الائتلاف الوطني: انتخابات أم تعيينات.. أم عقم ديمقراطي؟!

الائتلاف الوطني: انتخابات أم تعيينات.. أم عقم ديمقراطي؟!
على مدار العقود الخمسة السابقة لم يكترث السوريون لمهازل ومسرحيات سماها نظام الأسد استحقاقات وطنية، بدءاً من تكريس الرئاسة بحافظ الأسد ومن بعده بشار عبر استفتاءات قسرية، أو عبر تعيينات لأعضاء مجلس الشعب أو لمجالس محلية، وحتى عند اختيار النظام لأعضاء النقابات المهنية والحرفية، وما حصل ويحصل بنقابة الفنانين السوريين مثال صارخ على تلك المسرحيات الأمنية، وعدم اهتمام السوريين ليس ناجماً عن عقم ديموقراطي يعاني منه السوريون، بل لقناعتهم المطلقة أن كل تلك العبثيات هي مسرحيات تُفضي لبرنامج سلطوي يُقاد من منظومة أمنية_عسكرية، لن تتورع عن ارتكاب كل المجازر بحق الشعب لتأمين تكريس سلطة البعث وآل الأسد ومن لاذ برفقتهم على سدة السلطة، وبما يخدم بقاء تلك المنظومة الاستبدادية وتحكمها بمصير السوريين، ورهن الوطن والمواطن لأجندات ومشاريع خارجية تصادر القرار وتدعم بقاء الأسد الأب ومن بعده الابن فوق رؤوس السوريين.

ويبدو أن الطبع غلب التطبع في مفاصل المعارضة السورية، وأن معظم من تسيّد مشهدها (عسكرياً وسياسياً) لم يخرج عن هذا النهج، وبات يقدم لنا نماذج مكررة لما كان يحصل في نظام البعث.

عندما يُقال انتخابات يتبادر للذهن فوراً، مرشحون وبرامج انتخابية وقاعدة شعبية تمحص وتتابع وتدقق، ثم تكون عملية الاختيار لقيادة نتأمل منها تحقيق أهداف القاعدة الشعبية.

لكن كلنا يعلم أن مؤسسة الائتلاف الوطني ومنذ تأسيسها في الدوحة نهاية عام 2012 لم تكن منتوجاً وطنياً تم اختياره من القواعد الشعبية، ليمثل تطلعات السوريين بأخطر مرحلة يعبرونها، من خلال ثورتهم التي عانت وتعاني من منظومة أسدية استبدادية، مدعومة من جيوش ومرتزقة لدول مارقة، مستعدة لارتكاب كل الجرائم لحماية الأسد الذي يرعى مصالحهم في سوريا، بل كان نتاج توافق مصالح عربية وإقليمية ودولية بعيداً تماماً عن مدى قدرته أو تفكيره بخدمة مصالح الثورة والرافضين لحكم آل الأسد.

أين الانتخابات؟؟

وبتجاوز نقطة عدم اختيار أعضاء الائتلاف الوطني من القواعد الشعبية، انتقالاً (لانتخابات) الائتلاف الداخلية (مؤخراً) سواء لمنصب رئيس الائتلاف أو نوابه (المكون الكردي رفض ترشيح ممثل عنه لمنصب النائب) أو أعضاء الهيئة السياسية، كنا ننتظر أن نسمع ونشاهد مرشحين وبرامج انتخابية ومناظرات سياسية، تعكس توجهات المرشحين، ويمكن من خلالها تفضيل مرشح على آخر حتى لأعضاء الائتلاف أنفسهم، لكن ما وجدناه هو مرشح وحيد للرئاسة، ومرشحون وحيدون للنواب، ومرشح وحيد لمنصب الأمين العام، وكذلك للهيئة السياسية، وعندما سألنا عن غياب التعددية بالترشيح قيل لنا إن هناك توافقات حسمت الموقف، ولا ندري أهي توافقات أم إملاءات!!! 

لكن بالتأكيد يمكن القول إن ما جرى هو تكرار واضح للتجربة الأسدية والبعثية، وكأن السوريين لا يصلحون للديموقراطية، ولا يملكون ميزة الاختيار، وأن على الوصي أو المتحكم تقديم الأسماء معلبة، ولنا فقط رفاهية النظر إليها دون التغيير بتفاصيلها.

لو عدنا لمآثر الائتلاف، لوجدنا وبالتجربة أن همّ أي رئاسة جديدة وفور تسلمها لمهامها أن يكون شغلها الشاغل أولاً العمل على تغيير مدة الرئاسة من ثلاثة أشهر لستة، ومن ثم لعام، ومن بعدها السماح للرئيس بولايتين متتاليتين، ومن ثم الالتفات في مرحلة من المراحل لتغيير الكتلة العسكرية (15 عضو بالائتلاف) كونها تشكل ثقلاً انتخابياً ولائياً لأحد الأطراف، لذلك يتم انتقاء أعضاء جدد يدينون بالولاء لرئيس الائتلاف الحالي من أجل ضمان مدة ولاية ثانية، وهكذا دواليك .

إعادة ترتيب البيت الداخلي للائتلاف

بعد عشر سنوات يخرج بعض أعضاء الائتلاف علينا بأسطوانة مشروخة ليحدثونا عن إعادة ترتيب البيت الداخلي للائتلاف، وضرورة إصلاحه بنيوياً وهيكلياً، وأن هذا الإصلاح حالياً مفضل عن الملف السياسي كما قال أحد أعضاء الائتلاف على إحدى الفضائيات، وكأن المطلوب من جمهور الثورة من النازحين والمهجرين، التغاضي عن دمائهم التي تراق يومياً على يد طائرات بوتين وصواريخ الأسد ومرتزقة إيران وحزب الله، والتغاضي عن بيوتهم وأرزاقهم التي دُمرت وتُدمر يومياً، والتغاضي عن تفكير الآباء والأمهات والأرامل بتأمين قوت أطفالهم الجياع ونسيان حبة دواء لمريض أو كهل ... وانتظار الإصلاح المتوقع لمنظومة استبدادية لا تختلف كثيراً بتمسكها بالسلطة عن منظومة الأسد، بل إن رئيس الائتلاف السابق د. نصر الحريري قال بجواب لسؤال أحد الصحفيين منذ عدة أسابيع عن تفكير السوريين بإنتاج أجسام سياسية جديدة بديلة بالقول: لم ولن نسمح بأجسام سياسية جديدة، ولهؤلاء نقول وعلى قول المثل الشعبي: اللي بجرب المجرب بكون عقلو مخرب.

ولا أدري عن أي إصلاح يتحدثون، وهم من أقلقوا مسامعنا بعباراتهم الرافضة لمساري سوتشي وأستانا، رغم أن عدداً من أعضائهم كانوا يتواجدون ضمن وفود استانا وسوتشي، والتي لم تكن يوماً تمثل الحراك المسلح ولا الحراك السياسي ولا القرار الشعبي للثورة السورية، وبدل فصل الأعضاء الخارجين عن إرادة الائتلاف، تم ضم كامل أعضاء وفد أستانا ليصبحوا أعضاء بالائتلاف، وتم تكريم كبيرهم بأن أصبح رئيس لجنة العضوية بالائتلاف أيضاً!!!

ثم يحدثنا أحدهم عن ضرورة انتقال الائتلاف للداخل السوري وهو يعلم تماماً أن كل أكذوباتهم بالاجتماعات التي تحدثوا عن إجرائها بالداخل لم يتجاوز حضور الأعضاء فيها عن 15_20% من تعداد أعضاء الائتلاف، وأن التصويت والحضور كان يتم عبر نوافذ إلكترونية عبر الانترنت، وأن أكثر من نصف أعضاء الائتلاف لا يجرؤون على الدخول للداخل.

بمكان آخر، الجميع يعلم بأنه لا توجد موارد مالية للائتلاف، ومع ذلك هناك رواتب بآلاف الدولارات تمنح لأعضاء الجسم الرئاسي بالائتلاف ولكامل أعضاء الهيئة السياسية، من أين تأتي تلك الرواتب؟؟

وهل تلك الأموال تقدم هبات أم لها مقابل؟؟ أليست مالا سياسيا لطالما حذرتم منه؟؟

النقطة الأهم التي يتم طرحها اليوم تتحدث عن الحكومة المؤقتة وهي تتبع للائتلاف وتحت سيطرته وضرورة إدخالها للداخل أيضاً، وعن ضرورة تمتع أعضائها بالكفاءة العلمية، ويذهب البعض للقول إنه لا يمكن لرئيس حكومة يحمل شهادة بكالوريا أو معهد تجاري أن يقود حكومة ووزراء يحملون شهادة الدكتوراه باختصاصاتهم، وبنفس الوقت الحكومة لا تملك أي خطة تنموية واقتصادية ولا خطة أمنية لمنطقة يعيث فيها الفساد والتجاوزات الأمنية والعسكرية وتنتشر فيها شريعة الحواجز ويعاني فيها المواطن من ضغط ارتفاع الأسعار وغياب أدنى مقومات الحياة، وتعدد الحكومات وغياب المسؤولية وترهل وارتهان مؤسسات القضاء و والأمن ووزارة الدفاع .... إلخ

لكن كيف تحاسبون وتوجهون رئيس حكومة وحكومة تتبع لكم ويفترض أنها تتلقى التعليمات منكم وتحت طوعكم، وبالأمس القريب كان رئيسها يوبخ ويصفع ويجعل من رئيس الائتلاف أضحوكة على مرأى مئات الأشخاص ذوي الوزن السياسي والاجتماعي؟؟

بالعودة للائتلاف والذي كان يُفترض قيامه ببناء شبكات من تقاطع المصالح مع الدول العربية والإقليمية والدولية كضرورة ثورية تضمن له تحقيق مطالب الحاضنة الشعبية، لكنه بدلاً عن ذلك وقع بمأزق التحالفات الفردية المعقدة والمنفعية والسياسية والمناصبية، وأصبحت علاقاته مع الدول وعلى قلتها تشكل ضغطاً إقليمياً وسياسياً واقتصادياً رهنت القرار الوطني وتهدد بنسف معالم الثورة السورية.

الحاجة لثورة على الثورة.

ليست مغالاة قولنا اليوم إننا أصبحنا وبحكم الضرورة بحاجة لثورة على الثورة، وإننا بحاجة لتغيير جذري بمفاصل الثورة السورية وتحالفاتها وارتهاناتها, وإن هؤلاء الذين باعوا قرارنا الوطني من عسكريين وسياسيين وأولهم أعضاء الائتلاف يجب استبعادهم جميعاً دون استثناء، والدعوة لمؤتمر وطني جامع يؤسس لقيادة سياسية وعسكرية جديدة، قيادة وطنية تعيد تصحيح العلاقة مع إخواننا وأصدقائنا من دول عربية وإقليمية وفقاً لشبكة تقاطع مصالح تخدم ثورتنا وتلبي تطلعات حلفائنا، ثورة على الثورة تنتج قيادة وطنية تشكل نقطة انطلاق تعيد للثورة تألقها وتحفظ حقوق الأشقاء والحلفاء. 

التعليقات (4)

    hope

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    واقع مؤلم للشعب السوري وواقع مخزي لمعارضه همها اضاعة الوقت وتاجيل المشاكل. سمعت كلام السيد سالم المسلط بعد ان تم انتخابه لم يذكر في كلامه ولو مره واحده كيف يمكن ان يساهم بتحريك مسار جنيف الذي يماطل فيه الطرفين.معركة السوريين الحقيقيه بالمحافل الدوليه التي فشل حتى الان الائتلاف فيها.

    hope1

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    لما كانت المبادره بيد المعارضه فبل ايلول 2015 وكان العالم مستعد فعلا لدعم السوريين اضاع ممثل المعارضه الفرصه لحسابات شخصيه ضيقه والشعب السوري دفع ويدفع الثمن الان. السوريين لم يقومو بثورتهم من اجل المساعدات الانسانيه .سوريا فيها من الخير كان ما يوزع على الدول التي حولها ولكن اسند الامر لغير اهله؟؟!

    hope2

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    اتمنى على الرئيس الجديد ان يترفع عن المصلحه الشخصيه لانها امانه سيسال عنها والسوريين بدهم قشه يتعلقو فيها. كفى مشاركه في مسار استانه الذي يتلاعب فيه الروسي ولايراني والتركي بسوريا وليتم التركيز على مسار جنيف و تفعيل حضورالمعارضه السوريه مع الدول المؤثره علكم تستردون بعضا من احترام العالم لنا كشعب ولكم كواجهه سياسيه؟؟!

    Mohammed Said

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    Thank you for this article. You said what I was thinking of. May Allah Bless You
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات