استحالة الإصلاح في سوريا

استحالة الإصلاح في سوريا
نشرتُ في عام 2011 في جريدة السفير العدد 12001 بتاريخ 1 تشرين أول/ أكتوبر،  مقالاً بعنوان (استحالة الإصلاح)، وكان ربيع الثورات  قد راح ينتظم أغلب الجمهوريات.

قام المقال على الأطروحة الآتية: النظام سياسي العربي الذي شهد الثورات هو بالأصل بنية مضبوطة ضبطاً داخلياً وشديداً، بنية ذات عناصر متشابكة في وظائفها. تتكون بنية النظام السياسي العربي من عصبيات أقلوية ضيقة، وأدوات تحافظ على هيمنة هذه العصبية السلطوية من أي خطر داهم يأذن بتفكيكها.

وبتعريف جامع مانع، السلطة الدكتاتورية بنية تحتكر القوة بكل أشكالها العسكرية والأمنية والمالية والإعلامية، وبالتالي هي تنويعات لنغم واحد هو السلطة التسلطية  الديكتاتورية.

السلطة الدكتاتورية بنية تحتكر القوة بكل أشكالها العسكرية والأمنية والمالية والإعلامية، وبالتالي هي تنويعات لنغم واحد هو السلطة التسلطية  الديكتاتورية

لقد تساءلت هل هذه البنية قابلة للإصلاح؟ الجواب نعم لأن كل شيء قابل للإصلاح، لكن أي إصلاح لهذه البنية لا يغير من جوهر هذه البنية التسلطية التي تحتكر القوة بكل أشكالها. فإصلاح البنية التسلطية للسلطة  هو عملياً إبقاء على هذه البنية.

فحدود إصلاح البنية الديكتاتورية هي التخفيف من أدوات القمع السياسي والثقافي والمعيشي مع بقاء وظيفة القمع ذاتها.

ولهذا فالنظام السياسي الذي يطرح إصلاح ذاته إنما يقصد البقاء مع الإصلاح. وبقاء آليات حفظ النظام، وبالتالي الإصلاح يتم داخل البنية والتي لا تنقل البنية إلى بنية جديدة. إنه تجديد القديم، إصلاح من أجل الحيلولة دون ولادة الجديد القابع في رحم التاريخ، وبالتالي لايمكن الانتقال من بنية ديكتاتورية إلى بنية ديمقراطية عن طريق إصلاح البنية الديكتاتورية، لأن البنية الديمقراطية بنية مختلفة اختلافاً كلياً، وتشكل قطيعة مع البنية الديكتاتورية التسلطية. فالبنية الديموقراطية قابلة للإصلاح بمزيد من الديموقراطية وتوسيع مجال الحريات الفردية أكثر.

إذاً الثورة بتعريفنا هي الانتقال من بنية قديمة إلى بنية جديدة تقيم قطيعة مع القديمة، ولما كان إصلاح البنية السلطوية الدكتاتورية، والسائدة مستحيلاً فإن الثورات قد حدثت وستحدث بوصفها قطيعة مع القديم.

النظام السياسي الذي يطرح إصلاح ذاته إنما يقصد البقاء مع الإصلاح. وبقاء آليات حفظ النظام، وبالتالي الإصلاح يتم داخل البنية والتي لا تنقل البنية إلى بنية جديدة. إنه تجديد القديم، إصلاح من أجل الحيلولة دون ولادة الجديد القابع في رحم التاريخ

ولو افترضنا جدلاً  أن السلطة العربية السائدة قبلت بالإصلاح وراحت تنجزه ولو بشكل بطيء، فإن هذا الإصلاح إذا مس العمود الفقري للسلطة فإن السلطة منهارة لا محالة.

فالسلطة الدكتاتورية في سوريا مثلاً لا تعيش أزمة بل مأزقاً تاريخياً، والفرق بين الأزمة والمأزق فرق كبير جداً. الأزمة بالتعريف انقطاع مؤقت للتقدم يمكن تجاوزه، فأزمة كهرباء أو سلعة وما شابه ذلك من أزمات لا تدمر البنية المأزومة، فيما المأزق وصول البنية إلى طريق مسدودة لا يصلح معها إلا القضاء عليها ببنية جديدة.

لقد وصلت البنية الحاكمة إلى مأزق تاريخي فاستعانت بقوى خارجية للحفاظ على مأزقها وهذا أمر لا يعني سوى زيادة المأزق عمقاً.

السلطة الدكتاتورية في سوريا لا تعيش أزمة بل مأزقاً تاريخياً، والفرق بين الأزمة والمأزق فرق كبير جداً. الأزمة بالتعريف انقطاع مؤقت للتقدم يمكن تجاوزه، فيما المأزق وصول البنية إلى طريق مسدودة لا يصلح معها إلا القضاء عليها

ولهذا فالدعوة للإصلاح الذي يتحدث عنه أنصار بقاء البنية المأزوقة نوع من العبث، فإصلاح البنية المأزوقة مستحيل واقعياً.

وتأسيساً على ذلك نصل إلى بيت القصيد، ألا وهو أن أفضل وسيلة للتصالح مع التاريخ هي شق الطريق  للبنية الجديدة لتحقيق انتصارها ولتحقيق قطيعة تاريخية كيفية.

ذلك أن القبول بمنطق موت القديم وولادة الجديد، لا يوفر دماء أبناء الوطن فقط، بل يحافظ على بناء الوطن ومنع أية أطماع خارجية ذات أهداف تدميرية أيضاً. 

لكن المأزوقين قوم لا يعقلون.

التعليقات (5)

    hope

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    اي حكم استبدادي يرتكز على من لا يعقل او لا يفهم والافضل جاهل لتنفيذ الاوامر بدون تفكيرهذا ماسعى اليه الحكم البعثي ثم حكم السفاح ووالده. لذلك من كان عنده ذرة انسانيه و احترام لنفسه وفكر(فكر) اعلن انشقاقه في بداية الثوره. ولذلك يستحيل اصلاحه لعدم رغبته بالفهم . تحيه للدكتور احمد.

    مُلحِد مصيافيّ مُندس

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    تستخدم الشبّيحة مُصطلح "أزمة" بمعنى لا علاقة له بأزمات الغاز والكهرباء فهذه كماليات لا تهم كثيراً! ومعك كلّ الحقّ دكتور أحمد باعتبار الواقع "مأزق" لا حلّ له إلا بالقضاء على "مُسببيه" .. لا يوجد أيّ حلّ آخر .. اللعنة على روح مَنْ أوصل الوضع إلى هنا!

    علوي علماني

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    يعني بشار الكر مأزوق مو مأزوم. بالله أبلاقي احلى من مقالاتك يا أستاذي وبدي إلعن ××× أمو اللي ميقول هي أزمة. اندبحنا واتدبحنا ولسه ميقولو أزمة.

    سامي الشامي

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    يرجى... اخذ دور المشرف المهندس لهذه الأنظمة والراعي لها بالاعتبار في التحليل ????????

    ساهي

    ·منذ سنتين 9 أشهر
    مهما تعددت التسميات لما هو الواقع والمستقبل فلماذا لا نعود الى الأصل ومعرفة كيف وصلنا الى ما نحن عليه لنفكر اذا بإمكاننا تغيير ما خططه الصليبيون والإسرائيليون لنا مسبقا؟ هل نسينا ماقاله المرحوم أحمد زكي اليماني بأن كيسينجر وضع خطة ولا أجمل ولكن لم يكن يتوقع أن تنفذ بأجمل مما وضعها!.
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات