تشابه الجماعات التسلطية واختلافها: بين العصبية العسكرية والأمنية والعصبية الطائفية

تشابه الجماعات التسلطية واختلافها: بين العصبية العسكرية والأمنية والعصبية الطائفية
تتشابه الجماعات التسلطية في بلدان الربيع في ماهية ممارساتها، وتختلف في صور ممارسة التسلط وأشكاله، وفي عصبياتها المتنوعة. ولهذا فإن مصير هذه العصبيات قد ارتبط بطبيعتها التي سنظهرها.

فالجماعة التسلطية المصرية مثلاً تنتمي إلى الأكثرية من حيث الانتماء الديني. وكذا الجماعة التسلطية التونسية . إذا ليس هناك عصبية دينية تجمع الجماعة الحاكمة. 

تكونت الجماعة التسلطية في مصر حول شخصية الرئيس الذي ينتمي بالأصل إلى المؤسسة العسكرية، وأحاط نفسه بجهاز أمني وعسكري وحزبي وأيديولوجي. حيث أعلنت قيادات المؤسسة العسكرية ولاءها للسلطة محافظة على امتيازاتها. فالعصبية هنا قد تكونت بوصفها عصبية عسكرية وأمنية.

تكونت الجماعة التسلطية في مصر حول شخصية الرئيس الذي ينتمي بالأصل إلى المؤسسة العسكرية، وأحاط نفسه بجهاز أمني وعسكري وحزبي وأيديولوجي

وأحاطت المؤسسة الأمنية الرئيس بالحماية، وقدم الحزب الوطني الوجه المدني للجماعة التسلطية بسيطرته على السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية عبر تزييف الانتخابات التشريعية وتحطيم نزاهة السلطة التنفيذية وكذا الحال في تونس، ولقد منح الحاكم المطلق للدائرة المحيطة به فضلات سلطة تسمح لها بالإثراء وممارسة الفساد، وعلى امتداد ثلاثة عقود تكونت لدى الحاكم المطلق وأسرته الضيقة و الدائرة المحيطة وبعض جماعات الولاء له ذهنية امتلاك الدولة بوصفها امتداداً لذهنية امتلاك السلطة.

صحيح إن هذه الجماعة التسلطية محدودة وأقلية ولكنها جماعة مفتوحة وليست مغلقة، حيث يمكنها استيعاب أفراد جدد. ولهذا فالعصبية هنا هي عصبية أجهزة السلطة الفاعلة في بقاء السلطة، وليست عصبية الحزب الوطني الغطاء غير الفاعل إلّا في حدود ضيقة. بل إن الفاعلين في الحزب الوطني هم الفاعلون أنفسهم في بقاء السلطة. فيما الجمهور المنتسب له هامشي ولا يشكل عصبية.

والتسلطية السودانية هي الأقرب للتسلطية المصرية. لكنها توسلت الدين غطاءً أيديولوجياً لحكمها.

فيما التسلطية الليبية، كانت تسلطية أكثر مركزية، وذات إهاب أيديولوجي قومي، وباعتقاد المستبد بأنه المخلص على مستوى الأمة، بل والعالم، وقد دفعه جنون العظمة لخلق شرط تحوله إلى ملك ملوك أفريقيا. صحيح بأن عصبيته القبلية كانت قوية، لكن أجهزته القمعية كانت موزعة على عدة أفراد لا تربطهم رابطة الدم.

 التسلطية الليبية، كانت تسلطية أكثر مركزية، وذات إهاب أيديولوجي قومي، وباعتقاد المستبد بأنه المخلص على مستوى الأمة، بل والعالم، وقد دفعه جنون العظمة لخلق شرط تحوله إلى ملك ملوك أفريقيا

فيما نشأت الجماعة التسلطية في اليمن بعد عملية امتلاك السلطة بعد الاغتيال السياسي. ثم تحول المتسلط إلى مركز تحيط به القبيلة أو فخذ من أفخاذ القبيلة، وبالتالي وزع المتسلط اليمني فضلات السلطة على أقاربه ومنحهم مراكز أدوات القمع. الأمن، الجيش، الحرس الجمهوري .

غير أن ذهنية ابن القبيلة و التوزع القبيلي وتنوعه و أخلاق المجتمع القبلي لا تسمح له بممارسة العنف بالدرجة نفسها التي مارستها فيها الجماعة التسلطية في بلدان أخرى.

عصبية النظام اليمني هنا عصبية قبلية – عائلية على خلاف العصبية التونسية و المصرية، حيث العصبية متكونة من المتحلقين حول الرئيس وأسرته. ولهذا كان أسهل على الشعب المصري التخلص من الذين تحلقوا حول الرئيس و مجموعة من الموالين المرتزقة. فيما النموذج اليمني للعصبية كان أقوى لأنه قام على رابطة الدم .

عصبية النظام اليمني عصبية قبلية – عائلية على خلاف العصبية التونسية و المصرية، حيث العصبية متكونة من المتحلقين حول الرئيس وأسرته. ولهذا كان أسهل على الشعب المصري التخلص من الذين تحلقوا حول الرئيس و مجموعة من الموالين المرتزقة. فيما النموذج اليمني للعصبية كان أقوى

أما النموذج السوري للعصبية التسلطية والذهنية الحاكمة مختلف عن العصبية التسلطية اليمنية والمصرية والتونسية والسودانية والليبية، حيث تكونت الجماعة التسلطية بالتدريج منذ 1963 لتصل في عام 1970 عصبية قوامها الطائفية، التي بدورها تطورت في فترة طويلة من الزمن لتخلق ذهنية الطائفة التسلطية .

إن عصبية النظام السوري التعصبية التسلطية أعقد من العصبيات التسلطية الأخرى. صحيح إن الحاكم هناك وهنا قد أحاط نفسه بالأولاد والأقارب و الأنسباء لكن وراء المستبد السوري تكونت أدوات القمع الطائفية وأفراد من الطوائف الأخرى لا يمثلون طوائفهم .

عصبية النظام السوري التسلطية أعقد من العصبيات التسلطية الأخرى. صحيح إن الحاكم هناك وهنا قد أحاط نفسه بالأولاد والأقارب و الأنسباء لكن وراء المستبد السوري تكونت أدوات القمع الطائفية 

وهنا كمنت الخطورة فالعصبية الطائفية أقوى وأمتن، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإنها لمّا كانت عصبية طائفية تشكل أقلية فإن درجة الخوف لديها أكبر . ولأن درجة الخوف لديها أكثر ازدادت إيغالاً أكثر بطبع مؤسستي الأمن و الجيش بطابع طائفي أولاً، و ممارسة إخافة الناس إلى الحد اللامعقول ثانياً . 

فضلاً عن الإطاحة بالقوانين والأعراف والتقاليد إطاحة غير معهود بها في الوطن العربي.

وهذا الذي يفسر اختلاف مسارات الثورات في كلٍ من مصر وتونس و اليمن عن مسار الثورة السورية، فلقد انتصرت الثورتان التونسية والمصرية بزمن قياسي قصير لأن العصبية التسلطية و الذهنية التسلطية أيضاً لم تتخذا طابعاً قبيلياً أو طائفياً. فكانت أضعف بما لا يقاس من العصبية التسلطية في اليمن حيث العصبية القبلية و المؤسسة العسكرية المستولى عليها من قبل الأسرة الأضيق. وتخلص الليبيون من تسلطيتهم بعامل خارجي. فيما العصبية التسلطية في سورية وقد أخذت طابعاً طائفياً وتكونت ذهنية الطائفة بوصفها الجماعة التسلطية وصارت الذهنية التسلطية الطائفية ترى المجتمع عدواً طائفياً لها , فالجماعة التسلطية لا تملك فضلات قوة من الحاكم الأول المطلق كما في تونس ومصر بل تملك القوة نفسها، والفضلات تعطى لمجموعة سيّارة حول عصبية النظام غير موثوق بها أصلاً.

 لمّا كانت عصبية طائفية تشكل أقلية فإن درجة الخوف لديها أكبر . ولأن درجة الخوف لديها أكثر ازدادت إيغالاً أكثر بطبع مؤسستي الأمن و الجيش بطابع طائفي

واللافت للنظر بأن سوريا وليبيا من بين  جمهوريات الربيع التي استدعت قوات أجنبية، الأولى للحفاظ على السلطة والثانية للقضاء على السلطة. ولاشك أن النفط الليبي هو الذي دفع الغرب للإطاحة بالقذافي، والبعد الطائفي الإيراني وسحر المتوسط بالنسبة لروسيا هو الذي كان وراء بقاء الأسدية.  

وبالمناسبة فإن الأحزاب التي من شأنها أن تشكل عصبيات أيديولوجية وتنظيمية للسلطات في مصر وتونس واليمن وسوريا وليبيا والسودان لم تشكل قوى فاعلة في الدفاع عن الجماعة التسلطية، لأن الأكثرية المنتسبة إليها لم تكن ذات ولاء للحاكم المتسلط، بل كانت واجهة سياسية لتجميل صورة الجماعة التسلطية وطاغيتها.

لا شك بأن الجماعات التسلطية قد جعلت البلاد مجموعة من الجثث هيهات أن تستعيد أرواحها في وقت قصير.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات