قام المقال على الأطروحة الآتية: النظام سياسي العربي الذي شهد الثورات هو بالأصل بنية مضبوطة ضبطاً داخلياً وشديداً، بنية ذات عناصر متشابكة في وظائفها. تتكون بنية النظام السياسي العربي من عصبيات أقلوية ضيقة، وأدوات تحافظ على هيمنة هذه العصبية السلطوية من أي خطر داهم يأذن بتفكيكها.
وبتعريف جامع مانع، السلطة الدكتاتورية بنية تحتكر القوة بكل أشكالها العسكرية والأمنية والمالية والإعلامية، وبالتالي هي تنويعات لنغم واحد هو السلطة التسلطية الديكتاتورية.
لقد تساءلت هل هذه البنية قابلة للإصلاح؟ الجواب نعم لأن كل شيء قابل للإصلاح، لكن أي إصلاح لهذه البنية لا يغير من جوهر هذه البنية التسلطية التي تحتكر القوة بكل أشكالها. فإصلاح البنية التسلطية للسلطة هو عملياً إبقاء على هذه البنية.
فحدود إصلاح البنية الديكتاتورية هي التخفيف من أدوات القمع السياسي والثقافي والمعيشي مع بقاء وظيفة القمع ذاتها.
ولهذا فالنظام السياسي الذي يطرح إصلاح ذاته إنما يقصد البقاء مع الإصلاح. وبقاء آليات حفظ النظام، وبالتالي الإصلاح يتم داخل البنية والتي لا تنقل البنية إلى بنية جديدة. إنه تجديد القديم، إصلاح من أجل الحيلولة دون ولادة الجديد القابع في رحم التاريخ، وبالتالي لايمكن الانتقال من بنية ديكتاتورية إلى بنية ديمقراطية عن طريق إصلاح البنية الديكتاتورية، لأن البنية الديمقراطية بنية مختلفة اختلافاً كلياً، وتشكل قطيعة مع البنية الديكتاتورية التسلطية. فالبنية الديموقراطية قابلة للإصلاح بمزيد من الديموقراطية وتوسيع مجال الحريات الفردية أكثر.
إذاً الثورة بتعريفنا هي الانتقال من بنية قديمة إلى بنية جديدة تقيم قطيعة مع القديمة، ولما كان إصلاح البنية السلطوية الدكتاتورية، والسائدة مستحيلاً فإن الثورات قد حدثت وستحدث بوصفها
ولو افترضنا جدلاً أن السلطة العربية السائدة قبلت بالإصلاح وراحت تنجزه ولو بشكل بطيء، فإن هذا الإصلاح إذا مس العمود الفقري للسلطة فإن السلطة منهارة لا محالة.
فالسلطة الدكتاتورية في سوريا مثلاً لا تعيش أزمة بل مأزقاً تاريخياً، والفرق بين الأزمة والمأزق فرق كبير جداً. الأزمة بالتعريف انقطاع مؤقت للتقدم يمكن تجاوزه، فأزمة كهرباء أو سلعة وما شابه ذلك من أزمات لا تدمر البنية المأزومة، فيما المأزق وصول البنية إلى طريق مسدودة لا يصلح معها إلا القضاء عليها ببنية جديدة.
لقد وصلت البنية الحاكمة إلى مأزق تاريخي فاستعانت بقوى خارجية للحفاظ على مأزقها وهذا أمر لا يعني سوى زيادة المأزق عمقاً.
ولهذا فالدعوة للإصلاح الذي يتحدث عنه أنصار بقاء البنية المأزوقة نوع من العبث، فإصلاح البنية المأزوقة مستحيل واقعياً.
وتأسيساً على ذلك نصل إلى بيت القصيد، ألا وهو أن أفضل وسيلة للتصالح مع التاريخ هي شق الطريق للبنية الجديدة لتحقيق انتصارها ولتحقيق قطيعة تاريخية كيفية.
ذلك أن القبول بمنطق موت القديم وولادة الجديد، لا يوفر دماء أبناء الوطن فقط، بل يحافظ على بناء الوطن ومنع أية أطماع خارجية ذات أهداف تدميرية أيضاً.
لكن المأزوقين قوم لا يعقلون.
التعليقات (5)