أمين الحافظ وإيلي كوهين: حمى بحث الروس عن رفات كوهين

أمين الحافظ وإيلي كوهين: حمى بحث الروس عن رفات كوهين
انضم إيلي كوهين اليهودي، الذي ولد في مصر، إلى المخابرات العسكرية الإسرائيلية عام 1960، ثم عمل في وحدة العمليات الخاصة بعد ثلاث سنوات. اشتهر بأنشطته الاستخباراتية في سوريا، حيث تمكّن من اختراق دوائر السلطات العليا، وطور علاقات وثيقة مع قادات المؤسسات السياسية والعسكرية.. هذا أعطاه فرصة مناسبة للحصول على معلومات قيمة وحيوية خلال السنوات التي سبقت حرب عام 1967، لذلك يُعتقد أن تقاريره حول انتشار القوات والمدفعية ومستودعات الأسلحة وأماكن حقول الألغام ووجود مئات الدبابات الروسية من طراز T-34 في مرتفعات الجولان، قد أدت إلى رفع حالة تأهب إسرائيل لتلك الحرب، ولعبت دوراً مهماً في انتصارها الحاسم. 

في عام 1964، كثفت المخابرات السورية المضادة البحث عن "الخلد"، الذي اشتبهوا في أنه قد حصل على معلومات سرية. لجأ ضباط مكافحة التجسس إلى مساعدة الخبراء السوفييت، الذين جلبوا لهم معدات خاصة لهذا الغرض من بلدهم. في 24 كانون الثاني 1965 اقتحم عناصر من الخدمات السورية الخاصة شقة كوهين وألقوا القبض عليه خلال جلسة اتصال مع إسرائيل.

اعتقل بتهمة التجسس بعد أن نجح في الاحتيال على المخابرات السورية لمدة أربع سنوات تحت اسم كامل أمين ثابت المستعار؛ وحكم عليه بالإعدام شنقاً في ساحة المرجة الدمشقية.

 يُعتقد أن تقارير كوهين حول انتشار القوات والمدفعية ومستودعات الأسلحة وأماكن حقول الألغام ووجود مئات الدبابات الروسية من طراز T-34 في مرتفعات الجولان، قد أدت إلى رفع حالة تأهب إسرائيل لتلك الحرب

فيلم "العميل 007" 

عرضت قناة RT الروسية فيلماً وثائقياً بعنوان "العميل 007" الإسرائيلي (13 كانون الثاني 2021)؛ في الوقت الذي توسطت فيه موسكو من أجل إطلاق سراح امرأة إسرائيلية عبرت إلى سوريا. 

أعيدت هذه المرأة إلى بلدها كجزء من اتفاق تبادل بوساطة روسية بعد أسبوعين من عبورها. فرض الجيش الإسرائيلي رقابة صارمة على تفاصيل القضية الغامضة، بما في ذلك اسم المرأة وعملها وصور وجهها الواضحة. ومن ثم أطلقت إسرائيل سراح اثنين من الرعاة السوريين تم أسرهما على جانبها من الحدود، وخففت عقوبة سجين مرتبط بحزب الله، ووافقت أيضاً على شراء عدد غير معروف من اللقاح الروسي "سبوتنيك في" بقيمة أكثر من مليون دولار كي ترسل إلى سوريا وتستخدم لصالح مخابرات الأسد والمقربين منه.. اعتبر الكثيرون أنها مجرد صفقة تبادل؛ بينما صرحت إسرائيل أنها فعلت ذلك كبادرة حسن نية!

الفيلم قديم من نوع 8 ملم أسود وأبيض، صور في دمشق منتصف الستينيات بكاميرا سينما من ماركة Crown، ووجد عن طريق الصدفة في أحد محلات التحف والمقتنيات الأثرية بسانت بطرسبورغ، حيث كتب على علبته "ب. لوكين" فقط. وبعد مشاهدته أراد صاحب المحل أن يرميه جانباً لأنه لم يجد فيه شيئاً مثيراً ومهماً؛ لكنه قبل أن يفعل هذا طلب مساعدة مخرج الفيلم، الذي وجد فيه شيئاً قريباً من اهتمامه واهتمام القناة التي يعمل لصالحها.

يركز الفيلم، الذي يستمر لأقل من نصف ساعة، على الأحداث المرتبطة بعميل الموساد إيلي كوهين التي وقعت في سوريا بين أعوام 1963-1965. ويصور بعض مناطق العاصمة وسكانها الذين يسارعون كل في طريقه، وفجأة تلتقط الكاميرا لبضع ثوانٍ رجلاً أنيقاً حسن المظهر يرتدي كنزة فوق قميص أبيض ويضع يديه في جيبيه وله ملامح تشبه ملامح ذلك العميل المفترض، يسير في أحد شوارع دمشق السورية.. هنا يتم إبطاء المشهد وتكراره عدة مرات والادعاء بأنه كوهين بلحمه وشحمه ودمه!

يسلط الفيلم الضوء بعد ذلك على مصور الفيلم، الذي تم التعرف عليه عن طريق دليل هاتف قديم، ويدعى بوريس لوكين؛ والذي ذكره أكثر من كاتب وصحفي عربي بشكل غير صحيح في مقالاتهم على أنه "بوريس بوكين"؛ مكرسين الخطأ بطريقة "القص واللصق" المعروفة جيداً والمعتمدة عربياً! 

ربما ارتكب المترجم غير القدير هذا الخطأ، عندما جمع حرف "الباء" مع كلمة "لوكين" الموجودين على علبة الفيلم، ليخرج معه في النهاية اسم المصور المضحك: بوريس بوكين؟! ولكن ما هو دور الكاتب والدارس والمحلل هنا؟ أ ليس البحث والتنقيب للوصول إلى شيء أقرب للحقيقة؛ لاسيما وأن الاسم الحقيقي للمصور يتم ذكره كثيراً خلال عرض الفيلم؛ إذ يكفي مشاهدته لمرة واحدة حتى يعلق في الذاكرة.. لو شاهد هؤلاء الفيلم حقيقة لما ارتكبوا تلك السلسلة من الأخطاء الفادحة؟!  

بوريس لوكين هو ضابط الجيش السوفييتي السابق المولود في لينينغراد (سانت بطرسبورغ لاحقاً) عام 1918، جاء إلى سوريا وعمل كاختصاصي إشارة وأنظمة اتصالات؛ وليس ضابطاً في جهاز الاستخبارات السوفييتي "الكي. جي. بي"، أو صحفي، أو مؤرخ، كما ادعى بعضهم في مقالاتهم!

لم يتضح فيما إذا كان هذا المحب والهاوي للتصوير السنيمائي والمتخصص في أنظمة الاتصالات ينوي التقاط كوهين بعدسته أو أنه التقطه هكذا عن طريق الصدفة.

من أجل التأكد من صحة ما ذكره الفيلم توجهت صحيفة "يسرائيل هيوم" إلى نادية كوهين، أرملة العميل، التي قالت بعدما شاهدته: "هذا تذكير آخر بإيلي"؛ لكنها انتقدت الحكومة الإسرائيلية أيضاً لعدم بذل المزيد من الجهد في سبيل إعادة رفات زوجها، الذي لا يزال مكان وجوده غامضاً.

 

حمى البحث عن رفات كوهين بمساعدة الروس

رفضت السلطات السورية الكشف عن مكان رفات إيلي كوهين فيما مضى، ولم يُعاد جثمانه إلى إسرائيل أبداً، على الرغم من مطالب عائلته لعقود. 

لم يستطع جهاز "الموساد" رغم بحثها الدؤوب والمستمر لسنوات طوال سوى الوصول إلى ساعة يده التي كان يرتديها حتى لحظة اعتقاله؛ حيث قاموا بشرائها أثناء عرضها في مزاد ببلد آخر وإعادتها إلى إسرائيل. ثم قدمت رسمياً لأرملته نادية في أيار 2018 خلال حفل مغلق، والتي قالت في مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي: "عندما تم إخباري عن الساعة، جف فمي وسرت قشعريرة عبر جسمي. في تلك اللحظة، بدا الأمر كما لو أنني شعرت بيده، وأن جزءاً منه كان معنا".

لم يستطع جهاز "الموساد" رغم بحثه الدؤوب والمستمر لسنوات طوال سوى الوصول إلى ساعة يده التي كان يرتديها حتى لحظة اعتقاله؛ حيث قاموا بشرائها أثناء عرضها في مزاد ببلد آخر وإعادتها إلى إسرائيل. ثم قدمت رسمياً لأرملته في 2018 خلال حفل مغلق

طلبت إسرائيل من روسيا المساعدة في هذه الجهود، لكنها لم تنجح حتى الآن. لقد أصبح قبره لغزاً محيراً تتصارع عدة جهات على معرفة مكانه.

بداية هذا العام، حفرت القوات العسكرية الروسية الكثير من القبور في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بالقرب من دمشق. كذلك قامت بتحليل الحمض النووي لعدد كبير من عظام تلك القبور المحفورة من أجل التعرف على رفات الجاسوس كوهين. شعر السكان المحليون بالغضب من أعمال الحفر هذه، لكنهم لم يستطيعوا فعل شيء، لاسيما وأن السلطات الأسدية التزمت الصمت ولم تعلق على الوضع بأي شكل من الأشكال. 

ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الحفر الهمجي المحموم في مقبرة اليرموك. أفادت تقارير سابقة على أن القوات الروسية والأسدية حفرت قبوراً في عام 2019 بحثاً عن جنود إسرائيليين مفقودين قُتلوا في أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي. بعد ذلك، في 9 أبريل 2019، سلم الجانب الروسي إلى إسرائيل رفات الجندي زكريا باومل من سلاح الدبابات، الذي قتل في لبنان عام 1982.. 

يذكر أن كتيبة دبابات تابعة للجيش الإسرائيلي، قد خسرت عند خروجها من حصار معركة السلطان يعقوب في سهل البقاع اللبناني ما يصل إلى 35 جندياً وضابطاً!

 

خالد أمين الحافظ: أنا أعرف مكان دفن إيلي كوهين!

قالت صحيفة Newshub النيوزيلندية في عددها الصادر 24 تشرين الثاني 2021 إن مهاجراً سورياً يعيش في أوكلاند اسمه خالد الحافظ، ويدعي أنه ابن الرئيس السوري الأسبق أمين الحافظ، يعرف مكان رفات ضابط الاستخبارات الإسرائيلي الذي أُعدم في دمشق عام 1965، وكان قد صرح في مقابلة خاصة معها: "أنا ابن الشخص الوحيد على هذا الكوكب الذي يعرف مكان دفن الرفات!". كذلك أضافت نقلاً عنه بأن جهاز المخابرات النيوزيلندي اتصل به قبل عامين، معتقداً أن لديه معلومات حول موقع دفن العميل الإسرائيلي؛ وأن هذا السر أخذه والده معه إلى قبره. ويزعم الحافظ أنه تفاوض مع الموساد للإفصاح عن هذه المعلومات، لكنه أراد الحصول على مليون دولار مقابل خدماته، وهو ما رفض جهاز الأمن دفعه! 

يزعم خالد الحافظ ابن الرئيس أمين الحافظ أنه تفاوض مع الموساد للإفصاح عن هذه المعلومات، لكنه أراد الحصول على مليون دولار مقابل خدماته، وهو ما رفض جهاز الأمن دفعه! 

بعد نشر المقابلة اتصلت نادية، أرملة كوهين، برئيس الموساد يوسي كوهين مباشرة، وطالبته بالإجابة عن سبب عدم إتمام الصفقة. "أريد أن أسأل، ألا يستحق إيلي المال؟... أريد من يوسي كوهين أن يوضح ما حدث". لكن رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن والسفير الإسرائيلي يتسحاق جيربيرج رفضا التعليق على ما جاء في الصحيفة!

أصر الحافظ في السابق على الحصول على المال مقابل خدماته، لكنه غيّر رأيه لاحقاً، وقال بأنه مستعد الآن للإفصاح عن المعلومات دون مكافأة مالية حتى يتمكن أقارب كوهين أخيراً من دفن فقيدهم وإيجاد السلام: "سلمت القضية إلى المفتش العام للمخابرات والأمن، المسؤول عن الإشراف على وكالتين استخباراتيين رئيسيتين في نيوزيلندا، وأخبرته أنه يمكنه حل لغز عمره 53 عاماً".

 

بين الحقيقة والخيال

تكتنف أنشطة إيلي كوهين التجسسية في سوريا الغموض، بحيث يصعب فيها فصل الحقيقة عن الخيال والشائعات. لكن مع ذلك حظي كوهين برعاية وثقة خاصتين لدى الرئيس السوري الأسبق أمين الحافظ، الذي تعرّف عليه في الأرجنتين أثناء عمله ملحقاً عسكرياً في العاصمة بوينس آيرس. لم يدرك الحافظ أن كوهين عميل مخابرات إسرائيلي، وقام بترقيته في السلم الوظيفي عندما أصبح رئيساً لسوريا، حيث أصبح في البداية مستشاراً له، ومن ثم ضابطاً في جهاز الأمن برتبة عقيد.

كان كوهين السوري (حافظ الأسد) يحضر نفسه للرئاسة في ذلك الوقت، ويمسح الجوخ ويحمل الحقيبة لأمين الحافظ 

هذا أمر لا يصدق، لكنه حقيقي؛ فقد كان إيلي كوهين مقنعاً جداً لدرجة أنه أربك الجميع، وكاد أن يصبح رئيساً لسوريا؛ فقد عُدّ المرشح الثالث لهذا المنصب!

لكن، مع ذلك، كان كوهين السوري (حافظ الأسد) يحضر نفسه للرئاسة في ذلك الوقت، ويمسح الجوخ ويحمل الحقيبة لأمين الحافظ (أبو عبدو الجحش)؛ الذي نفى أن تكون له أية علاقة صداقة مع كوهين، لأنه عاش في موسكو حتى عام 1962. لكن الصور التي تم الكشف عنها تؤكد على وجود علاقة طيبة وتنسيق جيد بين الاثنين وحضورهما لأكثر من فعالية حكومية أو احتفال معاً.  


هامش: 

تتحفظ (أورينت نت) على بعض المعلومات التي يوردها د. علي الحافظ في هذا المقال، لجهة منح إيلي كوهين رتبة عقيد في جهاز الأمن الخاص بالرئيس امين الحافظ، وكونه "المرشح الثالث لرئاسة سوريا"!

 هذه معلومات عارية عن الصحة ونفتها المصادر الإسرائيلية، لأن الموساد - حينها - كان يطلع من خلال كوهين على حالة الانقسام والتناحر المشحون التي كانت تعيشها أجنحة البعث بعد الوصول إلى السلطة، وكانت تحذر كوهين من أن ينتمي لأي محور، وأن يبقى صديقا للجميع، كما رفضت أن  يقبل عضوية قيادة حزب البعث وإن حضر أحد مؤتمرات البعث بصفته صديقاً،  وكان رأي الموساد أنه لا يُعرف غدا من سينقلب على من، ومن سيسجن من؟! وهي حقيقة أكدتها الأحداث التي وقعت بعد ذلك.. حين أطيح بالرئيس أمين الحافظ في انقلاب عسكري، ثم أعدم سليم حاطوم وبدر جمعة، واعتقل اللواء أحمد السويداني الذي قبض على كوهين، واستمرت الانقسامات ومحاولات الانقلابات حتى وصول حافظ الأسد إلى السلطة في انقلاب عسكري أيضا   (أورينت نت)

التعليقات (4)

    محمد الجندي

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    كلام ملئ بالمغالطات ويصب في مصلحة الدعايه الاسرائيليه التي ارادت تضخيم دور كوهين في سوريا بكلام بعيد كل البعد عن الحقيقه

    السيف الدمشقي

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    روج اعلام عبد الناصر أن كوهين كاد يصبح رئيسا لسورية بعد استعار الحملات بينه وبين نظام البعث السوري على خلفية فشل مباحثات اعادة الوحدة التي لم تكن الطغمة العلوية جادة فيها اصلا.. كي يقول انظروا ما حل بسورية بعد الانفصال عن مصر. لكن قطعا كوهين لم يحصل على اي منصب رسمي والسبب وضحه تعليق اورينت نت بشكل دقيق

    علوي علماني

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    اللي اسمو خالد الحافظ وميقول بيعرف مكان دفن كوهين كلامو فارغ لان الجثة تبدل مطرحها اكتر من تلات مرات ... واللي اسمو سيف الدمشقي متقول عنا الطغمة العلوية؟ نحنا طغمة؟ يا ×× يا فدان بحض رقبتي آفي أغبى منك

    معتز الدالاتي

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    قصة سرية عن كوهين: عندما تقرر إعدامه تواصل الموساد مع المصور الشهير بدمشق ازاد وطلبوا منه تصوير عملية الاعدام لقاء مبلغ كبير. فاستأجر المذكور شقة في فندق مطل على المرجة (ربما سمير، لا اعرف) ووثق العملية بالكامل. ثم لما انكشف امره هرب من سوريا ولم يعد ابدا، ومحله المعروف بالقرب من سينما دنيا بقي موجودا ويعمل به مصور اسمه بيير. ومن يومها اختفى ازاد تماما
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات