وفي جلسة المحكمة التي عقدت يوم أمس الخميس، أدلى طبيب سوري (36 عاماً) كان يعمل كطبيب مساعد في مستشفى الهلال الأحمر والذي كان مجاوراً لفرع المخابرات رقم 251 بالعاصمة دمشق، بشهادات جديدة حول علاجه لمعتقلين كانوا محتجزين في الفرع نفسه.
"لم تُرَ من قبل"
بدأت القصة منذ رمضان عام 2012، عندما قدِم ضابط من فرع الخطيب إلى مستشفى الهلال الأحمر المجاور للفرع حيث اجتمع بإدارة المشفى لتنظيم زيارات يومية لمساعدي الأطباء إلى سجن الفرع.
وبالفعل، قام الطبيب الشاهد وزملاؤه بفحص المعتقلين في سجن الفرع في مكانٍ ما تحت الأرض، وكانت طبابتهم تغطي علاج إصابات صغيرة كـ"خرّاجات" في الذراعين والقدمين، أو جروح صغيرة في الرأس.
وفي تفاصيل يوميات علاج المعتقلين، أفاد الطبيب بأنه وزملاءه عالجوا أكثر من مئة مريض، وتراوحت ساعات العلاج قرابة الساعتين وامتد بعضها إلى خمس ساعات متواصلة في السجن الذي يقبع تحت أرض الفرع.
وعرّج الطبيب في شهادته على معالجته لبعض الإصابات واصفاً إياها بأنها "مختلفة تماماً" عن أي حالة مرضية تعلموها أثناء دراستهم للطب، فمن بين الإصابات رضوض وجروح كبيرة كشف بعضها عن شرايين وأوتار المعتقلين.
في حين، كان بعضها كسوراً في العظام وأخرى انتفاخات وإنتانات تضاعفت أضعاف حجمها الحقيقي، وأردف الطبيب في شهادته أمام المحكمة قائلاً إنها "كانت المرة الأولى التي يشاهد فيها هكذا حالات".
المعتقلون "الأكثر حظاً"!
وذكر الطبيب أن ضباط الفرع ألزموهم بعدم تبادل الحديث مع أي من المعتقلين أو سؤالهم عن مصدر الإصابة أو الرض وإلا سيتعرض المعتقلون للضرب فوراً، كما شددوا على الأطباء إعطاء القليل من المضادات الحيوية للمعتقلين بحصة لا تتجاوز الحبة الواحدة فقط.
وفي معرض شهادته عن حالات الوفاة، استذكر الطبيب أول جثة لمعتقل رآها في الفرع، يقول "كان شاحباً عارياً حافي القدمين، ولسانه جافّ أبيض، لم يُسمح للطبيب بتحديد سبب الوفاة، وإنما على الأطباء أن يقرروا ما إذا كان علاج المريض ممكناً أو لا، وإن مات، فمهمة الطبيب انتهت"، وفق تعبيره.
وبحسب شهادة الطبيب، كانت حالات الوفاة التي نقلت إلى المشفى هي الأكثر حظاً، إذ سمح للأطباء هناك بتحديد أسباب وفاة المعتقلين والتي تنوعت بين فشل في القلب، أو فشل كلوي، أو انخفاض في ضغط الدم بسبب الجفاف، او تعفّن الدم نتيجة الإصابات.
ورغم تحديدهم لأسباب الوفاة، لم يكن أحد قطّ من الأطباء يقتنع بالسبب؛ فالحالة العامة للمعتقل وآثار تعذيبه وجروحه المصاحبة لحالته كانت في كثير من الأحيان سبباً أكثر منطقية في تحديد سبب وفاة المعتقلين، على حد تعبيره.
أكثر مما رآه
وتتقاطع شهادة الطبيب مع ما أدلى به الخبير في الطب الشرعي ماركوس روتشيلد الذي كان معنياً بتحليل صور "قيصر" فيما يتعلق بالإصابات وعلامات وأسباب الوفاة، ووصفها بأنها كانت إحدى أكثر النتائج المحيّرة التي توصل إليها، وهي أن معظم الجثث لم تُظهِر أي أسباب للوفاة.
وبعد ذلك، بدأ الفرع يحصد حالات وفاة بين معتقلين معذبين، بعضهم فارق الحياة في المعتقل على إثر التعذيب ومنعهم من الطبابة اللازمة، وبعضهم الآخر نقلوا إلى المشفى بعد أن فقدوا الوعي. وأكد الطبيب المساعد أنه كان شاهداً على ما لا يقل عن خمسين حالة وفاة، ليعلم لاحقاً من زملائه أن حالات الوفاة كانت أكثر مما رآه.
التعليقات (5)