولكن ليس من أجل تصفية المواطنين وقتلهم ومراقبة أفواههم، في الدولة جامعات، ولكن ليس من أجل احتلالها عبر الأميين والجهلة. وقس على ذلك.

لعمري، إن اعتقاد السلطة بأنها قادرة على تكسير رأس التاريخ الطبيعي والسيرورة المجتمعية، وهمٌ ما بعده وهم. والسلطة المتأخرة ذات الغباء العبقري لا تتعظ بالتجربة، وليس في استطاعتها الاتعاظ بالتجربة، لأنها إن فعلت واتعظت انهارت أعمدة بقائها الزائف، وفي كل الأحوال، فإن اعترفت أو لم تعترف، فمآلها إلى زوال.

في الدولة جيش، ولكن ليس جيشاً يقهر السكان، وفي الدولة شرطة وأمن، ولكن ليس من أجل تصفية المواطنين وقتلهم ومراقبة أفواههم، في الدولة جامعات، ولكن ليس من أجل احتلالها عبر الأميين والجهلة.

لكنها إن اعترفت وودّعت التاريخ بسلام؛ فإنها توفر دماء الناس، وإن لم تعترف فإنها تودع التاريخ بدماء وحرب وتدمير الأوطان كما يحصل الآن.

التعليقات (2)

    HOPE

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    من يدعي (الانتصار) يجول في سوريا حيث ارتكبت عصاباته الجرائم بامره.تفكيره المريض لن يقوده للاعتراف بخطئه ولن يقتنع انه ليس الا دميه بيد الروسي فقط وهو نفسه اي الروسي من سيكتب الفصل الاخير. ولكن بدمه ! بعد ان دمر البلاد وقتل وشرد العباد؟؟!

    علوي علماني

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    يمكن كلامك دكتور مينطبق اكتر عالكر بشار اكتر من حافظ اللي كان مع كل مآخذنا عليه رجل دولة. بشار دمر الطائفة ودمر سورية. هو والقحـ... اسماء. والحيوانات اللي ميصدقوه رح يجي يوم يتمنوا الموت وما يلاقوه
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات